لن يكون سراً إذا قلنا بأن الملكة المصرية العريقة نفرتيتي كانت تجسد الجمال الخلاق إلى حد أن الجميع كان يعتقد بأنها آلهة.
ومن المعروف أنه لم يتمكن أحد من معرفة سر جاذبيتها، ولذلك اختلق الناس الكثير من الأساطير حول هذه الملكة الجذابة وما زالت هذه الأساطير تعيش بيننا. ولكن فيما بعد تمكن العلماء من فك لغز جمال الملكة المصرية القديمة
جوهرة النيل
عثر عالم المصريات الألماني لودفيغ بورشارد على تمثال نصفي لمعيار الجمال الأنثوي للملكة المصرية نفرتيتي في عام 1912. حينها كتب في مذكراته: “يستحيل الوصف، يجب رؤيته”.
يحتفظ متحف برلين الآن بالتمثال المصنوع من الحجر الجيري، حيث أظهرت الأشعة الطبقية مرة أخرى في عام 1992، أن التمثال يتكون من عدة طبقات، لكن حينها لم يتسنى رؤية ما في داخله، أما الآن فقد أصبح من الممكن معرفة ذلك بفضل التطور الكبير للتقنيات التكنولوجية.
بداية، أجرى الكسندر هوبرتز المختص الألماني في علوم الأشعة مسحاً شعاعياً دقيقاً للتمثال النصفي، تبين خلالها أنه كان هناك تصحيح في بعض الأماكن عن طريق استخدام مادة الجص. وهذا برأي العلماء أعطى التمثال رونقاً وتجدداً وأضفى صورة جمالية خلابة على وجه نفرتيتي.
وفي هذا الإطار سارت الباحثة البريطانية بيتاني هيوز على خطى هوبرتز وأكدت أن التمثال قد تعرض، كما هو متعارف اليوم، لجراحة التجميل. وأثبتت أن أنف نفرتيتي في البداية، كان يشبه البصلة مع حدبة ومنحني نحو الشفاه. وقام النحات “بتعديل الأنف” وأزال التجاعيد التي كانت موجودة حول الفم، وقام بتنظيف الدمامل على الخدين. أما العينين فقد أصبحت ممدودة ومائلة أكثر مما كانت عليه. باختصار، وفق ما هو متعارف عليه حالياً، فقد خضع التمثال للفوتوشوب بواسطة مادة الجص.
يشير العلماء إلى أن نفرتيتي كانت جميلة من دون “مكياج” ولكن على ما يبدو، أن الفرعون وهو زوجها طلب من النحات القيام بعملية تجميل لتبدو أفضل من الصورة الأصلية.يبدو أنه كان على حق لأنه لا تزال نفرتيتي تعتبر صاحبة الجمال الفريد من نوعه وأصبح اسمها على لسان العامة في كل زمان ومكان.
من ناحية أخرى، من يدري، ربما قام النحات بتصحيح وجه التمثال لكي يشبه الصورة الحقيقية لنفرتيتي التي خضعت لعمل جراحي بعد زواجها من الفرعون؟ على الأقل هذا ما يحدث في عصرنا على نطاق واسع. لا بد من التنويه إلى أن المصريين القدماء كانوا يجيدون العمليات الجراحية ليس فقط على المومياوات، وإنما على الأشخاص وخاصة النساء منهم.
يمكن وضع حد لهذه المضاربة عن طريق فحص مومياء نفرتيتي. خصوصاً وإنه هناك مرشحات لهذا “الدور” اللواتي تم اكتشافهن في عام 1898. ولكن هل هناك أي منهن نفرتيتي؟ وإذا كان الأمر كذلك، من؟للأسف لم يتمكن العلماء من كشف ذلك.
لغز المقبرة السرية
نفرتيتي، التي تعني “المرأة الجميلة التي أقبلت”، عاشت قبل 3300 سنة، وكانت زوجة الفرعون اخناتون (أمنحتب الرابع) وربما تكون هي والدة الملك توت عنخ آمون. توفيت عام 1330 قبل الميلاد، عندما كانت بين 29 و 38 عاماً من عمرها.
