العميد أمين حطيط
حط العدوان الصهيو أميركي رحاله في سورية من اجل تغيير وجهة الصراع القائم في المنطقة و لصياغة خريطتها الجيوسياسية وفقا لخطة استعمارية تقوم على بلورة محاور و مناطق متناحرة تكون فيها اسرائيل و اميركا في مركز القيادة و السيطرة و ادارة صراع بينها بشكل يؤدي الى تآكلها و حرمانها من اي نوع من انواع اللقاء و التعاوان حتى و من التفكير او الحلم بالسيادة و القرار و المستقل .
و في سياق تلك الخطة الاستعمارية الخبيثة و التي روج لها تحت عناوين و شعارات شتى ، اتجهت اميركا لاقامة الاهلة الثلاث (اهلة جمع هلال ) التي يكفر بعضها بعضا و لا تلتقي الا على الخوف المتبادل من اجل الاستمرار في الاقتتال والتدمير الذاتي حتى الانتحار الذي يوفر لاميركا تحقيق ما اوحى به برتندراسل( المفكر الانكلوسكسوني الشهير عندهم ) ” من ضرورة منع استقرار مناطق الثروات و تحويل من يتبقى من سكانها الى فقراء يعملون في خدمة الغرب الصناعي المتقدم”.و لقد بات واضحا ان اميركا كانت تهدف في عدوانها على المنطقة و عملا بهذه الظرية الى انتاج بيئة تتآكل عبر الاهلة الثلاثة التي ترعى انشاء اثنين منها و تستدرج الاخرين لاقامة الثالث وفقا للتدرج المرحلي التالي :
1) “هلال الاخوان المسلمين ” بقيادة تركية – قطرية ظاهرية ، اما القيادة الفعلية فتكون لتركيا العضو في الحلف الاطلسي هلال يشكل عبر تمكين الاخوان من حكم شمال افريقيا و صولا الى قسم من سورية عبر الاردن (بعد تقسيم سورية ) .
2) الهلال الوهابي التكفيري بقيادة سعودية و دعم خليجي يؤمن للسعودية بسط سيطرتها على قوس يمتد من المتوسط في لبنان غربا الى الخليج شرقا عبر قسم من سورية و قسم من العراق وصولا الى الكويت و البحرين و تكون اليمن الحديقة الخلفية لهذه المنطقة الوهابية .
3) الهلال الشيعي الذي – كما يخطط المعتدون – تدفع ايران او تستدرج الى اقامته بقيادتها على ان يشكل منها و من قسم من االعراق وصولا الى الساحل الشرقي للمتوسط ..
وقد كادت اميركا ان تحقق النجاح المطلوب في المرحلة الاولى ، باقامة “هلال الاخوان” اذ انها تمكنت في ستة اشهر فقط من وضع اليد على ثلاث دول عربية في شمال افريقيا تولى الاخوان حكمها ،و لكن المنشار الاستعماري علق بالعقدة السورية المقاومة ، حيث واجهت سورية و معها كامل محور المقاومة العدوان بعد ان وقفت على حقيقته و خطوطه الاستراتيجية التي فهمتها جيدا و تصدت له بارادة صلبة غير آبهة بالمصاعب و العوائق ، و نزلت مع حلفائها الى الميدان بكل القدرات و الامكانات المتاحة ، وواجهت بشكل مدروس و ممنهج وفقا لاستراتيجية دفاعية متماسكة هدفت الى الصمود و استيعاب الهجوم في مرحلة اولى ، ثم الانتقال الى الدفاع باسلوب هجومي انقضاضي في مرحلة ثانية من اجل زعزعة المكونات التنفيذية للمشروع و ادواته ، و صولا الى اعادة الامن و الاستقرار و ارساء واقع جيوسياسي في المنطقة يعاكس خطة المعتدين .
لقد اعتمدت استراتيجية مواجهة العدوان منذ الساعات الاولى التي تبين فيها ان الهجوم هو حرب كونية و مواجهة بين مشروع استعماري بقيادة اميركية و مشروع تحرري سيادي بقيادة محور المقاومة ، و انها ليست من اجل اصلاح او تطوير سياسي لهذا النظام او ذاك النهج و لم تكن مطلقا من اجل حرية و حقوق يدعى العمل من اجلها لصالح الشعب السوري ، بل كانت تلك الادعاءات ذرائع و يافطات ترفع من اجل تبرير العدوان و استدراج المقاتلين .
