مسرحية “السنترا” : سجينات يبدعن خارج أسوار السجن المدني سوسة المسعدين

هدى القرماني

في بادرة هي الأولى من نوعها احتضن المسرح البلدي بمدينة سوسة الأحد 09 فيفري 2020 عرضا مسرحيا اوبيراليا تحت عنوان ” السنترا” من بطولة سجينات بسجن سوسة المسعدين.

هذا العرض هو بالشراكة بين المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية وسجن سوسة المسعدين ويأتي في إطار التنشيط الثقافي الذي تنظمه المندوبية لفائدة المساجين.

عرض متكامل يجمع بين التمثيل والغناء والكوريغرافيا ينتقل من الظلمة وأسوار السجون الى الفضاء الثقافي المفتوح يروي قصصا واقعية ومعاناة لعدد من السجينات وأيضا يجسّد حياتهن اليومية داخل “السنترا” مثلما يشير الى ذلك العنوان.

  و”السنترا” هي من المصطلحات المتداولة داخل السجون وتعني المكان الذي يقيم فيه النزلاء.

ووصف المندوب الجهوي للشؤون الثقافية ، الشاذلي العزابو، هذا العرض بأنه عرض فني ابداعي على غير العادة وعلى غير ما تعوّد به الركح ومقاعد المسرح” كما جاء على لسانه.

وأشار إلى أنّه ثمرة عمل على كامل سنة 2019 في إطار التنشيط الثقافي الذي تنظمه المندوبية لفائدة المساجين مضيفا “أردنا أن نتجاوز العمل الثقافي الكلاسيكي، الذي كان يقتصر على التنقل ببعض العروض او بعض المداخلات الفنية لفائدة النزلاء، الى مرحلة الإنتاج والعرض على الركح خارج السجون”.

وقال العزابو أنّ هذه بادرة من وزارة الشؤون الثقافية في إطار استراتيجية العمل التي توختها الوزارة والبرامج الوطنية الخصوصية مشيرا الى الاستعداد الجيّد للموسم الثقافي على المستويين المركزي والجهوي.

وأعلن محدثنا أنّ سنة 2019-2020 تعدّ موسم الابداع السجني بكامل جهات الجمهورية والذي سيقع تتويجه بمهرجان وطني تحتضنه فضاءات مدينة الثقافة وكذلك موسم الابداع لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة.

وتابع هذا العمل المسرحي يندرج كذلك في إطار هذا الموسم الجديد الذي يحتفي بالإبداع داخل السجون أو الابداع المنتج داخل السجن والمقدّم في الفضاء الثقافي المعهود.

ولفت العزابو الى أنهم راهنوا في انجاز هذا العمل على كفاءات ورجالات الثقافة والمسرح بجهة سوسة وعلى تشريك السجينات مؤكدا مدى تفاجئهم بالمواهب التي وجدوها داخل السجن والتي استطاعت في ظرف سنة أن يكون هذا العمل جاهزا ويخرج الى النور.

وأكد محدثنا أنّهم وجدوا تجاوبا وتعاونا من قبل المشرفين على السجن رغم صعوبة وقساوة الظروف وقلة الإمكانيات لكن يقول كان الإصرار أكبر من طرف الجميع.

ونوّه الى أنّ التعامل مع فضاء ذي خصوصية مثل السجن ليس بالتعامل نفسه الذي نمارسه يوميا في الفضاء المفتوح وفي مؤسساتنا الثقافية.

وأشار العزابو الى أنّ السجينات المشاركات في هذا العرض سجلّن حضورهن لأول مرة خارج اسوار السجن بقاعة المبدعين الشبان بمدينة الثقافة وذلك خلال الاحتفال بيوم جهة سوسة ثم تم عرضه في دار الثقافة حمام سوسة واليوم في المسرح البلدي بالجهة في إطار الترويج لهذا العمل داخل الولاية.

وأضاف العزابو “هدفنا وطموحنا أن يعرض هذا العمل في كافة دور الثقافة بالولاية ولما لا في بقية الولايات”.

وبيّن أنّه بالتوازي تمّ انتاج عمل مسرحي ثان في نفس السنة خاص بالذكور وكانت للعملين مشاركة في أيام قرطاج المسرحية في يوم خاص بولاية سوسة من انتاج مساجين من سجن المسعدين سوسة.

من جهته أفاد العميد عصام العيادي مدير سجن سوسة المسعدين بأنّ هذا العمل يأتي في إطار انفتاح المؤسسة السجنية على العالم الخارجي ومحاولة التركيز على الجانب الإصلاحي للسجين وفي إطار أيضا الشراكة بين وزارة العدل ووزارة الشؤون الثقافية.

وقال أنّ “هذا العمل هو من جملة عدّة أعمال قام بها المساجين وكان لا بدّ من عرض هذا المنتوج داخل الجهة للاطلاع على هذه التجربة التي وفرنا لها جميع الإمكانيات اللازمة والمتاحة من أجل أن ينجح هذا العمل” حسب قوله.

