بدور جغام “معتمدة سوسة الرياض” : تحديات إمرأة في موقع قرار

هدى القرماني

أذكر ذات يوم هاتفني أحدهم من المصالح الأمنية طالبا مني الاعتذار “أنا آسف سيدتي كنت مخطئا.. شاهدتك في شريط الفيديو وأُعجبت كيف واجهت المتجاوزين، وهم في قمة التشنج والاحتقان حاملين أسلحة بيضاء وبعضهم قد سكب البنزين على نفسه، ببرودة دم وإصرار على تنفيذ القانون ولم تغادري إلا وقد نُفّذ القرار…حقيقة أرفع لك القبعة وأعترف أنّ النساء قادرات على كلّ شيء”.

“عندما حضرتِ لأوّل مرّة جلسة جمعت المصالح البلدية والأمنية استعدادا للحملة التي سننفذها على محلات الذبح العشوائي تساءلت كيف تمّ تعيين امرأة في خطة معتمدة بمنطقة شعبية ساخنة وبها عديد الإشكاليات كمعتمدية سوسة الرياض لكنك فاجأتني حقا”.

تقول بدور ضميّد جغام، بكلّ فخر وثقة بالنفس، شهادة أسعدتني كثيرا في بداية مشواري كمعتمدة في هذه المنطقة، منذ فيفري 2017، خاصة وأنّ تحقيق المعادلة في المرحلة الحالية بين تنفيذ القانون وعدم المساس بالسلم الاجتماعي والأمن العام ليست بالأمر الهيّن ومع ذلك فقد تمكنت من تنفيذ القرار.

وتشغل 4 نساء في ولاية سوسة خطة معتمدة، من ضمن 18 منصبا، في كل من مركز الولاية وسوسة الرياض ومساكن والنفيضة وهي من كبرى المعتمديات في الولاية.

 

 

لم يكن لمحدثتنا اهتمام بالشأن العام وكلّ ما هو سياسي إلا بعد الثورة ووصولها إلى هذا المنصب في أكتوبر 2015 كان تتويجا حسب تعبيرها لمرحلة كاملة من العمل الدؤوب صلب المجتمع المدني ثمّ العمل داخل حزب سياسي أين كلّفت داخله باللجنة الجهوية للمرأة مشيرة إلى أنّه خلال مسارها اهتمت بشؤون المرأة وتأطيرها، إيمانا بالدور الّذي تلعبه، بوصفها ركيزة الأسرة والمجتمع.

 

 

وترى محدثتنا أنه من الجيّد أن يكون للمعتمد سواء كان رجلا أم امرأة تجربة على مستوى المجتمع المدني أو السياسي قائلة “يرتكز عملنا بالأساس على العلاقة مع المواطن، وقد يكون الشخص أكاديميا ناجحا أو إداريا ناجحا لكنّ الأمر يختلف مع إدارة الشأن العام في منطقة ما، فإذا كنت لا تمتلك أبجديات وآليات التواصل مع المواطنين وكيفية إدارة الأزمات فلن تستطيع أن تكون معتمدا أو أيّ مسؤول كان”.

 

 

تروي بدور جغام كيف تمّ الاتصال بها في ساعة متأخرة من الليل لإعلامها بأنّه قد تمّ تعيينها معتمدة بقصيبة المديوني من ولاية المنستير، شعور ممزوج بين الفرح والخوف انتابها حينها.

 تقول “فرحت لأنه أصبح بإمكاني أن أجسّد الأفكار التي كانت لديّ داخل الحزب على مستوى فعلي وتوجست خيفة بحكم أني أصبحت الآن داخل المعترك ولم أعد أنظر إلى المسألة من بعيد، وتساءلت أيضا بوصفي امرأة فكيف سيتقبلني المواطنون كمعتمدة”.

 

أقول لهم أنا ديمقراطية.. وإذا اتّخذت قرارا فلا رجعة فيه

بكلّ خفّة، تتنقل محدثتنا بين الأحياء وفي الطرقات المعبّدة والمسالك الفلاحية ولا يزعجها أو يخيفها إن خرجت بالليل في ساعة متأخرة لحلّ إشكال ما فواجبها يقتضي ذلك، وتراها حينا هادئة وحينا آخر حازمة.

وتحرص بُدور على تواجدها الدائم في الميدان مشيرة إلى أنه مهما كانت المنطقة ساخنة فعلاقة القرب مع المواطن والتعامل معه دون تعال من شأنها أن تخلق علاقة أفضل معه.

وتبوح لنا محدثتنا “أقول لهم أنا ديمقراطية ولست دكتاتورية وأتناقش مع الجميع لكن إذا اتّخذت قرارا فلا رجعة فيه ويجب تنفيذه”.

وتضيف “علمتني التجربة متى أكون صلبة ومتى أكون ليّنة في المواقف والأحاسيس والاشكاليات التي تواجهني” مؤكدة أنّ مهارات المعتمد تتطوّر من معتمدية إلى أخرى نظرا لأنّ لكلّ خصوصيتها.

