يفغيني بريغوجين.. طباخ بوتين ورئيس شركة “فاغنر” الأمنية

يفغيني بريغوجين، رجل أعمال روسي مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، ولد في 1 جوان 1961 بمدينة سانت بطرسبرغ وترعرع فيها. نشأ في أسرة متواضعة، وتخرج صيدلانيا من معهد لينينغراد.

يُطلق عليه لقب “طباخ بوتين” لأن مطاعمه وشركاته مسؤولة عن تقديم الطعام لضيوف بوتين من الرؤساء والملوك والأمراء خلال زياراتهم الرسمية إلى روسيا. ويوميا يقدم بريغوجين أيضا طعام الغداء لأعضاء مجلس الوزراء الروسي في مطعمه الواقع داخل مقر الحكومة، كما يعد المورد الرئيسي للغذاء للجيش الروسي.

يمتلك مجموعة من الشركات بما فيها شركات متهمة بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016. ويخضع هو وشركاته وشركاؤه لعقوبات اقتصادية واتهامات جنائية في الولايات المتحدة.

يسيطر بريغوجين على شبكة من الشركات بما فيها مجموعة “فاغنر” (Wagner) شبه العسكرية، التي تجنّد مسلحين مرتزقة في عدة مناطق في العالم مثل سوريا وليبيا وأوكرانيا ومناطق الصراع في بعض دول الصحراء والساحل في أفريقيا لدعم الأطراف الموالية لروسيا ورعاية مصالح موسكو.

في الأسبوع الأخير من جوان 2023 أعلنت قوات “فاغنر” تمردها على القيادة العسكرية الروسية، واستولت بالفعل على مدينة روستوف جنوب غرب البلاد، لكن تدخل الرئيس البيلاروسي “ألكسندر لوكاشنكو” أدى إلى خفض التوتر، وتراجُع قوات “فاغنر” إلى ثكناتها.

المولد والنشأة

ولد يفغيني فيكتوروفيتش بريغوجين يوم 1 جوان 1961 في مدينة “لينينغراد” السوفياتية التي أصبح اسمها “سان بطرسبرغ”، وهي المدينة نفسها التي ينحدر منها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

نشأ يفغيني يتيما، إذ توفي والده وهو صغير، فتزوجت والدته من اليهودي “صاموئيل زاركوي” الذي رباه واعتنى به.

وخلال سنوات دراسته كان يفغيني يطمح أن يكون متزلجا محترفا، فتدرب على يد زوج والدته الذي كان يعمل مدربا للياقة البدنية والتزلج، والتحق بمدرسة داخلية مرموقة لألعاب القوى وتخرج منها عام 1977، لكنه لم ينجح في مسيرته الرياضية وأخفق في تحقيق نتائج ملموسة.

دعمته والدته وجدته في العمل بمستشفى محلي، إلا أنه ما لبث أن ألقي القبض عليه في نوفمبر 1979، وكان يبلغ من العمر حينها 18 عاما بتهمة السرقة وحكم عليه بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ.

بعد ذلك بعامين، قبض عليه مرة أخرى وهو يسرق شقة في أحد الأحياء الراقية، وحُكم عليه بالسجن لمدة 12 عاما بتهم السرقة والاحتيال وإشراك مراهقين في الجريمة. وقضى من عقوبته 9 سنوات ثم أطلق سراحه عام 1988 بعد أن تم العفو عنه.

حياته الشخصية

بريغوجين متزوج من ليوبوف فالنتينوفنا بريغوجينا، وهي صيدلانية وسيدة أعمال تمتلك شبكة من المتاجر المعروفة باسم “متحف الشوكولاتة” وسلسلة منتجعات صحية. وللزوجين ابنة اسمها “بولينا” وابن اسمه “بافيل”.

أما والدة زوجته، واسمها “فيوليتا بريغوجينا”، فهي طبيبة ومعلمة سابقة، والمالك القانوني لشركة التغذية الشهيرة “كونكورد للإدارة والاستشارات المحدودة” منذ عام 2011، وشركة “إيتالون إل إل سي” (Etalon LLC) الروسية، وشركة “كريدو إل إل سي” (Credo LLC) الروسية منذ 2011.

الدراسة والتكوين العلمي

درس بريغوجين في مدرسة داخلية لألعاب القوى، وتخرج منها عام 1977.

شارك بريغوجين بشكل احترافي في التزلج الريفي على الثلج، وعمل مدربا في المدرسة الرياضية في منطقة كراسنوغفارديسكي في مدينة نيفا.

