المرسوم عدد 55 لسنة 2022: شروط مجحفة ونساء خارج السباق الانتخابي

هدى القرماني

تخوض 122 مترشحة غمار الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 17 ديسمبر 2022، من أصل 1055 ملف ترشح تمّ قبولهم نهائيا بعد استكمال الطعون، أي بنسبة لا تتجاوز الـ 12 بالمائة من مجموع المترشحين، وفقا لما أعلنت عنه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وسيتنافس المترشحون على 161 مقعدا داخل المجلس النيابي الجديد لتمثيل 161 دائرة انتخابية.

وتصدرت ولاية سيدي بوزيد الولايات من حيث عدد المترشحات من النساء بـ 11 مترشحة فيما حلت ولايتا تطاوين ومدنين المرتبة الأخيرة بمترشحة وحيدة لكلّ منهما. ولم تسجل أغلب دوائر الخارج أيّ مترشحة كما غابت الترشحات من فئة النساء عن 71 دائرة بالداخل.

نسبة أجمع كلّ الملاحظين ومكونات المجتمع المدني وخاصة منهم الجمعيات والمنظمات النسائية وكذلك المشاركات في هذه الانتخابات على أنها ضعيفة جدا ومخيبة للآمال وستنعكس على تمثيلية المرأة في المجلس النيابي خصوصا وأن هذه النسبة ستتقلص أكثر مع عملية الاقتراع، معتبرين أنها نتيجة متوقعة لما جاء به المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرّخ في 15 سبتمبر 2022 والمتعلّق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء واتمامه.

 

المرسوم عدد 55 لا يبذل جهدا في تشجيع المرأة على الترشح للانتخابات التشريعية

“المرسوم عدد 55 لا يبذل جهدا في تشجيع المرأة على الترشح للانتخابات التشريعية فهنيئا لها إن تمكنت من الترشح وإن تعذّر عليها ذلك فليس للمرسوم ما يمكنه فعله لها” هكذا صرحت عميدة كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة وأستاذة القانون العام، أسماء بن عبد الله.

واعتبرت الأستاذة أنّ المرسوم عدد 55 لسنة 2022 جاء ظاهريا تنقيحا للقانون الانتخابي لكنه في الباطن قانون انتخابي جديد غيّر من عدة مبادئ وآليات معمول بها في القانون السابق كطريقة الاقتراع والتقسيم الترابي للدوائر الانتخابية.

 

 

ولاحظت الأستاذة أن هذا القانون استعمل صيغة المؤنث في عديد المناسبات كـ “التونسيون والتونسيات” و”الناخب والناخبة” لكن ذلك لم يتجاوز حدود اللغة لأنه في الباطن لا وجود لأي تمييز إيجابي أو أي إقرار بفعلية مبدأ التناصف الذي ينضوي قانونيا تحت مبدأ المساواة.

 وأشارت محدثتنا أن مبدأ المساواة مبدأ كوني دستوري حافظت عليه الدساتير التي عرفتها تونس حيث تمّ التنصيص عليه في توطئة دستور 1959 ودستور 27 جانفي 2014 وكذلك تحدّث عنه دستور 25 جويلية 2022 إلا أن المرسوم عدد 55 لسنة 2022 جاء مخالفا لمبدأ المساواة في خصوص الترشح بين المرأة والرجل للوصول إلى المجلس النيابي.

 

 

وأوضحت الأستاذة أن هذا المرسوم لم يقر مبدأ التناصف وأهمله في خصوص الترشح وفي المقابل اشترطه في التزكية مما يعني أنه شكلي مطلوب للتزكية وغير معمول به عند الترشح.

واعتبرت الأستاذة أن شروط الترشح من حيث الأصل شروط مجحفة بالنسبة للمرأة التي يصعب عليها جمع التزكيات المطلوبة بالنظر إلى المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه والذي يمنح الرجل فرصة أكبر من المرأة للحصول على التزكيات على حدّ قولها.

 

 

وتابعت أنه وفقا لدراسات ميدانية فإن المرأة التي تتمكن من تأمين التزكيات الضرورية إما أن تكون مترشحة عن حزب سياسي يدعمها أو ناشطة في المجتمع المدني، أما المرأة المستقلة التي تريد أن تترشح بصفة شخصية فيصعب عليها ذلك.

