هدى القرماني
برز اسم فريد الباجي هذه الفترة كرجل شديد الإيمان خاصة إثر برنامج “الزلزال ” خلال شهر رمضان والّذي أُبهر به حينها كثير من التونسيين إلى حدّ نعته بـ “المسلم أو المؤمن الحقّ”.. مواقفه وتصريحاته هي الأخرى حملت له الكثير من المعجبين من ناحية والكثير أيضا من الشيوخ المنتقدين وحتّى المكذّبين والمهاجمين على غرار الشيخ السلفي البشير بن حسن والشيخ محمد الهنتاتي رئيس جمعية ملتقى الأئمة الّذي تابعنا حربه الكلامية مع فريد الباجي وتبادل التهم بينهما سواء على المباشر أو من خلال التسجيلات.
لكنّ قضيّة الحال واتّهام فريد الباجي بالمشاركة في القتل العمد لفوزي المحمدي أحد المنتمين إلى شقّ “المستنقصة” داخل جماعة الدعوة والتبليغ مع سابقية القصد بالتحريض أثار تساؤل واستغراب العديدين، مع أنّ أطرافا وجهت له أصابع الاتهام مباشرة واتّهمته بأنّه قد حرّض العديد من المنتمين إلى جماعة الدعوة والتبليغ على العنف على غرار محمد الهنتاني والّذي أعلنها مباشرة في إحدى الإذاعات الخاصة وكذلك شهد بها لدى قاضي التحقيق في القضية الحال والتي ردّ عليها فريد الباجي بأنها “شهادة زور”.
فما حقيقة اقحام اسم “فريد الباجي” في هذه القضيّة..؟ ومن هو فريد الباجي..؟ وما علاقته بالضحيّة فوزي المحمدي..؟
كلّها أسئلة أردنا الإجابة عنها خاصّة وأنّ هناك محاولات إلى جعل هذه القضيّة سياسيّة في حين ترى أطراف أخرى أنّها ليست سوى قضيّة عاديّة أتت بالصدفة ولم يكن مخططا لها. فهل هي حقّا قضيّة سياسيّة ويوجد من يقف وراءها..؟
حظيت قضيّة مقتل فوزي المحمدي أحد المنتمين إلى شقّ “المستنقصة” التابعة إلى جماعة الدعوة والتبليغ كما ذكرنا ذلك آنفا بكثير من الاهتمام والتغطية والمتابعة الاعلاميّة، كما تمّ خلال التحقيق فيها ذكر واستماع إلى عديد الأسماء بمن في ذلك المطرب الشعبي سابقا فوزي بن قمرة والّذي حضر كشاهد للإدلاء بدوره عن معلومات حول عمليّة الاعتداء عليه والّتي قد تكون على ارتباط بقضية مقتل فوزي المحمدي نظرا لانتمائه حاليا لإحدى الطوائف الدينية.
وللتذكير فعملية قتل المحمدي تعود إلى 19 ديسمبر 2012 بالمدينة العتيقة بسوسة بواسط سلاح حاد (سكين)، لم يظهر إلى حدّ هذه الساعة كما أُفدنا، واتّهم فيها ثلاثة قبض على اثنين منهم في حين بقي المتهم الثالث في حالة فرار إلى حدّ اليوم، وقد استكمل التحقيق فيها وتمّت إحالتها على دائرة الاتّهام.
من هو فريد الباجي..؟
في تصريح له لإحدى وكالات الأنباء قال شيخ جامع الزيتونة حسين العبيدي أنّ فريد الباجي رئيس جمعيّة دار الحديث الزيتونية وممثّل المجلس الدولي للعالم الإسلامي في تونس ليس زيتونيا ولم يدرس في جامع الزيتونة وإنّما ينسب نفسه إلى جامع الزيتونة في حين أنّه ليس إلّا من “شيوخ الفضائيات” كما جاء على لسانه.