بعدها تخرج من معهد لينينغراد للكيميائيات الصيدلانية “إل إتش إف آي” (LHFI) بدرجة صيدلاني.

التجربة العملية

بعد إطلاق سراحه من السجن بدأ بريغوجين في بيع النقانق مع والدته وزوجها في سوق “أبراشاكا” للسلع الرخيصة والمستعملة في مدينة “لينينغراد”.

وعمل بريغوجين في إدارة البقالة حتى عام 1997، ثم أصبح مالكا لها بنسبة 15٪، ثم صار مديرا لشركة “كونتراست”، التي كانت أول سلسلة متاجر بقالة في سانت بطرسبرغ.

في الوقت نفسه تقريبا انخرط بريغوجين في تأسيس شركة القمار الروسية “سبكتروم” (Spectrum)، بمشاركة زميل دراسته السابق “بوريس سبيكتر” وصديق آخر هو “إيغور غيربينكو”، وعيّن بريغوجين رئيسا تنفيذيا للشركة، ثم أسسوا أول سلسلة كازينوهات في سانت بطرسبرغ.

واستمر هذا الثلاثي في تأسيس العديد من الشركات الأخرى معا خلال التسعينيات في مختلف الصناعات، بما في ذلك البناء وأبحاث التسويق والتجارة الخارجية. وقيل إن هذا العمل كان سببا في أول لقاء بين بريغوجين وبوتين، الذي كان حينها رئيسا لمجلس الإشراف والرقابة الحكومية على الكازينوهات وصالات القمار منذ 1991.

وابتداء من عام 1995 دخل بريغوجين في مجال المطاعم، وأقنع أحد مدراء شركة “كونتراست” لسلسة محلات البقالة “كيريل زيمينوف” بفتح مطعم معه، وأسسا عام 1997 مطعما ثانيا أسمياه “نيو آيلاند”، وهو مطعم عائم أنفق فيه 400 ألف دولار أميركي لإعادة تشكيل قارب على نهر “فياتكا” فأصبح أحد أكثر أماكن تناول الطعام شهرة في المدينة.

عام 2001 قدَّم “يفغيني” شخصيا طعام العشاء في مطعم نيو آيلاند للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والرئيس الفرنسي “جاك شيراك”، وفي عام 2002 استضاف فيه بوتين الرئيس الأميركي “جورج دبليو بوش”، وفي عام 2003 احتفل فيه بوتين بعيد ميلاده أيضا.

علاقته بالحكومة الروسية

على مدار العقد الأول من القرن الـ21، اقترب بريغوجين من بوتين، وبحلول عام 2003 ترك شركاءه في سلسلة المطاعم وأنشأ مطاعمه المستقلة.

بدأت شركة “كونكورد للإدارة والاستشارات” لبريغوجين  بتحصيل عدد من العقود الحكومية. وحصل على مئات الملايين منها لتوفير الطعام للمدارس والدوائر والمصالح الحكومية وفروعها.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، أصيب حوالي 130 طفلا في رياض الأطفال بالإسهال، فأمرت محكمة مشانسكي بموسكو شركة بريغوجين بدفع تعويضات لآباء الأطفال المتضررين في 31 أكتوبر 2019 .

عام 2012 حصل بريغوجين على عقد لتزويد الجيش الروسي بوجبات بقيمة 1.2 مليار دولار على مدار عام واحد فقط. ومن أرباح هذا العقد بدأ بتمويل وكالة أبحاث الإنترنت.

يرأس بريغوجين مجموعة إعلامية موالية للكرملين تحمل اسم “الوطني”، وتقول إنها تعمل على مواجهة الإعلام “المعادي لروسيا” الذي “لا يلاحظ الإيجابيات التي تحدث في البلاد”.

وتضم الشركة 4 مواقع إخبارية مقرها سانت بطرسبورغ، هي وكالة “آر آي إي فان” للأنباء و”نارودني نوفوستي” و”إيكونوميكا سيغودينيا” و”بوليتيكا سيغودينيا”.

مجموعة فاغنر

على مدى العديد من السنوات أنكر بريغوجين علاقته بمجموعة “فاغنر” القتالية، لكنه صرح في 26 سبتمبر 2022 أنه أسس هذه المجموعة لدعم القوات الروسية في الحرب في إقليم دونباس بأوكرانيا. علما أنه منذ ماي 2014 توسعت أعمال “فاغنر” لتشمل العديد من الدول منها ليبيا ومالي وسوريا وغيرها.

