هيفاء زعيتر
منذ تلك المقابلة المطولة معه، حين تصدرت صورته شبكة “بلومبرغ” كصاحب رؤية اقتصادية وإصلاحي سعودي و”Mr. Everything”، تجددت التساؤلات عن حجم الدور الذي سيلعبه نجل الملك الحالي في مستقبل المملكة.
ما تلى ذلك من إعفاء الملك المستعجل لوليّ العهد محمد بن نايف من منصبه وتعيين بن سلمان مكانه، وتوليه مناصب مفصلية أسهمت في تثبيت نفوذه، زاد من حدة التساؤلات.
ثم جاءت “ليلة السكاكين الطويلة”، كما جاء وصفها في وكالة “رويترز”، السبت الماضي. في تلك الليلة، انتشر خبر احتجاز 11 أميراً والعشرات من الوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين، إضافة إلى رجال أعمال متنفذين.
كان ذلك بعد ساعات قليلة من إعلان الملك السعودي عن تشكيل لجنة لمكافحة الفساد، أُسندت رئاستها إلى “الشاب الواعد” في المملكة.
هكذا، وبحسب ما أُعطي للجنة من صلاحيات، أصبح بإمكان بن سلمان “حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام”، فضلاً عن “التحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أياً كانت صفتها”.
الجدير ذكره أيضاً، أنه قبل تلك الليلة الطويلة كانت قد صدرت أوامر ملكية قضت بإعفاء وزير الحرس الوطني ومعه وزير الاقتصاد والتخطيط من منصبيهما، فضلا عن إحالة قائد القوات البحرية إلى التقاعد.
مع التطورات الأخيرة، بات البحث في نوايا بن سلمان كـ”ساعٍ إلى العرش” أم “مكافح للفساد” أكثر إلحاحاً من ذي قبل بالنسبة للمراقبين.
انقسمت الآراء بين الاحتمالين، وتدفقت التحليلات بشأن تداعيات “الزلزال الذي هزّ المملكة”.
المشككون بنوايا بن سلمان: غايته التفرّد بالحكم
في حساب الأشهر الماضية، يظهر بن سلمان بمثابة الحاكم الفعلي للمملكة السعودية، لكن – حسب المراقبين – يرتكز، إلى حين توليه مقاليد السلطة بشكل كامل، على استراتيجية إزاحة خصومه ومنتقديه.
يشيرون إلى أن الاعتقالات لم تطل وحسب من يُعتقد أنهم معارضين لسياساته الداخلية، بل أولئك الرافضين لنهجه الخارجي.
وكالة “رويترز” رأت أن القرارات الأخيرة تستدعي إلى الأذهان ما وصفته بـ”انقلاب القصر الملكي” الذي حدث في يونيو الماضي، مع إعفاء محمد بن نايف ووضعه رهن الإقامة الجبرية، في مصير مشابه للوليد بن طلال ورفاقه المحتجزين في فندق “ريتز كارلتون”.
من بين من ضمّتهم لائحة الأمراء المحتجزين كان وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله.
هذا الاسم كان قد تردد مراراً بوصفه منافساً لبن سلمان، كـ”ملك المستقبل”، على عرش المملكة.
يقول الباحث أتش أي هيلير في مجلة “ذا أتلانتيك” لـ”وكالة الأنباء الألمانية” إن “اعتقالات هؤلاء الأمراء والمسؤولين السعوديين تتعلق بترسيخ السلطة والنفوذ”، معبراً عن مفاجأته من “السرعة التي يجري فيها هذا الأمر”.
وفي مجموعة من التغريدات، شرح المغرد السعودي الشهير “مجتهد”، سيناريو ولي العهد بن سلمان لإزاحة الأمير متعب، في إطار التخلص من “جيوب العائلة التي لا تزال تمتلك رغبة بالانتقام والتغيير”.
يشير “مجتهد” إلى أنه “بعد إقالة بن نايف وتحويل كل القوات المسلحة في الداخلية لسلطة بن سلمان مباشرة لم يبق من القوات المسلحة خارج سلطة الأخير إلا الحرس الوطني”.
أما سبب حرص بن سلمان على تلك الخطوة، حسب المغرّد السعودي، فهو إزالة آخر عائق “عسكري” متمثلا في الحرس ضد اعتلائه العرش، حيث يُفسح الطريق لتنحي والده له واستلامه الحكم رسميا.
ما غلّفه ولي العهد من خطوات بعنوان “مكافحة الفساد”، رأى فيه ديفيد كيرباتريك في “نيويورك تايمز” إنه سيطرة على مفاصل الدولة الأمنية والعسكرية والاقتصادية وشؤون العائلة كلها.
يقول كيرباتريك إن بن سلمان أصبح وزير الدفاع الذي يقف وراء حرب اليمن، والمشرف على التحولات الاقتصادية والاجتماعية فيما أسماه خطوة الانتقال الوطني ورؤية 2030. إضافة لمسؤوليته عن الديوان الملكي وملف الخارجية التي شهدت حملة ضد الدولة الجارة قطر.
في مقال آخر، ألمح كيرباتريك إلى مسألة احتجاز الوليد بن طلال أثرى أثرياء العالم (قدرت مجلة فوربس ثروته بمبلغ 17 مليار دولار)، وصاحب الأسهم في “نيوكورب سيتي غروب” و”تويتر” وعدد آخر من الشركات المعروفة ويملك شبكة من القنوات المتلفزة حول العالم.
