مترشحة للباكالوريا تكتب بفمها.. الفم يبدع قبل الأيدي أحيانا!

تسلمت ورقة الامتحان بابتسامة عريضة من الاستاذة المراقبة، قرأت الاسئلة بتركيز ظاهر ثم انحنت إلى الطاولة لتمسك قلم الحبر بفمها وتبدأ الكتابة بخط جميل.

مشهد انحبست له الانفاس في معهد ابن عرفة بالجديدة من ولاية منوبة، في أول أيام امتحان الدورة الرئيسية لمناظرة الباكالوريا، وخشعت له الابصار إجلالا لعزيمة هذه المترشحة رنيم السهيلي “باكالوريا اداب” واحتراما لإرادتها القوية التي هزمت الاعاقة وقالت لا للمستحيل..

رنيم التي ابتليت بإعاقة جعلتها عاجزة عن تحريك يديها وساقيها لم تستسلم لواقعها، واستطاعت في سن صغيرة جدا، ان تكتشف بداخلها قوة خفية فكان فمها بديلا ليديها، وأثبتت قدرة على استعماله سواء للكتابة أو الرسم أو ممارسة ألعاب الفيديو واستعمال الهاتف الجوال، لتتحول في معهدها إلى نموذج للتلميذة المجتهدة والمكافحة التي لا يعرف اليأس إلى قلبها سببلا.
طريق رنيم التي لا تفارق الابتسامة وجهها الجميل لم تكن مفروشة بالورود، فقد عانت طيلة فترة الدراسة الابتدائية والثانوية من مشكلة التنقل واستعمال الكرسي المتحرك وضعف الامكانيات، لكنها وجدت في والدتها خير سند إذ رافقتها كظلها ووفرت لها كل اسباب النجاح، وزرعت في نفسها الثقة بالنفس والتحدي والصبر، وهونت عليها مسيرتها رغم قلة الامكانيات، ما مكنها من التغلب على إعاقتها وتحويلها إلى طاقة وإرادة جبارة.
وتعترف رنيم بفضل أمها عليها إذ تقول إنها نجحت في إعانتها على تحويل الألم الى أمل، فلم تيأس، ولم تسمح لاي عائق بأن يعرقل طموحاتها.
ولم يغب عنها أن توجه شكرها أيضا الى والدها، وهو سائق بشركة، وإلى شقيقتيها، وتضيف أن الباكالوريا ليست الا مرحلة ستجتازها، وأن النجاح الذي وضعته نصب عينيها، وخارطة طريق التميز التي رسمتها لنفسها لن تحيد عنها بكل همة وارادة.الام سعيدة البرقاوي وهي سيدة بيت، أوضحت أن موهبة ابنتها رنيم أذهلت كل المحيطين بها منذ التحاقها بالروضة، فقد أتقنت الكتابة، وكانت ذكية شديدة البراعة في كل ما تقوم به .
أم رنيم تقول إنها اكتشفت موهبة الكتابة بالفم لدى ابنتها وهي صغيرة جدا، وتقول إنها بحكم حرصها على تلقين بناتها الثلاث الكتابة والرسم وأنشطة البراعة اليدوية قامت بتدريب رنيم على استعمال فمها بديلا عن يديها، وذلك انطلاقا من تجربة معوق شاهدتها على شاشة التلفزة.
وقد تجاوبت الطفلة الصغيرة مع هذا الامر وأصبحت ماهرة في استعمال فمها في الكتابة والرسم والاشغال اليديوية . تضيف الوالدة بنبرة فخر: اجتازت رنيم مناظرة الرابعة أساسي بتفوق، وحظيت في كل المناسبات بالتكريم والتشجيع، ثم واصلت دراستها الاعدادية والثانوية، محطمة، بإرادة من حديد، كل القيود وأثبتت أن الإعاقة هي إعاقة العقل، وحظيت في كل مسارها الدراسي بثقة أساتذتها الذين ساهموا بدورهم في تشجيعها وفي حثها على المضي قدما في طريق النجاح.
وقالت إن أسوا ما مرت به ابنتها المهووسة بالفن التشكيلي والرسم هو تعطب كرسيها المتحرك في السنوات الاولى والثانية ثانوي، إذ ظلت أشهرا بلا كرسي وعجزت عن الالتحاق بدراستها، وقد حصلت على كرسي من فرنسا بفضل بعض الاقارب بعد أن همشت مصالح الشؤون الاجتماعية طلبها، على حد قولها، وعادت إثر ذلك إلى الدراسة بعزيمة أقوى.
وأسرت لنا أم رنيم أنها بقدر حرصها على نجاح ابنتها في امتحان الباكالوريا إلا انها متخوفة من الصعوبات التي قد تعترضها خاصة في مجال التنقل، وهو ما يحرمها الان من الترويح عن النفس، ومن مغادرة منطقة الجديدة في ظل عدم توفر وسائل نقل عمومي خاصة بحاملي الاعاقة، وعدم تاهيل المؤسسات الجامعية لاصحاب الاعاقات الحركية، معربة عن الامل في أن تتوفر لابنتها الظروف المناسبة للنجاح، وأن تنهي دراستها الجامعة، وتحقق حلمها بالتخرج من إحدى الجامعات التونسية.

بقلم نعيمة العويشاوي

وات

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

محكمة التعقيب ترفض جميع مطالب هيئة الدفاع في قضية “التآمر على أمن الدولة”

قضت محكمة التعقيب بتونس العاصمة برفض جميع مطالب التعقيب أصلا في ما يعرف بقضية “التآمر …