أقر مشروع الدستور الجديد الذي تم نشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية في اليوم الأخير من الآجال القانونية المحددة لذلك (30 جوان 2022)، سحب الوكالة من النواب إذا أخلوا بتعهداتهم ، كما منع التحاقهم بكتل برلمانية أخرى، أو ما يعرف بالسياحة البرلمانية، اذا ما استقالوا من كتلهم الأصلية.
ونص هذ المشروع، الذي سيعرض على استفتاء شعبي يوم 25 جويلية الجاري، على أن النّائب لا يتمتع بالحصانة البرلمانية بالنسبة إلى جرائم القذف والثلب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس، كما لا يتمتع بها أيضا في صورة تعطيله للسير العادي لأعمال المجلس.
غرفة ثانية.. وحلول “الوظيفة” محل “السلطة”
ومن أوجه الاختلاف البينة بين مشروع الدستور الجديد ودستور 2014 في ما يتعلق بتوزيع السلطات بين مؤسسات الدولة وتوصيف دورها، ذلك أنه بدلا من تنصيص دستور 2014 على سلط تشريعية وتنفيذية وقضائية، فإن مشروع الدستور الجديد نص فقط على وظائف تشريعية وتنفيذية وقضائية.
إلى ذلك، فإن الجديد الذي أتى به المشروع المقترح، تمثل في إلغاء عدد من الهيئات المستقلة التي أقرها دستور 2014، مقابل التنصيص على تركيز “المجلس الوطني للجهات والأقاليم”، ضمن القسم الثاني من باب الوظيفة التشريعية.
وتتمثل مهام المجلس الوطني للجهات والأقاليم، بالأساس في المصادقة، هو ومجلس نواب الشعب، على قانون المالية ومخططات التنمية بالأغلبية المطلقة لكل من المجلسين “ضمانا للتوازن بين الجهات والأقاليم”.
كما يمارس مجلس الجهات والأقاليم صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية.
ويتعلق الباب الأول من هذا المشروع بالأحكام العامة، والثاني بالحقوق والحريات، في حين ينص العاشر على الأحكام الانتقالية. وينص الفصل 141، من باب الأحكام الانتقالية، على أن “العمل يستمر في المجال التشريعي بأحكام الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية إلى حين توليّ مجلس نوّاب الشعب وظائفه بعد تنظيم إنتخابات أعضائه”.
الرئيس.. رأس السلطة التنفيذية
وأوكل هذا المشروع، الذي تضمن توطئة وعشرة أبواب وجاء في 142 فصلا، صلاحيات أوسع لرئيس الجمهورية، مقارنة بما كان عليه الشأن في دستور 2014، اذ أقر الفصل 87 من هذا المشروع أن “رئيس الجمهورية يمارس الوظيفة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة”.
ويضبط رئيس الجمهورية السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية ويعلم بها مجلس نوّاب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم (الفصل100). وتسهر الحكومة على تنفيذ السياسة العامّة للدولة طبق التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية ( الفصل 11).
الأحكام العامة
وفي الأحكام العامة، (الباب الأول)، تم تغيير الفصل الأول من مشروع الدستور الجديد للمرة الأولى، بعد أن كان هذا الفصل ينص على أن “تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها”، انطلاقا من دستور 1959 الى غاية دستور 2014.
كما لم تنص الأحكام العامة على مدنية الدولة، في حين نص الفصل الخامس على أن “تونس جزء من الأمة الإسلاميّة، وعلى الدّولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الاسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدّين والحريّة”.
وجرم باب الأحكام العامة، وفق فصله 15، التهرب الضريبي، الذي صنفه بصريح العبارة “جريمة في حق الدولة والمجتمع”، واعتبر أن أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب على كل شخص على أساس العدل والانصاف.
وفي سابقة، أقر الفصل 16 من نفس الباب الأول، أن ثروات الوطن ملك للشعب التونسي، وعلى الدولة أن تعمل على توزيع عائداتها على أساس العدل والإنصاف بين المواطنين في كل جهات الجمهورية. ونص نفس الفصل على أن الاتفاقيّات وعقود الاستثمار المتعلّقة بالثروات الوطنيّة تعرض على مجلـس نواب الشعـب وعلى المجلس الوطني للجهات والأقاليم للموافقة عليها.
الحقوق والحريات
شكل الباب الثاني، باب الحقوق والحريات، في مشروع هذا الدستور، العدد الأكبر من الفصول مقارنة ببقية الأبواب (33 فصلا، من الفصل 22 الى 55)، وأقر بالخصوص “حرية الرأي والتعبير والاعلام والنشر، دون ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات” (الفصل 37) ونص على ضمان حرية الاجتماع والتظاهر السلميين (الفصل 42).