ووفقا لمصادرنا الخاصّة علمنا أنّ فريد الباجي إثر انقطاعه عن التعليم في تونس سافر إلى باكستان أين حفظ القرآن وجوّده ثمّ انتقل إلى سوريا أين درس أصول الفقه وعلم الحديث وتحصّل على الإجازة ثمّ واصل تعليمه العالي في الهند أين تحصّل على الإجازة في علم التحقيق ثمّ رجع مجدّدا إلى سوريا أين عُيّن مدرّسا في معهد “الأمينية” بدمشق ثمّ شاءت الصدف أن يزور وزير الشؤون الدينية في إمارة دبي الّذي أعجب به وعيّنه باحثا مستشارا لديه في الوزارة، وكان الباجي يؤشّر على دخول الكتب إلى دبي بالقبول أو الرفض ما خلق له عداوة مع العديد من المنتمين إلى التيّار الوهابي حتّى أنّ بعضهم أراد قتله فعاد إلى تونس سنة 1998 وانضمّ إلى جماعة الدعوة والتبليغ، وقد ألّف الباجي عديد المؤلفات الدينيّة والفقهيّة وعرف بخلافه الفكري مع التيارات السلفية.
رحلة لفريد الباجي في عدّة دول ولعدّة سنوات من باكستان إلى سوريا إلى الهند فسوريا مرّة ثانية ثمّ الإمارات لا يمكن إلّا أن يكون قد استفاد منها وكان لها الأثر على شخصه وعلى علاقاته والّتي لا يعرف إن بقيت متواصلة أم انقطعت مع عودته إلى تونس.
وعلى خلاف ما يؤكّده فريد الباجي من أنه يؤمن بالاعتدال والتسامح وينبذ العنف و الفكر المتشدّد وأنّه يعمل دوما على نشر قيم الإسلام الوسطي المعتدل والمتسامح مشيرا إلى أنّ التونسيين يشهدون له بذلك، يتهمّه بعض الشيوخ بالتكفير وبالتحريض على العنف وحتى على القتل …وهو ما يثير الاستغراب وعديد التساؤلات.
وإن عُرف لدى الكثيرين أنّ فريد الباجي هو زعيم الأحباش فقد نفى هذا الأخير في مناظرة له في إحدى الإذاعات الخاصة أن يكون كذلك أو أن يكون منتسبا إليهم مؤكدا أنّه صرّح وكتب مرّات عديدة يرّد فيها على الأحباش الّذين يعتبرهم “طائفة من المسلمين من أهل السنة والأشاعرة ونختلف معهم في تشدّدهم” كما جاء على لسانه معلنا أنهم قد قاموا مرارا بتكفيره. واعتبر فريد الباجي أنّ كلّ من أطلق عليه لقب زعيم الأحباش يقصد استهداف شخصه بالقتل.
ما علاقة فريد الباجي بالهالك..؟ ولماذا تمّ اتّهامه..؟
من المعروف أنّ كلّا من فريد الباجي والهالك فوزي المحمدي ينتميان إلى جماعة الدعوة والتبليغ لكن وفق ما استقيناه من أنباء فإنّ الجماعة عرفت انقساما إلى مجموعة تسمّي نفسها “المستنصرة” والتي تنادي بنصرة الرسول و على رأسها فريد الباجي وقد انشقّ عنها في مرحلة موالية عدد من المنتمين إليها لخلافهم مع فريد الباجي، وأخرى تسمّى بـ “المستنقصة” والّتي أيّدت ما قاله الشيخ عباس الملوح (فُقد أثره إلى حدّ هذا اليوم وفق ما علمنا) في إحدى المجالس والّذي مفاده أنّ ” الدّين الإسلامي لا يستحقّ أحدا حتّى ولو كان الرسول” وهذا يرى فيه البعض استنقاصا للرسول (صلعم). وهذه المجموعة تمّ تكفيرها وهي تجمع عباس الملوح ولطفي القلال ( تمّ قتله بالعاصمة في 11 مارس 2012) وفوزي المحمدي الّذي أصبح العدو اللدود والأوّل لفريد الباجي في سوسة وفق شهادة بعض الشهود، وهذا ما جعل أصابع الاتّهام تتوجّه أيضا لرئيس جمعية دار الحديث الزيتونية.
