محمد عقيلة العمامي
هذه مقالة كتبتها السنة الماضية، قرأتها البارحة وقررت نشرها الآن وسترون أن نشرها صالح لكل وقت!
(جوناثانن سويفت 1667-1745م) كاتب رحلات جيلفر الشهيرة، كُتب على قبره، مثلما طلب: «هنا يرقد جوناثان سويفت، حيث لا يستطيع الغضب العنيف بعد الآن، أن يمزق قلبه». السيد سويفت كتب مقالة شهيرة سنة 1701م عنوانها (فن الكذب في السياسة)، رأيت أن أقتبس لكم فقرات منها، آملا ألاّ تُأَوَّل، أو تلصق بمن لم يخطر على بالي! همي من نقلها إليكم هو التأكيد على أن البشر هم البشر، والثورات هي الثورات، والكذب هو الكذب، وشهوة السلطة والمال هي ذاتها، ولم يتغير شيء، على الأقل منذ 500 سنة.
قارنوا ما ورد في هذه المقالة، واستدعوا، في مخيلتكم، أبطال ثورة تونس، مصر، ليبيا، وكيف أزيحوا ليبرز آخرون صاروا هم لسان حال هذه الثورات، بل منهم من يكرر على الملأ أنه من أشعل الثورة، والناس تعرف أنه لم يشعل سوى لفائف تبغه، عندما كان الأبطال يتساقطون في الساحات متبسمين، وهو يتلصص من بعيد يفكر كيف يجد له دورا يتناسب ومؤهلاته!
قال سويفت في مقالته: «الشيطان هو أبو الكذب، كذاب منذ بدء الخليقة.. وأن أول مقال في ذلك كان سياسيا خالصا… وعلى الرغم من أن الشيطان مخترع الكذب، قد فقد الكثير من شهرته بما أدخل على اختراعه من التحسينات المستمرة! صار الكذب فنا، طُوع للسياسة، ولكن لم أستطع أن أحدد تاريخيا أول من جعله كذلك، ولكن سوف أقصر بحثي على ظهور هذا الفن في الجزء الجنوبي من جزيرتنا- يقصد الجزيرة البريطانية…»
وبمقدورنا أن نستبدل المكان بآخر من أماكن ثورات الربيع العربي وقد نختار طرابلس مثلا، ثم يقول: «بعد أن هزمت الآلهة عمالقة الشر، أنجبت الأرض للانتقام منهم آخر أبنائها، وهو الشهرة، وتفسير ذلك أنه بعد أن تهدأ الاضطرابات والثورات في البلاد، تنتشر الإشاعات والأباطيل بين الناس، ويكون الكذب هو آخر تفريج عن النفس لحزب هالك، متمرد هزم هزيمة منكرة، ولكن الناس أضافوا أشياء أعظم أثرا باستخدام هذا الفن للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها.»
«الكذبة السياسية تولد من رأس سياسي مهمل، ثم تسلم إلى الغوغاء لتربيتها وتدليلها ثم نشرها وتصير حقا ترفع صاحبها فيصير الحارس الأقوى للحزب، أو سمه ما شئت، فيفتح ممالك دون قتال، ويعطى الوظائف، أو يردها لشاغليها السابقين.. ويرأس لجان الانتخاب، ويحيل اللون الأسود إلى أبيض ناصع، ويصنع من الكافر قديسا، ومن الخليع الفاجر وطنيا، ويضفي الذكاء على من يشاء من وزراء ويرغم آخرين على الاستقالة، ويرفع، أو يخفض شعبا بأسره.. وترى أعدى أعداء الناس تزينهم شعارات الحرية، والثورة والتسامح والاعتدال وفي أيديهم أطباق الخير..»
ثم يختتم مقالته بفقرة عجيبة تقول: إن جزيرتنا قد خضعت قرابة عشرين عاما- (نستطيع أن نستبدل الجزيرة وعدد السنوات بما يتناسب معنا!)- لنفوذ حفنة من المستشارين والرجال، كانت مصلحتهم إفساد سلوكنا، وإعماء قلوبنا، واستنزاف أموالنا، وهدم دستورنا ودولتنا، لنصل إلى حافة الخراب.. تلك المخادعة في إلباس الباطل ثوب الحق، أعجزتنا تماما عن التمييز بين أعدائنا وأصدقائنا».
«لقد رأينا جانبا كبيرا من أموال الشعب يتسرب إلى أيدى أولئك الذين بحكم مولدهم وتعليمهم وقيمتهم، ما كان يجب أن يزيد طموحهم عن أن يكونوا من خدمنا، بينما كان حظ الآخرين، الذين رفعوا من شأن الثورة بمكانتهم وخلقهم وثرواتهم وقادوها إلى النجاح، إنهم لم ينحوا جانبا فحسب كرجال خطرين لا نفع فيهم، بل ألصقت بهم تهم أقلها أن مبادئهم تنبع من أهوائهم..».
ليس لدي ما أضيف سوى أن المقالة التي أشرت إليها كتبت منذ 500 سنة، فهل تذكركم بحال مشابه؟
بوابة الوسط