كما أكد في فصله الأربعين، على “ضمان حريّة تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات”، وعلى أن “تلتزم الأحزاب والنقابات والجمعيات في أنظمتها الأساسية وفي أنشطتها بأحكام الدستــور والقانون وبالشفافية المالية ونبذ العنف”.
وأقر مشروع الدستور الجديد الحق النقابي وحق الإضراب مع استثناء الجيش الوطني من هذين الحقين، ومنع حق الإضراب عن “القضاة وقوات الأمن الداخلي والديوانة” (الفصل 41).
ووفق الفصل 55 ، فانه لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلاّ بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام أو الصحة العمومية أو حماية حقوق الغير أو الآداب العامة. كما يجب ألاّ تمسّ هذه القيود بجوهر الحقـوق والحريات المضمونة بهذا الدستور، وأن تكون مبرّرة بأهدافها ومتلائمة مع دواعيها.
القضاء
وفي الباب المتعلق بالوظيفة القضائية (الباب الرابع)، لم يتطرق المشروع إلى استقلالية القضاء، كما كان عليه الشأن في دستور 2014 الذي نص على أن “القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل، وعلوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات”
ونص هذا الباب على أن تسمية القضاة تكون بأمر من رئيس الجمهورية بمقتضى ترشيح من مجلس القضاء الأعلى المعني (الفصل 120)، وأقر بأنه لا يمكن أن يُنقل القاضي دون رضاه، ولا يعزل، كما لا يمكن إيقافه عن العمل أو إعفاؤه، أو تسليط عقوبة عليه، إلاّ في الحالات التي يضبطها القانون. ويتمتع القاضي بحصانة جزائية، ولا يمكن تتبعه أو إيقافه ما لم ترفع عنه الحصانة.وفي حالة التلبس بجريمة، يجوز إيقاف القاضي وإعلام مجلس القضاء الراجع إليه بالنّظر الذي يبّت في مطلب رفع الحصانة. كما “يتساوى جميع القضاة في تلبية مقتضيات مصلحة العمل ولا يمكن دعوة القاضي إلى تغيير مركز عمله تلبية لمقتضيات مصلحة العمل إلا بعد ثبوت عدم وجود راغبين في الإلتحاق بمركز العمل المعني”.
المحكمة الدستورية
وفق مشروع الدستور الذي سيتم عرضه على الاستفتاء، فان المحكمة الدستورية التي أقرها تتركب من تسعة أعضاء، جميعهم من القضاة، ثلثهم الأوّل من أقدم رؤساء الدّوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية بالمحكـمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات.
وفي المقابل، تتركّب المحكمة الدستورية التي أقرها دستور 2014، من اثني عشر عضوا ، ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون، في حين يعيّن كل من رئيس الجمهورية، ومجلس نواب الشعب، والمجلس الأعلى للقضاء، أربعة أعضاء، على أن يكون ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون.
ولغاية إقرار الاجراءات الاستثنائية في 25 جويلية 2021، وإيقاف عمل مجلس نواب الشعب قبل حله، لم يتمكن من تركيز محكمة دستورية خلال سبع سنوات رغم أن دستور 2014، نص على ضرورة تركيزها.
الغاء عدد من الهيئات المستقلة
وألغى مشروع الدستور الجديد، عددا من الهيئات الدستورية التي نص عليها دستور 2014، وهي الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وهيئة حقوق الانسان وهيئة التنمية المستدامة وحماية حقوق الأجيال القادمة وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، في حين خصص الباب السادس منه للهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
ونص الباب الثامن من مشروع الدستور الجديد، الذي جاء في فصل وحيد (الفصل عدد 135) على “المجلس الأعلى للتربية والتعليم”. و”يتولى المجلس الأعلى للتربية والتعليم إبداء الرأي في الخطط الوطنية الكبرى في مجال التربـــية والتعليم والبحث العلمي والتكوين المهني وآفاق التشغيل”.
الجماعات المحلية والجهوية
تم تخصيص الباب السادس لل”جماعات المحلية والجهويّة”، التي عوضت “السلطة المحلية” التي أقرها دستور 2014. وجاء في فصل وحيد (الفصل عدد 133)، الذي نص على أن المجالس البلدية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم والهياكل التي يمنحها القانون صفة الجماعة المحليّة المصالح المحليـّة والجهويّة حسب ما يضبطه القانون.
وألغى مشروع الدستور الجديد مبدأ اللامركزية، بعد أن كان دستور 2014 يقرها، كما لم ينص على أن ” الجماعات المحلية تتمتع بالشخصية القانونية، وبالاستقلالية الإدارية والمالية، وتدير المصالح المحلية وفقا لمبدإ التدبير الحر”، وفق ما كان أقره دستور 2014.
وات