وللإشارة فقد تمّ خطف الهالك في وقت ما قبل عملية قتله وتمّ ضربه بواسطة مطرقة مما خلّف له أضرارا جسديّة.
وقد تمّ الاستماع إلى فريد الباجي كمتّهم في 29 جانفي 2013 وتمّ مؤخرا في 30 سبتمبر إعلامه بقرار قاضي التحقيق القاضي بإحالته على دائرة الاتّهام بمحكمة الاستئناف بسوسة.
هل القضية سياسيّة..؟
في تصريح له إثر مثوله أمام قاضي التحقيق استبعد فريد الباجي امكانية تسييس القضية وأنكر ما ورد في الاتّهام الموجّه له وشهادة بعض الشهود بأنّه من حرّض على القتل معتبرا أنّ خصومه العقائديين يتحركون ضدّه بشهادة باطلة لغاية اسكات صوته المعتدل المعروف لدى التونسيين وفق قوله.
وبسؤالنا عن أهمّ ما آلت إليه التحقيقات ومدى حقيقة الاتّهام الموجّه لفريد الباجي أفادنا الأستاذ مهدي اللوزي لسان دفاع أحد المتّهمين أنّ هذه القضيّة تحوي متناقضات عديدة وأنّ كلّ الاحتمالات واردة لكنّ الوقائع يقول تشير إلى أنّ أحد المتهمين المقبوض عليهما اعترف بارتكابه للجريمة بمفرده مؤكّدا أنّها كانت دون قصد ودفاعا عن النفس بعد أن وقعت مناوشة بينه وبين الهالك الّذي التقاه صدفة، كما أدلى بذلك، إثر صلاة العشاء بالمدينة العتيقة تحوّلت إلى عراك بالأيدي ثمّ تطوّرت إلى استخدام المتهم لسلاح حاد (سكين) كان يحمله من جملة أغراض الصيد التي كانت بحوزته وهو في طريقه للصيد وكانت الطعنات وفق المحامي عشوائية وغير موجّهة أدت إلى الوفاة .
أمّا المتّهم الثاني والّذي ينوبه الأستاذ اللوزي فقد أنكر أمام قاضي التحقيق جملة وتفصيلا أن يكون قد اعتدى على فوزي المحمدي أو أنه كان متواجدا أصلا مكان الواقعة.
ووفق ما يراه الأستاذ فإنّ هذه الجريمة كانت محضا للصدفة ناتجة عن سوء تفاهم بين المتّهم بالقتل، والّذي اعترف به، والضحيّة، كما أكدّ ذلك المتّهم، مستبعدا أن تكون سياسيّة تكفيريّة كما يذهب إلى ذلك البعض وتمّ التخطيط والإعداد لها أو هي صدرت عن فتوى من الشيخ فريد الباجي كما تؤكّد بعض الأطراف خاصّة يقول الأستاذ وأنّ المتّهم الثاني اعترف أنه على خلاف كبير مع فريد الباجي ممّا يعني حسب اعتقاده عدم امكانية أن يكون المتّهم قد نفّذ أيّ فتوى أو أمر صدر عن رئيس جمعية دار الحديث الزيتونية.
وأفادنا الأستاذ اللوزي أنّه تمّ استئناف قرار قاضي التحقيق مؤكدا أنّه سيتمسّك ببراءة منوّبه ممّا نسب إليه.
ولا يزال ملّف القضيّة مفتوحا لم يُحسم فيه في انتظار ما سيؤول إليه وربّما أيضا في انتظار مفاجآت غير متوقعّة..
يتبع…