وألمح العيادي الى أنّ اخراج مساجين الى فضاء خارجي مثل المسرح وتقديم عرض “شبه عام” ليس بالأمر السهل لما يتطلبه من مجهودات وقرارات على مستوى القيادات التي يقول لم تتوان عن اتخاذها.

وأشار محدثنا الى أنّ الشراكة مع وزارة الثقافة ستبقى متواصلة وأنّ انفتاح المؤسسة السجنية على مثل هذه التظاهرات لن يكون له سوى الأثر الإيجابي والاصلاحي على مستوى شخصية وبسيكولوجية السجين مشدّدا على أنّ هدفهم الرئيسي هو الادماج والتأهيل والاصلاح والقضاء على نسبة العود.

من ناحيته أوضح فتحي قلّص المشرف المؤطر ومدير هذا العمل بأنّه أوّل عمل خاصّ بالسجينات مشيرا الى أنّه جاء تدريجيا على عدّة مراحل انطلاقا من نشاط داخل ناد للمسرح بالسجن تمّ خلاله توظيف قصص واقعية لبعض السجينات وتحوّل الى “اوبيرات” تجمع بين الغناء والرقص ليصبح عملا اوبيراليا متكاملا جاهزا للعرض.

وأشار قلّص الى أنّ عملية اختيار بطلات هذا العرض تمّت من خلال كاستينغ على 400 مقيمة داخل السجن وفقا لشروط معينّة متعلّقة بالأداء الصوتي والمسرحي ليقع الاختيار في الأخير على 10 سجينات فقط تشاركهن في أداء العمل أستاذة الموسيقى مروى بالشيخ سوقير.

وأضاف قلّص أنّ هذا العمل يقترب من العمل الاحترافي وخاصيته أنه حوّل “ظواهر اجتماعية” الى فنانين محترفين متابعا “ما يجعل من هذا العمل متفرّدا ومتميزا عن أعمال في سجون أخرى أنّه يجسّد قصصا واقعية مؤلمة لعدد من السجينات، فيه الكثير من العواطف والفكاهة والكثير من الفن”.

وختم قوله “منهنّ كان النصّ ومنّا كان التأطير” مبيّنا أنّ السجينات ساهمن في الكتابة الركحية وأنّهن كنّ أساس العمل ومنبعه وهذه خاصية العمل كما جاء على لسانه.

بدوره أكّد القنطاوي بن أحمد مخرج هذا العرض اعتماد قصص واقعية في هذا العمل مع بعض الإضافات الدرامية.

مجموعة من الأغاني أثّثت هذا العمل الاوبيرالي على غرار “غيم العشوة” ، “يا و باطل يا ربي باطل”، “الرقراقي” و “آه يا زين” وهي من التراث التونسي الى جانب أغنية “ما أحلى القريب” والتي عرفت بترديدها داخل غرف السجون.

و اختيار الأغاني وفقا لمخرج المسرحية لم يكن سهلا متابعا “قمنا بتركيب الأغاني بما يناسب العمل وهي غير مستهلكة ومتنوعة من جهات مختلفة من الجمهورية مثلما هو شأن السجينات”

مروى بالشيخ سوقير أستاذة موسيقى أخبرتنا بدورها أنها كانت في البداية متخوفة من هذه التجربة لكن تقول سرعان ما زالت تلك التخوفات حين دخلت الى السجن وتعرفت على السجينات ووجدت منهن تجاوبا كبيرا.

ولفتت الى أنّ وجودها بينهن على ركح المسرح كان بهدف خلق التوازن والتأطير.

أمّا حكيم العقربي مصمم الكوريغرافيا يقول تعدّ هذه التجربة الأولى بالنسبة لي وكانت صعبة جدا خصوصا مع عدم تقبل السجينات في البداية لفكرة الرقص مع وضعيتهن داخل السجن لذلك اقتصر العمل بدءا على حركات جماعية دون موسيقى ثم وقع استخدامها في مرحلة موالية ليصل العمل في الأخير إلى مرحلة الرقص.

“السنترا” عمل لمروى بالشيخ سوقير والقنطاوي بن أحمد، اشراف وإدارة فتحي قلّص، كوريغرافيا منية الأخضر وحكيم العقربي، ملابس مارتين رولت، اضاءة محمد شبّح، تقني صوت أنيس بلغيث وتوضيب عام أحمد الدواس، عمل سلّط الضوء على سجينات منسيات داخل السجون ليبرز أنّ الابداع ليس له حدود ولا تعيقه أسوار.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

نسبة امتلاء السدود التونسية بلغت 20،5 بالمائة إلى حدود 21 نوفمبر 2024

بلغت نسبة امتلاء السدود التونسية 20،5 بالمائة الى حدود يوم 21 نوفمبر 2024 ، وفق …