وطوال عام 2018 أسس بريغوجين العديد من المصالح في أفريقيا عبر مجموعة “فاغنر” من خلال مئة إلى مئتي مستشار سياسي، وشارك في بلدان مثل مدغشقر وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا والسنغال ورواندا والسودان وليبيا وغينيا وغينيا بيساو وزامبيا وزيمبابوي وكينيا والكاميرون وساحل العاج وموزمبيق ونيجيريا وتشاد وجنوب السودان وجنوب أفريقيا.

وساندت مجموعة “فاغنر” في ليبيا قوات خليفة حفتر المسماة “جيش ليبيا الوطني” في شرق ليبيا وقامت بتدريبها وشاركتها الهجوم على بعض مدن حكومة طرابلس وسيطرت عليها.

وتم الكشف في مارس 2020 عن أن بريغوجين قدم دعما ماليا لسيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي للمشاركة في الانتخابات الرئاسية الليبية.

ومنذ ديسمبر 2017 سمحت عملية “كيمبرلي” للروس باستخراج الماس من حقول الذهب في جنوب غرب جمهورية أفريقيا الوسطى، وفي أوائل عام 2018 قامت شركة “لوباي إنفست” (Lobaye Invest) المرتبطة ببريغوجين باستخراج الماس والذهب ومعادن أخرى في محافظة لوباي.

المشاركة في الحرب الروسية على أوكرانيا

لعبت “فاغنر” دورا مهما في الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022، فقد سافر بريغوجين شخصيا إلى دونباس للإشراف على تقدم المجموعة. وتم تصويره على خط المواجهة وهو يرتدي زيا عسكريا إلى جانب عضو مجلس الدوما الروسي فيتالي ميلونوف.

وفي 26 سبتمبر 2022 أنكر بريغوجين علاقته بالمجموعة، وأصدر بيانا على موقع التواصل الاجتماعي الروسي “في كيه” (VK) واعترف أنه أسس “فاغنر” في ماي 2014 “لحماية الروس” عندما “بدأ سكان دونباس الروسية يعانون”.

أكد بريغوجين مزاعم كانت قد نفتها الحكومة الروسية سابقا عن تورط المجموعة خارجيا في دول أخرى لأجل المصالح الروسية الخارجية، وأشار إلى أن مسلحي فاغنر “دافعوا عن الشعب السوري وشعوب دول عربية أخرى وأفارقة معوزين”، وقال إن منهم “أميركيين لاتينيين أصبحوا أعمدة وطننا الأم”.

معارك باخموت

وفي 1 أكتوبر 2022 بدأت تظهر شكاوى بريغوجين من قادة الجيش الروسي، حيث قال: “يجب إرسال كل هؤلاء الأوغاد إلى المقدمة حفاة بمدفع رشاش فقط”، وأكد أنه سيخبر بوتين عن “أخطاء” القادة العسكريين الروس في الحرب بأوكرانيا.

في نهاية أفريل 2023 قال بريغوجين إن قواته تخسر حوالي 100 رجل يوميا، وتتكبد أكثر من 5 أضعاف الخسائر التي توقعها بسبب نقص الذخيرة.

وبعد خمسة أيام هددت مجموعة “فاغنر” بتسليم مواقعها لوحدات وزارة الدفاع الروسية إذا لم تحصل على المزيد من الذخيرة. وألقى بريغوجين باللوم على وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وقائد القوات المسلحة الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف بشأن موت “عشرات الآلاف من ضحايا فاغنر”.

تمرد فاغنر على القيادة الروسية

خلال شهر ماي 2023 روّج أن رئيس “فاغنر” مع بعض القادة العسكريين والسياسيين الروس يخططون “لانقلاب” وأعمال شغب داخل الأراضي الروسية، ثم أعلنت “فاغنر” تمردها في الأسبوع الأخير من جوان 2023.

تحركت قوات “فاغنر” في 23 جوان 2023 تاركة مواقعها شرق أوكرانيا، ودخلت إلى الأراضي الروسية باتجاه “روستوف”، التي فيها مقر قيادة العمليات الروسية على أوكرانيا. وسرعان ما استولت على المدينة، ومنها بدأت بالزحف فعليا إلى موسكو.

تدخل الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو وأقنع بريغوجين أن يتراجع عن تهديداته “باجتياح” موسكو، فانسحبت قواته من روستوف، وأمرها بالعودة إلى ثكناتها.

