حذّر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، في ورقة بحثية نشرها مؤخرا، من تبعات تفاقم الهجرة غير النظامية للسودانيين باتجاه تونس ومن إمكانية انتشار الحركات الإرهابية لبث الفوضى في المنطقة.
واستعرض المعهد في هذه الورقة البحثية الصراع الحالي في السودان وتأثيره على منطقة شمال إفريقيا، مع التركيز بشكل خاص على الأبعاد الأمنية والإنسانية للصراع، والتحديات التي ستواجه تونس نتيجةً للضغوط التي فرضها تدفق المهاجرين السودانيين منذ بدء الاشتباكات، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
وكشف المعهد أن البيانات الصادرة عن مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تونس تشير إلى ارتفاع عدد اللاجئين وطالبي اللجوء فقد بلغ عددهم إلى حدود ديسمبر 2023 حوالي 14700 فيما كان عددهم 9000 إلى حدود ديسمبر 2022.
وأشار المعهد أيضا إلى ارتفاع عدد السودانيين المسجلين لدى مكتب المفوضية إلى قرابة 4850 لاجئ وطالب لجوء ليحتلوا بذلك المرتبة الأولى أمام السوريين والإيفواريين، لافتا إلى إمكانية وجود آخرين غير مسجلين ومقيمين بطريقة غير شرعية، فيما كان عددهم إلى حدود شهر جانفي 2023 لا يتجاوز الـ 513 شخصا بين لاجئ وطالب لجوء.
ولاحظ المعهد أن ازدياد عدد السودانيين المسجلين يؤكد التداعيات المباشرة لتطورات الوضع في السودان على تونس مناديا بضرورة استعداد السلطات التونسية لهذه التدفقات والتنسيق مع مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بتونس في خصوصهم.
وتكمن خصوصية تداعيات النزاع في السودان، وفقا للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات، في تصنيف السودانيين، الذين فروا من الصراع، باللاجئين وهي وضعية قانونية تكفل لهذه الفئة التمتع بالحماية الدولية للاجئين. كما تكمن الخصوصية أيضا في النسق التصاعدي لتدفق السودانيين في وقت وجيز بسبب احتدام وتيرة الاشتباكات.
وتختلف هذه الوضعية، حسب المصدر ذاته، عن حال المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء الذين غادروا بلدانهم إما لتحسين ظروف العيش أو بسبب صراعات داخلية في بعض الحالات.
أما اقتصاديا فاعتبر المعهد أنّ المبادلات التجارية بين تونس والسودان، رغم محدوديتها، لن تكون بمنأى عن التأثّر من الوضع السائد في السودان مذكّرا بأنّ صادرات هذا الأخير إلى بلدنا بلغت سنة 2021 حوالي 9 مليون دولار بينما بلغت صادرات تونس إلى هذا البلد الشقيق في نفس السنة حوالي 2 مليون دولار.
التداعيات المحتملة للأزمة في السودان على تونس
ووفقا للورقة البحثية، فإنّ أهم التداعيات المحتملة للأزمة في السودان على تونس تتمثّل في ارتفاع منسوب المخاطر الأمنية خاصة في المناطق الحدودية الجنوبية التونسية الليبية لاسيما مع هشاشة الوضع الإقليمي في منطقة شرق إفريقيا وخاصة الدول المجاورة للسودان والذي ازداد حدّة بعد تفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية وأيضا توسّع رقعة الصراع المسلّح.
ومن التداعيات الأخرى أيضا ارتفاع ظاهرة العمل في القطاع الموازي خاصة وأنّ السودانيين يعتبرون تونس أرض مقصد وليس نقطة عبور، كما جاء في الورقة البحثية.
إلى جانب تسجيل ضغوطات إضافية على مستوى التزود بالمواد الغذائية الأساسية على اعتبار أنّ حوالي ثلث اللاجئين من السودان هم من الأطفال، على خلاف المهاجرين من جنوب الصحراء الذين عادة ما يعتبرون كيد عاملة نشيطة.
المعهد العربي لرؤساء المؤسسات يقدّم جملة من التوصيات
ومن أهم التوصيات التي وردت في الورقة البحثية نجد تحديث التشريعات الخاصة بالهجرة واعتماد قانون وطني للجوء لتحديد المسؤوليات ومجال تدخل السلطات التونسية وعدم ترك المسألة بيد المنظمات الدولية الإنسانية العاملة في تونس أو منظمات المجتمع المدني المتدخلة في هذا المجال.
كما نادى المعهد العربي لرؤساء المؤسسات بضبط استراتيجية شاملة، لإحكام التعاطي مع هذه الظاهرة، تتضمن اعتماد الإطار المؤسساتي والترتيبي الملائم خاصة على مستوى توزيع المهام وتقاسم المسؤوليات (توفير إحصائيات وطنية شاملة، تحديد الهياكل العمومية المسؤولة على التنسيق، مراجعة التشريع المتعلق باليد العاملة الأجنبية…).
ودعا إلى إنشاء قاعدة بيانات وإحصائيات دقيقة تمكّن من التعاطي مع هذا الملف بشكل أكثر حرفية وجدية وتحقيق المعادلة بين المقاربة الإنسانية والمقاربة الأمنية، وفقا لالتزامات تونس الدولية في مجال القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي للجوء، بما يحفظ أمنها واستقرارها.
وطالب المعهد بإعداد دراسة حول تداعيات الأزمة في إفريقيا وخاصة الصراع المسلّح في السودان على تونس والاستئناس بنتائجها عند التفاوض مع المؤسسات المالية العالمية وأيضا في إطار التعاون الثنائي.
وأوصى بمضاعفة التنسيق على المستوى الوطني في إطار مقاربة شاملة وجامعة مع جميع الشركاء الدوليين والتنسيق مع المؤسسات الإقليمية الإفريقية (البنك الإفريقي للتنمية، الاتحاد الإفريقي…الخ) لحسن إدارة هذه الأزمة خاصة بعد قرار مصر في شهر جوان بفرض تأشيرات على جميع السودانيين لدخول أراضيها كإجراء احترازي للحد من انتشار الأنشطة غير القانونية.
يذكر أنّ الصراع الدائر منذ أفريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي أدّى إلى مقتل أكثر من 12 ألف مدني ونزوح أكثر من 7 مليون آخرين منهم مليون ونصف لجؤوا إلى دول الجوار وفقا لآخر تقرير للأمم المتحدة والتي وصفت الوضع في السودان بـ “أكبر أزمة نزوح في العالم”.
ويشار إلى أنّ الدولة التونسية قد بادرت، في أواخر أفريل الماضي، بإجلاء رعاياها من السودان إثر اندلاع الاشتباكات المسلحة في الخرطوم.
هدى القرماني