و قد نجحت سورية و محورها المقاوم في معركة الصمود الدفاعي بشكل مذهل و استطاعت بعد سنتين من المواجهة القاسية ان تمنع تنفيذ المرحلة الاولى من مراحل المشروع ، ما خلق بيئة دولية و اقليمية اتاحت نقض ما تم بناؤه في شمال افريقيا لصالح الاخوان فانهار حكمهم هناك و قضي على هلالهم الموعود بعد ان ضاعت مصر من يدهم مصر التي تحركت ضد الاخوان في ظل الصمود السوري الذي ادى الى افهام المعتدي بان تسليم سورية للاخوان المسلمين هو امر مستحيل .
و مع هذا السقوط الاخواني انقلبت اولويات الخطة العدوانية فقدمت مرحلة اقامة الهلال الوهابي على مرحلة اقامة الهلال الاخواني علّه يستنقذ المشروع من الفشل . و بتغيير سلم الاوليات تقدمت السعودية الى مركز القيادة الميدانية و تراجعت قطر و تركيا بعد ان فشل الاخوان في اقامة هلالهم و سقط حكمهم في مصر و اهتز في تونس و تشتت الدولة في ليبيا .
في ظل هذا الانهيار جاء الرئيس الاميركي اوباما بنفسه الى المنطقة لاطلاق خطة انقاذ المشروع ،( خطة اوباما ) مهددا بالتدخل العسكري المباشر من اجله ، لكن كل ذلك لم يجده نفعا في مواجهة قوى آمنت بحقها و بسيادتها و حريتها و عملت وفقا لاستراتيجية علمية متطورة رأينا ان تسميتها ب ” استراتيجية الاسد ” هي الانسب لها و هي استراتيجية تقوم على اركان اربعة كما بات واضحا و تشمل : الدقة في ترتيب اولويات المواجهة ، و منع سقوط جديد لاي منطقة سورية بيد الارهابيين و استنقاذها اذا حصل ، و التطهير المتدرج و وفقا لسلم الاولويات للمناطق التي افسد الارهابيون امنها ، و العمل على تفكيك جبهة المعتدين الميدانية و السياسية ( ذكرنا تفصيلها في مقالات سابقة ).
لقد حققت سورية و محوررها المقاوم انجازات باهرة في معاركها الدفاعية التي ادارتها وفقا للاستراتيجية المذكورة، و حصدت نتائج ميدانية اذهلت العدو و دفعت الواقعيين الموضوعيين من قادته الى القناعة بفشل المشروع و بضرورة البحث عن مخارج تحدد خسائرهم ، و في المقابل بقي هناك امل لدى اخرين خاصة من المكابرين و من الادوات الاقليميين ، امل باستقاذ المشروع باعادة صياغة الاولويات و العمل على تحقيق الهلال الوهابي اولا بدلا من الاخواني او الذهاب الى ابعد من ذلك في فكر الوهابين ، الى حد التصور بان بامكانهم دمج مشروعي الهلالين الاخواني و الوهابي في هلال وهابي واسع .و من اجل ذلك تصرفت السعودية بعد ان تولت القيادة الميدانية بالشكل الاستعلائي و الهستيري و الانفعالي الذي يعلمه الجميع متصورة انها ستحكم المنطقة اذا نجح مشروعها !؟.
و لكن الميدان كذب طموح السعودية و احلامها رغم كل الذي بذلته فيه . و الحقت بالتكفريين الوهابيين و باقي الجماعات المسلحة هزلئم متتابعة و بليغة ، ثم نشب بين تلك الجماعات نزاع قاتل بنتيجة اعادة تشكل القيادة العدوانية الميدانية على كامل مساحة سورية .