قائمة العقوبات

أدرجت الحكومة الأميركية بريغوجين على قائمة العقوبات للاشتباه في تورطه بالتلاعب في الانتخابات الأميركية عامي 2016 و2018.

واتهمت واشنطن بريغوجين بدعمه وكالة أبحاث إنترنت تتخذ من سانت بطرسبورغ مقرا لها، وتنشئ حسابات زائفة على مواقع التواصل الاجتماعي بغرض التأثير على الناخبين الأميركيين، عبر شركته كونكورد.

وفي فيفري 2018، أدرجت هيئة محلفين أميركية بريغوجين وشركته كونكورد وشركاءه في الأعمال ووكالة أبحاث الإنترنت ضمن الجهات المتهمة بالتدخل في الانتخابات الأميركية، وذلك بعد صدور التقرير الذي أعده المستشار الأميركي الخاص روبرت مولر، الذي كان يحقق في مزاعم محاولة روسيا دعم حملة دونالد ترامب الانتخابية.

ورغم نفي بريغوجين لهذه الاتهامات، فإن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على 3 مواطنين روس و5 شركات مرتبطة ببريغوجين في جويلية 2020.

وشملت العقوبات الأميركية 3 طائرات خاصة ويختا قيل إن بريغوجين وأسرته وشركاءه استخدموها، وهي مسجلة في جزر سيشل وكايمان التي تعد من ملاذات التهرب الضريبي.

قالت الإدارة الأميركية إن هذه الطائرات قامت بعدة رحلات إلى وجهات في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا خلال السنوات الأخيرة، فحظرت على الشركات والمواطنين الأميركيين التعامل مع بريغوجين أو تقديم الخدمات لطائراته ويخته.

وفي 26 فيفري 2021، أعلن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي “إف بي آي” عن وضع 15 مواطنا روسيا بينهم بريغوجين، على قائمة المطلوبين بتهمة التحايل على واشنطن في ملفات مرتبطة بالانتخابات الأميركية.

الأوسمة والجوائز

حصل بريغوزين على عدد من الأوسمة من بينها:

  • وسام بمناسبة ذكرى مرور 300 عام على تأسيس مدينة سانت بطرسبورغ.
  • الجائزة الوطنية “الضيافة 2004”.
  • وسام “الاستحقاق للوطن” من الدرجة الرابعة عام 2014، ولاحقا نال الوسام نفسه من الدرجتين الأولى والثانية.
  • “وسام الاعتراف” لمساهمته الشخصية في تطوير صناعة الضيافة في روسيا.
  • لقب “بطل الاتحاد الروسي”، وهو وسام ولقب شرفي يُعطى لمواطني الاتحاد الروسي، تقديرا لهم على خدماتهم للدولة الروسية مع ميدالية النجمة الذهبية.

المؤلفات

في عام 2003، كتب بريغوجين مع طفليه بولينا وبافيل كتابا لأطفال المدارس بعنوان “إندراغوزيك” (Indraguziki)، وهو عبارة عن سرد خيالي لسكان بلدة إندراغوزيا، التي يحكمها الملك إندراغوز الذي تلتف حوله مجموعة من الأقزام ليدافعوا عنه ضد الأعداء.

الكتاب لم يتم عرضه للبيع في المكتبات وأسواق الكتب، ووزّع بالآلاف على كبار الشخصيات والمشاهير.

تحطم طائرته

في يوم الأربعاء 23 أوت 2023 نقلت وكالة تاس للأنباء عن وزارة الطوارئ الروسية أن عشرة أشخاص قتلوا في سقوط طائرة خاصة في منطقة تفير شمالي العاصمة موسكو.

وقالت هيئة الطيران المدني الروسية إن بريغوجين كان على قائمة ركاب الطائرة، التي كانت متوجهة في رحلة داخلية من موسكو إلى سان بطرسبورغ.

وبدورها قالت وزارة الطوارئ الروسية في منشور على تطبيق تلغرام “كان هناك 10 أشخاص على متن الطائرة، من بينهم طاقم من ثلاثة أشخاص. وفقا للمعلومات الأولية، قضى كلّ الأشخاص الذين كانوا على متن الطائرة”.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

قرابة 70% من قتلى حرب غزة من النساء والأطفال وفق تقرير للأمم المتحدة

استنادا على تحليل تفصيلي لعينة ممثلة للضحايا، كشف تقرير للأمم المتحدة أن النساء والأطفال يشكّلون …