ومع منظومة الحكم المحلي الجديدة تقلّص دور المعتمد لفائدة المجالس البلدية إلّا أنّ عقلية العديد من المواطنين ظلّت مرتبطة بوظيفة المعتمد ويلتجأ إليه في حلّ اشكالياته.

 ومع ذلك يتكفّل المعتمدون بوصفهم رؤساء في لجنة مجابهة الكوارث بحلّ الإشكاليات رغم قلّة الإمكانيات على حدّ قول محدثتنا، ولذلك “علينا معرفة واقع المكان ومباشرة العمل بأنفسنا والتفاعل مع المواطن لتعزيز جانب الثقة بينه وبيننا وتبقى مهمتنا بالأساس هي التنسيق بين مختلف الإدارات في حلّ الإشكاليات”.

وترى جغام أنه لا يوجد فرق على مستوى العمل الميداني للمعتمد بين الرجل والمرأة بل تُلفت إلى أنّ المرأة تتميّز أكثر في مجال التواصل والقرب من المواطن وأنّها تتعامل مع مكان عملها كما في منزلها فتبدو مجتهدة أكثر في التفكير والاهتمام بالتفاصيل والجزئيات.

 

 

تحديّات وتضحيات تواجهها المرأة المسؤولة

خطّة المعتمد من الوظائف التي تتميّز بعدم الاستقرار على مستوى مكان العمل ويشكّل هذا صعوبة أكبر بالنسبة للمرأة المعتمدة حيث لا تجد نفس الاستجابة من العائلة، في حال تمت نقلتها، كما هو الشأن مع الرجل الّذي يصطحب أسرته معه أينما تنقّل وظيفيّا.

تذكر بدور كيف قضّت في بداية تعيينها سنة ونصف السنة بقصيبة المديوني وحيدة دون عائلتها فزوجها لا يستطيع تغيير مقرّ عمله وابنتاها لا تستطيعان التنقلّ معها أينما ذهبت لما يتسبب لهما ذلك من اضطراب وتشويش على مستوى الدراسة.

تقول بدور “تجربتي لم تكن سهلة وكان أمرا متعبا نفسيا بالنسبة لي ولعائلتي ككلّ ولكنّنا مطالبون بالانضباط والالتزام بالعمل في أيّ معتمدية من معتمديات الجمهورية، كما أننا مجنّدون كامل الوقت بما في ذلك نهاية الأسبوع لفائدة العمل.. ونظرا لتجربتي السابقة في العمل الخاص فقد تعودت وتدربت على ذلك وهو ما ساعدني كثيرا في وظيفتي الحالية”.

 

 

تضحيات وتحديات عدّة تعيشها المرأة المسؤولة بصفة عامة واليوم تدين محدثتنا بالشكر والاعتذار لعائلتها وخاصة لابنتيها اللتين تمرّان بمرحلة المراهقة وتحتاجان وجودها إلى جانبهما كما تؤكد محدثتنا مضيفة “أحاول دائما أن أُفهمهما طبيعة وخصوصية عملي وما أقدّمه وكلّي أمل أن يفتخرا بوالدتهما وأعطي المثال لشريحة كبرى من نساء تونس”.

 

 

دعم نسوي منقوص

تمكنت المرأة التونسية اليوم من تقلّد مناصب قيادية في مجالات عدّة ومع ذلك تقول محدثتنا أنّه رغم كلّ ما يقال عن المرأة في تونس بأنها محظوظة ومتميزة على كافة المجتمعات العربية، وأنّه تشريعيا لدينا الكثير من القوانين الرائدة، ففعليا وواقعيا مازال أمامنا الكثير من العمل على مستوى العقليات للوصول إلى التناصف المطلوب.

 

 

وتعتبر جغام أنّ الدعم النسوي لوجود المرأة في مواقع صنع القرار يظلّ منقوصا قائلة “ينقصنا “لوبيينغ نسائي” فقد نجد الدعم أحيانا من الرجل ولكن لا نجده من النساء.. وهذا مؤسف”.

وتواصل “إضافة إلى بعض التقصير من طرف الدولة فكثير من النساء يفضلن عائلاتهن ولا يولين أولوية لأدوار القيادة ومواقع صنع القرار لأنهن يعلمن أنّ ذلك يتطلب منهن العديد من التضحيات التي قد لا يقدرن عليها”.

وتوصي محدثتنا نساء تونس ونساء كل العالم بأن يؤمنّ بأنفسهنّ وبدورهن في أن يكنّ رائدات فاعلات لا مفعول بهنّ حسب تعبيرها مشيرة إلى أنّ المجتمع لا يتغيّر إلّا بتغيّرهن.

لئن لم تطمح بدور جغام قبلا لأن تصبح معتمدة فهي اليوم تطمح للوصول إلى مناصب قيادية عليا ولكن تقول كلّ شيء في حينه والمرحلة التي نمرّ بها الآن صعبة وعلى كلّ مسؤول أن يتحمّل مسؤولياته كاملة.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

محكمة التعقيب ترفض جميع مطالب هيئة الدفاع في قضية “التآمر على أمن الدولة”

قضت محكمة التعقيب بتونس العاصمة برفض جميع مطالب التعقيب أصلا في ما يعرف بقضية “التآمر …