عندما سافرت ليز تروس، وزيرة الخارجية البريطانية، إلى موسكو في العاشر من فبراير لإجراء محادثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، كان من المؤكد أنها كانت تأمل أن يساعد تدخلها في تخفيف التوترات بشأن أوكرانيا.
حوار الصم والبكم
الأمور لم تسر كما هو مخطط لها. ففي مؤتمر صحافي بعد المحادثات، قارن لافروف التجربة بمحادثة “البكم والصم”، قبل أن يغادر ويترك السيدة تروس تواجه الكاميرات وحدها.
فلافروف ليس معروفًا بلباقته، وهو ليس أول من استخدم الإهانات كأداة دبلوماسية. فهناك تاريخ طويل في تبادل قادة العالم الانتقادات اللفظية.
وبحسب تقرير لمجلة “إيكونوميست” الأميركية فإنه في الإمبراطورية العثمانية، تذكر أن السلطان العثماني سليم الأول عندما أراد إعلان انتصاره على والي “دولكادر”، الإمارة العازلة بين العثمانيين والمماليك، أرسل سفيره إلى القاهرة، حيث فتح حقيبة بها رأس الوالي المقطوعة وألقى بها أمام قدمي السلطان المملوكي، أحد أقرب حلفاء الوالي المقتول.
بوتين بصحبة كلبه باجتماع مع ميركل
وفي تقريرها بعنوان “التاريخ البغيض للإهانات الدبلوماسية… لماذا ظل السياسيون في العالم يسخرون من بعضهم البعض منذ فترة طويلة”، تذكر المجلة أنه قبل قرون كانت الإهانات الدبلوماسية أشد فظاظة مما هي عليه الآن، لكن الأجواء بقيت مشحونة كما هي.
وفي عام 1827، ضرب والي الجزائر السفير الفرنسي بمضرب ذباب أثناء نزاع حول الديون، وكانت هذه الواقعة قبل استعمار دام نحو 130 عاما.
ويشير التقرير إلى أن الدبلوماسية الحديثة أصبحت أقل ميلا للمواجهة الجسدية، لكنها “مشوحنة بالقدر ذاته”، وتصدر أحيانا من قادة ديكتاتوريين يظهرون “ازدراء” لخصومهم المنتخبين ديمقراطياً، كما أن بعضم قد يستمتعون بإبراز الشعور بالقوة والثقة بالنفس أمام مواطنيهم، الذين ينظرون إليهم باعتبارهم يتحدون الغرباء.
وتشير على سبيل المثال إلى الزعيم الفنزويلي، هوغو شافيز، الذي كان معروفا بخطاباته اللاذعة ضد الرئيس الأميركي، جورج بوش الابن، وكان يصفه بـ”الشيطان”.
“صبي يرتدي بنطالا قصيرا”
وإلى رئيس زيمبابوي الراحل، روبرت موغابي، الذي وصف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، بأنه “صبي يرتدي بنطالا قصيرا”، وهو تصريح نال إشادة داخلية حتى من خصومه.
وحسب التقرير، وصف دبلوماسيون صينيون رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، بأنه “صبي”. كما يشير إلى طريقة أخرى ربما أكثر ضراوة من الفظاظة، وهي الخدع التي يقوم بها المسؤولون، مثل الخلاف الدبلوماسي الذي حدث بين تركيا وإسرائيل لأن نائب وزير الخارجية الإسرائيلي جعل السفير التركي يجلس على أريكة منخفضة خلال اجتماع.
جربت تركيا هذه الخدعة في وقت لاحق من خلال تهميش رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بجعلها تجلس على أريكة بينما كان الرئيس التركي، رجيب طيب إردوغان، ورئيس المجلس الأوروبي، تشارلز ميشيل، جالسين على كرسيين كبيرين.
وفي عام 2007، أزعج الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المستشارة الألمانية آنذاك، أنجيلا ميركل، عندما قدم إليها كلبا ضخما، رغم علمه برهاب ميركل المعروف للكلاب.
ويقول التقرير إن الانتقادات اللاذعة والشتائم ستستمر، حيث توفر الدبلوماسية الحديثة فرصا أكثر من أي وقت مضى لأشكال جديدة من المشاحنات، من بينها “الميمات”، مثلما حدث عندما غرد المرشد الأعلى لإيران، على خامنئي، في 2018 بوصفه إسرائيل بأنها “ورم خبيث” فردت عليه السفارة الإسرائيلية في الولايات المتحدة بلقطة شاشة من فيلم “Mean Girls”، مرفقة بعبارة “لماذا أنت مهووس بي”.
وكان الرئيس الروسي قد أثار الجدل مؤخرا لدى استقباله نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في موسكو، عندما جلسا معا على مسافة متباعدة للغاية، ومغادرة بوتين القاعة تاركا ضيفه خلفه.
وغصت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات تهكمية تمحورت حول الطاولة الضخمة التي جمعت الرئيسين في موسكو، على وقع الصقيع في البلاد، والتوتر الناري على حدودها مع الجارة أوكرانيا.
الطاولة “الجليدية”
بعد أن غصت مواقع التواصل الاجتماعي قبل يومين بتعليقات تهكمية تمحورت حول الطاولة الضخمة التي جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، على وقع الصقيع في البلاد، والتوتر الناري على حدودها مع الجارة أوكرانيا، كشف مصدران في الوفد المرافق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوكالة رويترز للأنباء، الخميس، سر الطاولة الطويلة الذي تلخص في رفض ماكرون طلب الكرملين بالخضوع لفحص روسي لكورونا لدى وصوله للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ما تسبب في جلوسه على بعد من الزعيم الروسي.
وصُدم المراقبون بصور ماكرون وبوتين وهما جالسان متباعدين عند طرفي طاولة طولها 4 أمتار لبحث الأزمة الأوكرانية، ما دفع بعض الدبلوماسيين وآخرين للقول إن بوتين ربما يريد إرسال رسالة دبلوماسية.
العربية