وأشارت محدثتنا أن نتيجة ما جاء به المرسوم عدد 55 أفضت إلى أغلبية من المترشحين من فئة الرجال وأقلية لا تتجاوز الـ 12 بالمائة من فئة النساء وهو ما يعني أن نتائج الانتخابات قد لا تفرز صعود امرأة واحدة إلى المجلس النيابي وفق قولها.

ونوهت الأستاذة كذلك بطريقة الاقتراع السابقة القائمة على نظام القائمات مع فرض مبدأ التناصف الأفقي قائلة إنها لم تحقق كذلك نسبة 50 بالمائة من تمثيلية المرأة داخل المجلس المنتخب.

يذكر أنّ القانون الانتخابي الفارط مكّن من حدّ أدنى لتمثيلية المرأة في المجلس النيابي حيث سجّلت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 وصول 49 نائبة إلى البرلمان من مجموع 217 نائب كما تمكنت 68 نائبة من العبور في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 وتراجع هذا العدد في الانتخابات الموالية سنة 2019 إلى 51 نائبة.

 

أسماء بن عبد الله عميدة كلية الحقوق بسوسة
أسماء بن عبد الله عميدة كلية الحقوق بسوسة

 

وضمانا لوصول المرأة مناصفة مع الرجل إلى المجلس النيابي تقترح الأستاذة الإبقاء على طريقة الاقتراع على الأفراد مع اعتماد النظام المزدوج (رجل وامرأة) وهو نظام معمول به في بعض الدول حسب تعبيرها.

مقترح نادى به كذلك الاتحاد الوطني للمرأة التونسية حيث طالب باعتماد نظام الاقتراع على قائمات زوجية (امرأة ورجل أو العكس) أو اعتماد نظام الاقتراع على القائمات وعلى الأفراد معا قصد ضمان الحفاظ على مكتسبات المرأة التونسية في خصوص مبدأ التناصف وتبديد تخوف النساء من استبعاد تمثيليتهن بشكل مكثف في المجلس النيابي.

 

الدولة تخلت عن دورها في دعم الديمقراطية

القيام بالحملة الانتخابية وطريقة إدارتها من الإشكاليات الأخرى التي ستصطدم بها المرأة إثر التغييرات التي طرأت على القانون الانتخابي خاصة وأن الدولة تخلت عن دورها في دعم الديمقراطية وفقا لعميدة كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة.

فغياب التمويل العمومي وغياب دور ومساهمة الأحزاب السياسية والتي تلعب دورا هاما خلال الانتخابات في جل الدول الديمقراطية سوف يؤثر سلبا على وصولها إلى المجلس النيابي.

وأكدت العميدة أن المرأة المترشحة بصفة مستقلة وشخصية ستجد صعوبات أكبر خلال الحملة الانتخابية وقد تلتجأ إلى عدم القيام بها على عكس النساء المترشحات المدعومات من أحزاب سياسية لها قاعدة شعبية أو من طرف جمعية ناشطة في جهة معينة توفر لهن حظوظا أوفر لانجاح حملاتهن الانتخابية.

وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أوضحت أن الأحزاب السياسية لا يحق لها القيام بحملات انتخابية أثناء فترة الحملة الانتخابية للاستحقاق التشريعي وفي مقابل ذلك، يحق للمترشحين الأفراد القيام بحملاتهم كمنتمين لأحزاب سياسية والتعريف بها وببرامجها خلال فترة الحملة الانتخابية.

وقالت الأستاذة بن عبد الله أن الدولة ملزمة بالحياد لكن لا بد أن تلعب دورا اجتماعيا في دعم الديمقراطية، وهذا معمول به في جل الأنظمة الانتخابية بمساعدة المترشحين لانتخابات شفافة تضمن درجة من المساواة.

كما تتدخل الدولة، وفقها، إيجابيا بتنظيم تمويل الحملات الانتخابية وعبر اسنادها التمويل العمومي للمترشحين وكذلك مراقبتها ميدانيا للتصرّف في هذا التمويل.

 أما الاعتماد على التمويل الذاتي والخاص فقط وفقا لما نص عليه الفصل 75 من المرسوم عدد 55 لسنة 2022 فسيؤثر على المرأة أكثر من الرجل في خصوص تمويل وتسيير حملتها الانتخابية وستحتاج إلى من يدعمها ماديا مستطردة أن المرأة الميسورة ماديا قد تكون أوفر حظا.

