جورج علم
“الصفقة على الطاولة”، هذا ما أعلنه كلّ من وزيرَي خارجيّة الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا جون كيري ووليم هيغ إثر إنتهاء جولة المفاوضات مع إيران.
يدور الحديث عن “صفقة”، لا عن إتفاق حول البرنامج النووي، وتخصيب الأورانيوم، وهذا ما يعيد الى الأذهان موقف عبّر عنه وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف بُعيد الإعلان عن نتائج الإنتخابات الرئاسيّة الإيرانيّة، وفوز الشيخ حسن روحاني في الدورة الأولى، يومها قال لافروف إنّ “إيران محكومة بالتوافق مع مجموعة الـ5+1 لسببين جوهريين: حاجتها الى رفع العقوبات. وحاجتها الى ترسيم خريطة نفوذها في الشرق الأوسط من طريق التفاوض، لا من طريق القوة، لأنّ منطق التلويح بالعصا الغليظة قد سقط منذ أمد بعيد، والدليل أنّ إسرائيل هي سجينة القلق والتوتر، وفائض القوة عندها لم يأت لها بالسلام والإستقرار”.
وتتناول “الصفقة” مستقبل الدور الإيراني في الخليج، في العراق، في سوريا ولبنان، بالإضافة الى مستقبل العلاقة مع كلّ من إسرائيل وتركيا. وما يجري من تفاوض تحت العنوان النووي يقلق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، خصوصاً إذا ما عادت العلاقات الإيرانية – الأميركيّة الى سابق عهدها، عندما كانت المصالح المشتركة تحظى يومها بأعلى درجة من الضمانات الموثوقة.
لقد غاب التوتر فجأة وبسحر ساحر عن مضيق هرمز، وإنكفأت سياسة عرض العضلات، ومعها الحديث عن خيارات أخرى قد يلجأ اليها البعض في الخليج لتصدير نفطه، ولم تعد سياسة الأحلاف والتحالفات الإقليميّة تكفي بعد العطب الذي طاول معظم الدول نتيجة ثورات الربيع العربي، وطفرة الإسلام الأصولي، أو نتيجة إختلال المعايير كأن تنبري دول تطالب بإسقاط الديكتاتور في دول أخرى وتعميم الحريّة والديموقراطية، وهي تفتقر اليها وتعتبرها من المحرمات؟!
إنّ الإستغناء عن التحالفات الإقليميّة والتوجّه مباشرة الى دول القرار، هو خيار لا تدّعيه إيران، إنما تمارسه، شأنها في ذلك شأن تركيا الأطلسيّة، وإسرائيل التي تحظى بقبّة حديد أميركيّة، وهذا ما يترك إلتباساً واسعاً في المحيط العربي إنطلاقاً من الأموال والثروات التي تنفق على الثورات حيث الذبح والنحر والشعارات الوحشيّة المستولدة من عفن التاريخ. أكثر من 70 مليار دولار ـ وفق مؤسسات إستقصائيّة – قد أنفقت، ولم يحصل التغيير في سوريا؟!.
وإذا كان الحديث عن “صفقة” يستهوي كثيرين ويزعج آخرين، فإنّ الدول العربيّة بغالبيتها منزعجة، قد شملها الإرباك، خصوصاً بعدما أخذت الدول النافذة في صفوفها درساً لن تنساه بعد أن تأكدت، ولمست لمس اليد بأنّ كيري قد جاء الى المنطقة ليسوّق للوجه الآخر من “الصفقة”، ويتعاطى مع المعترضين عليها وعلى سياسة بلاده حيال سوريا والإنفتاح على إيران من موقع عالٍ “ما جئت لأفاوض، بل جئت لتصحيح إنحراف المسار”، مؤكداً أنّ “جنيف ـ 2″ هو لإطلاق حوار حول سوريا، وليس خاصاً بها”، غامزاً من القنوات التي تطالب بالتغيير قبل الوصول الى المؤتمر “مَن يريد إسقاط النظام، وتنحية الرئيس نحن معه، لكن عليه أن يهدينا الى البديل لكي لا تقع سوريا ضحية الفوضى المسلّحة. من البديل؟ “داعش”، “جبهة النصرة”، تنظيم “القاعدة”، ام المعارضة المشتتة ما بين الداخل والخارج، وما بين الإعتدال والتطرف، وما بين الأكاديمي التنظيري، والميداني العملي، فأيّ من هذه المعارضات سيكون البديل؟!”
ولم يكتفِ الوزير الأميركي بهذا المقدار من الرسائل بل ذهب الى الأبعد، واضعاً كثيراً من النقاط فوق الحروف “لقد تفاهمنا في جولات سابقة من المحادثات على ضرورة تأليف حكومة من شخصيات محترمة في صفوف المعارضة، وطلبنا من الدول التي تدعم بالمال والسلاح، أن تمارس نفوذها لتحقيق ذلك، لكنّ النتيجة واضحة، وخير دليل ما يجري، فأيّ سوريا اليوم في ظلّ المعارضات المتقاتلة المتباعدة المتنابذة؟!
وجدّد كيري الإلتزام: “جنيف ـ 2″ ليس خاصاً بسوريا، إنما نقطة إنطلاق لحوار أوسع، وليس خاصاً بتثبيت النظام، او إعتماده لمرحلة إنتقالية محددة، نحن مع التغيير، ونحن دعاته كما أنتم، ولكن هاتونا بالبديل غير “داعش”، و”جبهة النصرة”، و”تنظيم القاعدة”، وقبل المبادرة الى فرض الشروط وتحديد مواصفات المرحلة الإنتقالية، والحكومة الإنتقاليّة بصلاحياتها الواسعة، تفضلوا وتكرّموا علينا أولاً بالتفاهم على وفد واحد موحّد يمثل المعارضة، وبعدها ندخل في عملية فك الأحجيات والعقد، والى أن يتأمّن ذلك، فإنّ الصفقة تتبلور، والمفاوضات مع الإيرانيين لن تتوقف، والتفاهمات التي تمتّ حتى الآن واعدة؟!”.
الجمهورية