و هكذا و بعمل عسكري محترف و مناورات ميدانية ذكية انزل الجيش العربي السوري و القوات الرديفة بالمسلحين هزائم لم يكن آخرها ما حصل في من تطهير لمعظم المناطق في ريف دمشق ، و ما تم في القصير و ريف حمص ، صعودا الى السلمية و خناصر و السفيرة و محيط مطار حلب الذي يتأهب لاعادة تشغليه في اسابيع قليلة بعد تطهير محيطه ، ثم ما كان من امر مخازن السلاح و الذخيرة في مهين من مقتلة عظيمة للارهابيين فيها و تطهيرها منهم،و الان يبدو ان هناك اقتراب لنضوج او تهيئة الظروف لتطهير قرى و بلدات القلمون ، او ما يسمى “معركة القلمون” التي يركز الاعلام الدولي الان عليها حتى بات البعض يظن انها ستكون معركة حسم الحرب كلها كما ذهب البعض في الغرب الى القول فما هي اهمية هذه المعركة و ما هي انعكاساتها ؟.
في البدء نقول ان معركة تطهير القلمون وعندما يبدأها الجيش العربي السوري ستكون مضمونة النتائج له ، و بالتالي لن يكون هناك حديث عن احتمال ربح او خسارة فيها ، ففتحها يعني ان الدولة السورية و وفقا ل”استراتيجية الاسد” المعمول بها حضرت لها ما يكفي من اجل تحقيق الانتصار المطلوب بتطهير المنطقة من الارهابيين و استعادتها الى كنف الدولة كليا و اعادة اهلها الى بيوتهم بشكل واسع .
اما من الناحية العسكرية الميدانية فان معركة تطهير القلمون تحقق على الاقل هدفين كبيرين جدا : الاول يتعلق بامن دمشق و تحصين الانجازات الميدانية في ريفها و الثاني يتعلق بدور لبنان في امداد المسلحين بالعديد و العتاد .
فعلى صعيد امن دمشق سيوفر تطهير القلمون للعاصمة امنها و يبعدها عن خطر ارهابهم و يمنع اي نوع من انواع الامداد لعصاباتهم المتبقية في بعض مناطق الريف بغوطاته خاصة الغربية و الجنوبية بعد ان بات امر الشرقية شبه منتهي . ثم انه سيوفر انتقالا امنا بين العاصمة و حمص و يجعل المنطقة كلها خالية من اي تهديد ارهابي جدي مؤثر.
اما على صعيد دور لبنان فان تطهير القلمون سيعني استكمال ما بدء في القصير ، حيث ان الاتصال المؤثر بين لبنان و سورية و المؤثر على المنطقة السورية الوسطى من حمص شمالا الى ريف دمشق جنوبا يكون عبر جبهة عرضها 85 ، تم الامساك ب 30 كلم منها اثر معركة القصير و هناك 15 كلم جنوبي عنجر هي اصلا بقيت نظيفة من الارهاب و يتبقى 40 كلم للارهابين لهم فيها وجود يمكنهم من التسلل و التدفق عبر لبنان الى سورية و هي منطقة القلمون . فاذا انجز التطهير فان جبهة ال 85 كلم مع لبنان من الغرب ستقفل كلها بوجه الارهاب و يكتمل بذلك تعطيل ورقة لبنان ضد سورية كليا . فاذا عطفنا هذا الامر على ما بدأت تركيا اتخاذه من تدابير انتقائية ضد بعض جماعات الارهاب فاننا نرى كم ان مصادر الارهاب ستتأثر و تجفف عند الانتهاء من معركة تطهير القلمون . ..اضف الى ذلك التأثير على المعنويات و طرق الامداد و التواصل و ما اليه بالنسبة للارهابيين .
و لكن ليس هذا كل شيء … بل ان الاهم و الاخطر بعد الانتهاء من معركة القلمون هو ما سيكون من امر الدور السعودي ، لان الجهة الارهابية الرئيسية التي تعمل في منطقة القلمون هي الكتلة الوهابية تحت تسمية ” جيش محمد ” الذي انشأه بندر لتنفيذ احلام السعودية ، ما يعني ان تطهير القلمون سيتسبب بسقوط ميداني اكيد لكل تلك الاحلام.. و تاليا فراغ يد العدوان من اي ورقة يمكن ان يلعبها لاحقا لاستنقاذ المشروع …اي ان معركة القلمون ستلحق حلم الهلال الوهابي بالهلال الاخواني سقوطا و لا يكون بعدها من مجال للتشكيك بان الانتصار النهائي تحقق و الباقي يبقى تفاصيل تتعلق باستعادة الاستقرار و تنظيف هذا الوكر او ذاك ..
الثورة السورية