 

 

وتشير الأستاذة إلى عقبات أخرى أعاقت تقدّم فئة من النساء إلى الترشح للاستحقاق الانتخابي ذلك أنّ المرأة المقيمة بمراكز المدن توفرت لها فرص الترشح أكثر من المرأة القاطنة بالمناطق الريفية لصعوبة التنقل ولأسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية تعاني منها المرأة الريفية.

 

قانون انتخابي سيفرز مجلسا نيابيا ذكوريا نسبة النساء فيه ضئيلة جدا

من جهته أقرّ عادل الطبلبي، المنسق الجهوي لجمعية عتيد بسوسة، أنه خلال ملاحظتهم للمسار الانتخابي لامسوا تعرّض المترشحين لصعوبات كبرى في تكوين ملفات الترشح خاصة في ما يتعلق بمسألة التزكيات لا سيما بالنسبة للنساء.

ويرجع المنسق الجهوي ذلك إلى التنقيح الذي طرأ على القانون الانتخابي والذي لم يمنح فرصة كبرى للنساء والشباب وذوي الإعاقة للتقدم للانتخابات ولم يوفّر لهم حظوظ الفوز للمرور للمجلس النيابي وفق قوله.

واعتبر المنسق الجهوي لـ “عتيد” أن هناك تراجعا كبيرا لحقوق ومكتسبات المرأة بعد الثورة، والتي ضمنها لها القانون الانتخابي الفارط، في ما يخص الترشحات، حيث تمّ ضرب مبدأ التناصف في التنقيح الذي جاء به المرسوم عدد 55 لسنة 2022.

ويرى محدثنا أنّ هذا لا يشجع بتاتا المرأة على الدخول إلى الميدان السياسي والترشح لعضوية مجلس نواب الشعب لما يتضمنه من حد لحريتها ولفرص العمل السياسي التي يمكن أن تحظى بها.

ويدعو المنسق الجهوي إلى ضرورة العودة إلى مبدأ التناصف متابعا بالقول “نحن لا نضمن فوز الـ 12 بالمائة من المترشحات في الانتخابات مما يعني أننا سنجد مجلسا نيابيا ذكوريا نسبة النساء فيه ستكون ضئيلة جدا”.

وذكّر الطبلبي أن منظمة “عتيد” كانت من أولى المنظمات التي دعت في بياناتها المتكررة إلى إقرار مبدأ التناصف خلال الترشحات منتقدا حصر القانون الانتخابي الجديد دور المرأة في التزكيات.

ويعتبر محدثنا ذلك استنقاصا لدورها في الحياة السياسية وفي البرلمان داعيا مرة أخرى إلى مراجعة القانون الانتخابي وإعطاء المرأة الدور الذي تستحقه إضافة إلى فئتي الشباب وذوي الإعاقة.

ولفت المنسق الجهوي إلى أنّ نظام الاقتراع المعتمد خلال هذه الانتخابات قد غيّب دور الأحزاب الذي كانت تلعبه في السابق من مساندة المترشحين والقيام بالدعاية الانتخابية وهو ما من شأنه أن يحد في اعتقاده من وصول الكثير من الفئات إلى المجلس النيابي.

ووصف عادل الطبلبي المنسق الجهوي لمنظمة “عتيد” بسوسة الحملة الانتخابية إلى حدّ الآن بالباهتة خاصة مع غياب التمويل العمومي والاختصار على التمويل الذاتي والخاص.

وأكد أن ذلك سيؤثر على الحملة الانتخابية وعلى إعطاء الفرصة للمجتمع المدني وللصحافة وللمواطنين للتعرف على برامج المترشحين.

 

 

لئن نجحت 122 امرأة في الترشح نهائيا للانتخابات التشريعية من مجموع 214 مترشحة تقدمت بملفها أوليا لهذا الاستحقاق الانتخابي وفق ما صرحت به الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فإن عددا آخر من النساء حاولن خوض غمار التجربة ولم يسعفهن الحظ لذلك لأسباب تتعلق بالقانون الانتخابي وأخرى مجتمعية واقتصادية.

 

لا بد من وقفة نسائية حازمة ضد القانون الانتخابي الجديد

شمس الأصيل العابد طالبة مرحلة ثالثة وتعد أطروحة دكتوراه حول وضع المرأة في أدبيات النساء الديمقراطيات تقدمت للترشح للانتخابات التشريعية لمعاينة الصعوبات التي تمر بها المرأة ميدانيا بوصفها باحثة من ناحية كما أنها صاحبة برنامج طموح ولها خطة عمل تريد العمل عليها من ناحية ثانية وفق قولها.

