متغيرات ميدانية مدويّة ستسبق انعقاد مؤتمر «جنيف ـ 2»

شادي جواد

ماذا يعني أن يصدر بيان عن وزارة الخارجية الأميركية لا يمايز بين تنظيم «داعش» و»القاعدة» والذهاب إلى حدّ وصفه بأنه يشكل تهديداً لمنطقة الشرق الأوسط ومطالبة قادة المنطقة باتخاذ التدابير الفعالة لمنع تمويل وتجنيد عناصر هذه المجموعات وإيقاف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سورية؟ ولماذا يصدر مثل هكذا بيان بعد سنتين ونيّف من الحرب الكونية التي تشنّ على سورية؟ وهل أن واشنطن لم تكن تدرك بأن تنظيم «داعش» ولد من رحم «القاعدة» وهو جزء لا يتجزأ عنها؟

الإجابة عن هذه الأسئلة سهلة جداً وهي لا تحتاج إلى عناء حيث أن أيّ متابع لمجريات الأزمة في سورية يدرك جيداً أن المشروع الأميركي الذي لأجله أعطت الإدارة الأميركية أوامرها لأدواتها في المنطقة بأن يشرعوا الحدود لدخول العصابات المسلحة من أقطار الأرض إلى سورية وأن يفتحوا خزائنهم لدعم هؤلاء بالمال والسلاح قد ارتطم بالحائط المسدود بفعل صمود القيادة السياسية السورية واستبسال الجيش النظامي في التصدي للإرهابيين والتفاف غالبية الشعب السوري حول قادته وما سرّع في صدور هذا البيان المتغيرات التي حصلت أولاً على المستوى الميداني السوري حيث تلقّت هذه العصابات في الآونة الأخيرة الكثير من الضربات الموجعة على الرأس ما زاد في تبعثرها الموازي للتشتّت السياسي على مستوى قادتها ومن يرعاها في الخارج.

أضف إلى ذلك التبدل الكبير الذي طرأ على المناخ الدولي نتيجة التفاهم الأولي على الملف النووي الإيراني وما لهذا التفاهم من دلالات وانعكاسات على مجمل الوضع في المنطقة كون إيران تعد لاعباً محورياً وأساسياً في الكثير من القضايا المفتوحة في المنطقة.

إن صدور مثل هكذا بيان بعد أكثر من سنتين على تقديم الولايات المتحدة كل أساليب الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري للعصابات المسلحة والذي وصل في يوم من الأيام إلى حد إعلان الحرب المباشر على سورية يدل بشكل واضح بأن النجم الأميركي الذي أفل في أفغانستان وكذلك في العراق في طريقه إلى الأفول في سورية وأن طريقة «الاحادية» التي تعاملت فيها واشنطن لسنوات مع قضايا المنطقة لم تعد ذي جدوى مع ثبات المعسكر المقابل المنحاز إلى جانب قوى المقاومة والممانعة في الشرق الأوسط ولذا فإن الإدارة الأميركية لجأت في هذه الآونة إلى اتخاذ مثل هذا البيان كإجراء وقائي على عتبة انعقاد «جنيف ـ 2» في محاولة للتفلّت من الإدانة التي لقيتها أولاً من الرأي العام الأميركي وثانياً من العديد من الدول التي باتت تخاف على نفسها من ارتداد الأزمة السورية عليها بعد أن أيقنت أن السحر انقلب على الساحر لرعايتها الإرهاب وهي التي تسلحت بمقولة «الحرب على الإرهاب» لدخول أفغانستان والعراق.

وإذا كان من المنتظر أن يؤدي مضمون هذا البيان الأميركي في حال سلك طريقه إلى التنفيذ من قبل الدول التي شكلت مظلة سياسية وعسكرية واقية للمسلحين إلى حصول متغيرات سريعة وواسعة النطاق على المستوى الميداني السوري لصالح النظام قبل الدخول في التسوية التي تطبخ على نار سريعة في المطابخ الدولية كون أن تجفيف مسار دخول المسلحين والسلاح إلى سورية سيؤدي إلى القضاء السريع على العصابات المسلحة التي دخلت إلى سورية عن طريق «غبّ الطلب» من دون أن يكون لهؤلاء أي مشروع أو هدف بحد ذاته.

وإلى جانب الارتدادات العسكرية التي ستحصل في حال لم يكن البيان الأميركي آنف الذكر مجرد مناورة لالتقاط الأنفاس فإن بعض الدول التي شكلت ملاذاً آمناً لهذه العصابات والتي أعلنت جهاراً بأنها ستبقى تقاتل في سورية حتى آخر نفس حتى لو تخلى الغرب عن هذه المهمة حتى «إسقاط النظام» ستجد نفسها مضطرة إلى تغيير سلوكها على الصعد كافة في ما يتعلق بالأزمة السورية وغيرها من الملفات المفتوحة في المنطقة خصوصاً وأن البعض ممن كان في صفوف الداعمين لهذه الجماعات الإرهابية بدأ يعتبر أن هذه الجماعات أصبحت عبئاً عليها وبالتالي فإنه وجب العمل على التخلي عنها بأي طريقة من الطرق سيّما وأن رأس حربة هذه الدول التي استخدمت كل الوسائل المتاحة لتقديم الدعم للعصابات المسلحة على المستويين العسكري والسياسي وهي تركيا بدأت تشعر بالقلق الشديد من أن تصل شظايا الأزمة السورية إلى الداخل التركي الذي يتقلب على صفيح ساخن بفعل المشاكل التي تعاني منها الحكومة التركية على أكثر من مستوى حيث وصل الأمر إلى حد لجوء أردوغان إلى اتخاذ قرار بإجراء تغييرات في حكومته تحت عنوان «الفساد والرشوة».

يعرب مصدر سياسي متابع لمجريات الأوضاع في الشرق الأوسط عن اعتقاده بأن النصف الأول من العام المقبل سيحمل الكثير من المتغيرات الإقليمية والدولية وعلى مستوى الأرض في سورية وستصبّ جميعها في صالح الدولة السورية والتي ستذهب قيادتها إلى «جنيف ـ 2» متسلّحة بقوة ستمنع أي جالس على طاولة الحوار من فرض أي شروط للحل.

البناء

تعليقات

عن taieb

شاهد أيضاً

يوسف العتيبة: الرجل الأكثر سحرًا في واشنطن

كتب رايان غريم وأكبر شهيد أحمد: في سبتمبر الماضي وإبان اقتحام المتشددين من الدولة الإسلامية …