من غير المعروف حتى الآن هل هناك مومياء للملكة نفرتيتي أم لا؟. المؤكد هو أن العلماء عثروا على مومياوات في الغرفة السرية لقبر أخناتون. ففي القرن التاسع عشر، عثر عالم الآثار الفرنسي فيكتور لوريت، عندما قام بفتح أحد جدران الأقبية، على سرداب جانبي يحتوي على ثلاث مومياوات، واحدة لرجل واثنتان لنساء، إحداهن كانت أصغر سناً من الأخرى. وقتذاك لم تثر هذه المومياوات أي اهتمام يذكر، وقد تم تصويرهن في عام 1907، وأصبحن في غياهب النسيان. ولكن مؤخراً، راود العلماء بعض الشكوك بأن إحدى هاتين المومياواتين هي نفرتيتي.
في عام 2002، أعلنت الباحثة البريطانية جوان فليتشر من جامعة نيويورك وهي خبيرة في المومياوات أن رفات المومياء الشابة تعود للملكة نفرتيتي، وأكدت بأن هذه حقيقة لا غبار عليها.
— وأضافت جوان مبتهجة إنه الاكتشاف الأروع في حياتي! قالت ذلك، بعد أن سمح لها أن تخضع المومياء إلى فحوصات منها الأشعة السينية.
وخير دليل على أن إحدى هاتين المومياواتين هي “المرأة الجميلة التي أقبلت” هي الجودة العالية من التحنيط والتشابه التشريحي مع أوصاف لرفات نفرتيتيّ. على أقل تقدير، هذا ما رأته السيدة فليتشر في أعضاء المومياء في الرقبة والكتفين، والأهم من ذلك في وجهه.
كانت المومياء صلعاء — حليقة الرأس من أجل ارتداء شعر مستعار خاص. ويبدو أن فليتشر قد عثرت على الشعر المستعار. ولكن هذا الادعاء أصبح محط جدال متنازع عليه لاحقا من قبل السلطات المصرية.
كما أظهرت الفحوصات وجود آثار لحزام من الجلد مطبوعة على جبين المومياء. وآثار لوجود اثنين من الأقراط في الأذن اليسرى شوهدت في وقت سابق على بعض صور للملكة.
وبعد ذلك بقليل، تم العثور بالقرب من المومياء على يدها المكسورة، وقد أمسكت بها الصولجان، وهذا كما هو معروف، سمة من سمات سلطة الفراعنة.
ولهذا لم تكن جوان فليتشر تشك في أنه تم العثور أخيراً على رفات نفرتيتي. خلافاً لما هو عليه الحال مع الزملاء الذين شككوا وأعربوا عن اعتقادهم أن هذه الرفات ليست إلا مومياء لامرأة شابة من العائلة المالكة، لقيت حتفها خلال عهد السلالة 18.
كما انتقد الدكتور زاهي حواس وزير الدولة لشؤون الآثار المصرية الأسبق والذي يعتبر أبرز عالم للمصريات ويشغل الآن منصب الأمين العام للمجلس الأعلى المصري لحماية الآثار، انتقد الباحثة فليتشر مؤكداً أن المومياء التي أشارت إليها الباحثة هي لفتاة يتراوح عمرها بين 16-20 عاماً، في حين أن الملكة نفرتيتي كانت أكبر سناً.
أما الآن يقوم علماء المصريات بدراسة مومياء السيدة الثانية من قبر إخناتون. وهنا أيضاً يمكن الحديث عن وجود أوجه تشابه بينها وبين الملكة، ويبدو أن الكلمة الفصل ستكون لتحليل الحمض النووي. فمثل هذه التحاليل ساعدت على تحديد شخصية كل من جدة توت عنخ آمون وإخناتون نفسه، الذي كان بالفعل والداً لتوت عنخ آمون. والسؤال الذي يطرح نفسه هل المومياء المعروفة برمز KV35YL هي الملكة نفرتيتي؟ ربما. أو ربما لا. فالشكوك حول أمومتها ليست موجهة فقط نحوها وإنما نحو شقيقة إخناتون.فمن المعروف أن نفرتيتي كانت زوجته الأولى.
في مصر القديمة لم تكن طرق البحث سهلة. في الوقت الحاضر — فإنهم ليسوا في عجلة من أمرهم لإجراء تحليل وراثي. لكنهم بالفعل عمدوا على إنشاء مختبر خاص بهم، ليتمكنوا من إجراء دراسة مستقلة من دون الاعتماد على الدراسات الأجنبية.
سبوتنيك