ومثّل تراجع المشاركة السياسية للمرأة وضعف وجودها في مواقع القرار حافزا آخر لتقديم ترشحها.

جمع 400 تزكية كان أمرا صعبا على شمس الأصيل مما أعاقها من المرور وأن تكون المترشحة رقم 123 في الاستحقاق الانتخابي.

وترجع شمس الأصيل ذلك إلى علاقاتها الاجتماعية المحدودة وانعدام ثقة المواطن في الطبقة السياسية نتيجة تردي الوضع العام وعدم تحقيق السياسيين لوعودهم الانتخابية السابقة إضافة إلى التدهور الاقتصادي الذي نعيشه حسب تعبيرها.

 وتعتبر الباحثة أنّ جمع التزكيات ليس بالأمر الهيّن بالنسبة للمرأة في مجتمع ذكوري خلافا للرجل الذي يتمتع بعلاقات أوسع. كما أن عدم تكافؤ الفرص بين المترشحين رجّح حسب اعتقادها الكفة لأصحاب المال وأصحاب السلطة في إشارة منها إلى رؤساء البلديات.

وتتساءل شمس الأصيل لماذا تجد المرأة صعوبة في تحقيقها لرهان سياسي ووصولها إلى مكانة سياسية بطريقة ميسرة مثلما الحال بالنسبة للرجل.

وكيف لصوت المرأة أن يسمع في المجلس النيابي وهي ليست على قدم المساواة مع الرجل؟ وكيف يمكن لضعف تمثيليتها في مركز يشرّع القوانين أن تؤثر وينعكس تأثيرها على الحياة الاجتماعية والأسرية.

واعتبرت أنّ الحضور الضعيف للمرأة في المجلس النيابي سيكون له انعكاسات خطيرة على العمل الجمعياتي والنقابي وعلى كلمتها وتعبيرها السياسي وحضورها في الأماكن العامة وفرض سلطتها داخل المجلس مرجحة أنها في ظلّ هذه الوضعية لن تتخلص من العنف المسلط عليها وفق تقديرها.

وتقول أن هذا الوضع لا يتلاءم مع حقوق المرأة كإنسان في ظل مجتمع عالمي دولي يدعو إلى الإنصاف والمناصفة.

وجاء بالمادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه “يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق”. ونصّت مادته الثانية أنّ “لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع”.

 

 

 

وتتابع شمس الأصيل “ترعرعنا على مجلة الأحوال الشخصية وكان للمرأة التونسية حضور سياسي متميز على بقية المجتمعات العربية. لكن ما آلت إليه المرأة يطرح سؤالا هل نحن نرتدّ الى الوراء أم نتقدم إلى الأمام؟ وهل المرأة في موقف سير أم موقف جمود؟” كما جاء على لسانها.

وترى شمس الأصيل أنه لا بد من وقفة نسائية حازمة ضد هذا القانون الانتخابي الجديد ولابد من إقرار مبدأ المناصفة بين المرأة والرجل وأنه بدل التزكيات المجحفة كان أولى على هذا المرسوم أن يشترط على المترشح مستوى علميا وكفاءة ورؤية واضحة لأن تشريع القوانين ليس بالأمر الهيّن وفق قولها.

 

يشار إلى أن الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية 2022 قد انطلقت في الداخل منذ 25 نوفمبر على أن تتواصل إلى يوم 15 ديسمبر، وكانت انطلقت في الخارج يوم 23 نوفمبر وتختتم يوم 13 ديسمبر 2022.

كما يجري الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب بالداخل يوم السبت 17 ديسمبر وأيام الخميس والجمعة والسبت 15 و16 و17 ديسمبر 2022 بالنسبة للتونسيين بالخارج ويتم الإعلان عن النتائج الأولية في أجل أقصاه يوم الثلاثاء 20 ديسمبر.

 وتتولى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التصريح بالنتائج النهائية إثر انقضاء الطعون في أجل لا يتجاوز يوم الخميس 19 جانفي 2023.

 

هذا العمل بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان ضمن مشروع “عالم كندا: صوت النساء والفتيات”

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

رئاسية 2024 : بوعسكر يؤكد أن هيئة الانتخابات لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام المخالفات الخطيرة

قال رئيس الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات فاروق بوعسكر ، اليوم الثلاثاء ، إنّ « الهيئة لا …