ثمة، برأيه، أسباب عديدة تزعج بن سلمان من بن طلال: استثمارات بن طلال وأسلوب حياته قد تسرق الأضواء عن أمير شاب طموح يريد أن يعتلي عرش مملكة عصرية، كما جرأته في إبداء آرائه في السياسة من بينها وصفه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه “عار”.
وبينما كانت علاقة بن طلال بترامب جيدة في التسعينات، فقد ساءت في الأعوام الأخيرة الماضية وتبادلا الشتائم عبر تويتر العام 2015.
“العار” الذي تحدث عنه الأمير السعودي قابله الرئيس الأمريكي بالقول “الأمير البليد الوليد بن طلال، يريد أن يتحكم بسياستنا بأموال الوالد… لن تستطيع فعل ذلك إذا انتُخبت”.
ومن بين ما أشارت إليه التحليلات، كانت الأيادي الأمريكية وراء توسع نفوذ بن سلمان. في الإطار، قالت شبكة “سي إن بي سي” الأمريكية إنه من الصعب تجاهل ارتباط ما يحدث بالعلاقة بين الرئيس الأمريكي وصنّاع القرار في المملكة الغنية بالنفط.
وتقول الشبكة إن الولايات المتحدة لديها العديد من الأسباب للاهتمام بالسعودية، على رأسها النفط، والدور المحوري الذي تلعبه في الشرق الأوسط، إلا أن ترامب ركز منذ يومين على شيء أكثر تحديداً، إذ اقترح على المملكة إدراج شركة “أرامكو”، أكبر شركة نفط في العالم في بورصة نيويورك.
وبحسب “سي إن بي سي”، عمل بن سلمان على تقوية وتحسين علاقته مع جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وزوج ابنته إيفانكا، خلال الجولة التي قام بها ترامب وبدأها بالسعودية.
كما نوهت إلى قيام كوشنر بزيارة خاطفة إلى المملكة الأسبوع الماضي، قبل أيام من حملة الاعتقالات.
المحتفون ببن سلمان: إصلاحي يحارب الفساد
على الخط الأمريكي ذاته، أشاد رجل الأعمال الأمريكي الشهير بوب دياموند بالاعتقالات التي نفذتها السعودية ضد شخصيات بارزة في اتهامات تتعلق بالفساد، مشيراً إلى أنها قد تؤدي بالمملكة النفطية إلى “مزيد من الانفتاح”.
وفي صحيفة “التايمز”، مثالاً، كتب ريتشارد سبنسر شارحاً فوائد خطوات بن سلمان في القضاء على الجيل القديم.
يقول سبنسر “لا أحد يحب السعودية، إلا أنهم يتعاملون مع الرياض على أي حال”، من هنا “يلغي الأمير الشاب الكثير من الأمور التي لا تعجب الغرب”.
وبينما كان العديد من رجال الأعمال قد تذمروا من الرشاوى التي كانوا يجبرون على تلقيها مقابل عقد صفقات تقدر بملايين الدولارات، شرح سبنسر أن الأمير الشاب “استطاع خلال سنتين التخلص من العديد من هذه الأمور، لنجد جيلاً جديداً من المديرين التنفيذيين مستعدين للسفر إلى عواصم الدول الغربية والتحدث في الكثير من القضايا التي تهم البلاد”.
تبع ذلك احتفاء بالتخلص من “الأشخاص الفاسدين الذين كانوا بمثابة وسطاء”.
كما استعاد المحللون التطورات الأخيرة التي شهدتها المملكة مع بن سلمان من إعطاء المرأة المزيد من حقوقها في القيادة والتخلص من حكم ولي الأمر، وفي مشروع مدينة “نيوم” الذي أعلن عنه مؤخراً.
وفي الداخل السعودي، انتشرت “هاشتاغات” كـ”الملك يحارب الفساد” و”محمد العزم يجتث المفسدين” و”لن ينجو أحد”، شارك فيها آلاف المغردين احتفاء بمحاربة الفساد.
مع ذلك، بقيت تعبيرات “الصدمة” و”التخوف” بارزة في مقاربة خطوة بن سلمان.
في صحيفة “الغارديان”، كتبباتريك وينتور عن “الرجل الذي لا يأبه المخاطر على درجة لم تشهدها منطقة الشرق الأوسط من قبل”.
ورأى كاتب المقال أن “السرعة وعدم التنبؤ بتصرفات ولي العهد تقلق المستثمرين الأجانب… وأسماء المعتقلين يخطف الأنفاس”.
في “واشنطن بوست”، حذر ديفيد إيغناسيوس من مخاطر خطوات بن سلمان لتعزيز حكمه.
ونقل عن رجل أعمال سعودي مرموق قوله إن “بن سلمان يخلق مملكة سعودية جديدة”، فيما حذر من أنه “يتحدى مسؤولين من الصف الأول في المملكة وكذلك السلطة الدينية، وهذا أمر خطير لأنه يفتح حروباً على جبهات مختلفة في وقت واحد”.
وبين مشكك ومحتف، يقول دايفيد غاردنز في “فايننشال تايمز” إن كل العيون اليوم على العرش، في لعبة العروش التي يتولى بطولتها محمد بن سلمان، الذي قد يبقى في سدة الحكم لنصف قرن، بعد أبيه المعمّر (82 عاماً) الملك سلمان بن عبد العزيز.
المصدر: رصيف 22