محمد صادق الحسيني
هذا هو ملخص جنيف وهو ما كنا توقعناه اما الاهم فهو حنق االمفلسين والمهزومين ا في بيروت واليكم قصتهم مع سفارة المنتصرين الغالبين :
إن محاولة اقتحام السفارة الايرانية في بيروت أتى في سياق محاولات مستمرة منذ أشهر لتنفيذ اعتداءات على المناطق الشيعية في لبنان في اطار حشد مذهبي حاقد هدفه اشعال فتنة سنية شيعية، نجح منها تفجيرا بئر العبد والرويس. و المحاولات السابقة نفذت بواسطة سيارات مفخخة وصواريخ على طريقة: زتكره حزب الله، ضع هذه السيارة المفخخة في الضاحية’.
قد تكون الجهة الدافعة باتجاه تفجيرات: السعودية
ومع ذلك، فإن ما حصل في محاولة اقتحام السفارة مختلف من بعض الجوانب:
من حيث طبيعة التفجير، الذي شكل ارتقاءً درجة على المحاولات السابقة: تفجير مزدوج + دخول الانتحاريين على المشهد.
ـ من حيث طبيعة الهدف: السفارة الإيرانية التي تعتبر بحسب العرف الدبلوماسي والقانون الدولي أرضاً إيرانية وتخضع لسيادة الجمهورية الإسلامية. وعليه، فإن الاعتداء أشبه باعتداء على طهران نفسها، من حيث مفاعيله.
توقيته: عشية مفاوضات جنيف حول النووي الإيراني، وفي أوج معركة القلمون.
– تجهيز جيش من نحو 50 ألف جندي سوري لاستلام السلطة من الرئيس بشار الأسد، ناهيك عن تحويل الأردن الى قاعدة لوجستية ومنطقة عمليات للمجموعات الإرهابية العاملة في سورية.
ولا بد من الإشارة إلى أن كل ذلك جاء في ظرف دولي تبدو فيه عجلة التقارب الأميركي مع ايران تسير بسرعة فائقة، وفي وقت نجحت فيه فرنسا، بعد شغب، في فرض نفسها شريكا في التسوية، أو على الأقل ضمان حصتها فيها، بخلاف السعودية التي أدركت على ما يبدو أنها فقدت أهميتها الاستراتيجية (النفطية) بالنسبة للسيد الأميركي، وأنها وضعت على الرف، لحظة جلس المفاوضان الأميركي والإيراني إلى طاولة واحدة.
هل يمكن للسعودية أن تتعايش مع تفاهم أميركي إيراني؟
كل المؤشرات تؤدي إلى إجابة وحيدة: لا. والأسباب كثيرة. صحيح أن الأساس فيها إيديولوجي، مرتبط بالهيمنة الوهابية على المملكة، وبالصراع التاريخي على خلفية ما يعرف بالعصبية العشائرية والتي تؤدي دوراً كبيراً. كذلك الأمر بالنسبة لتوقيت تلك التسوية، في ظل حال من الخسارة السعودية العامة في المنطقة، من العراق، الى سورية فلبنان واليمن والبحرين على الطريق… لكن المسألة تبدو أكثر تعقيداً، محورها معلومات عن أن االصفائح الكرتونيةب التي أقيمت عليها المملكة، بدأت تتصدع.
على الأقل هذا ما تفيد به المعلومات الواردة من داخل البيت السعودي، والتي تتحدث عن ما يلي:
أولاً : تزايد ثقل المؤسسة الوهابية على حساب نفوذ العائلة المالكة. بل هناك كلام عن أن كوادر هذه المؤسسة باتوا أكثر انتقادا للعائلة وما عادوا يقبلون بهيمنتها على ثروة البلاد ورقاب العباد.
ثانياً: يبدو واضحاً أن جناح بندر ــــ الفيصلين يتحمل مسؤولية كل الحراك السعودي، في إشارة إلى بندر بن سلطان وسعود الفيصل وتركي الفيصل. المعلومات المتوافرة تفيد بأن الثلاثي المذكور بات مقتنعا بأنه سيصبح خارج أروقة الحكم السعودي ما أن يغمض الملك عبد الله جفنيه، خاصة وأنهم خسروا كل رهاناتهم الإقليمية. ما كتبته االغارديانب قبل يومين معبر (الحديث عن أن ولي العهد المقبل ستعينه هيئة البيعة التي تفضل الأمير أحمد، أصغر الأخوة السديريين الذي يبدو انه على نقيض من مجموعة بندر التي تسعى لاقناع الملك بتعيين الأمير مقرن وليا للعهد!!!!).
العائلة الحاكمة السعودية ثالثا: تضاف إلى ذلك معلومات أن صراع الأجيال داخل العائلة المالكة بلغ مستوى تكسرت تحته الهيكليات والتراتبية وزاد مستوى الفجور والتضعضع. وعلى سبيل المثال، يحكى عن اجتماع عقده الملك عبد الله قبل أسابيع ضم بندر بن سلطان إلى محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله كانت نتيجته أن تعالت الأصوات بين الأمراء الشباب، في حضور الملك الذي آثر مغادرة القاعة. مملكة فيها تيار بامتدادات دولية واقليمية وموارد مالية هائلة يتحكم بأجهزة أمنية وتنظيمات مسلحة يسعى الى فرض وقائع ميدانية في المنطقة، وفرض موازين قوى جديدة في الداخل السعودي!.
من جهة اخرى فان كل الحراك الدولي والإقليمي منذ غزو العراق بالحد الأدنى يستهدف جر محور المقاومة، وخاصة إيران وحزب الله إلى معركة مذهبية عرقية مفتوحة، وبالتالي فان اي انجرار إلى اتون معركة كهذه نكون قد وضعنا أنفسنا في الفخ الذي نصبوه لنا. ثم إن الحركات التكفيرية المسلحة هي أشبه بخلايا سرطانية لا يمكن القضاء عليها بالضربات القاضية، على ما بينت التجربة في أفغانستان والعراق وسورية. فهي تملك العناصر الثلاثة التي تؤمن نموها واستمرار روافدها التي لا تنضب: المال والإيديولوجيا والبشر.
وبالتالي فإن معركة مفتوحة مع هذه الجماعات، لا يمكن ربحها. وحتى ولو لم نخسرها، إلا أن تكلفتها ستكون باهظة جداً.
–إن تهدئة مؤقته، من أي نوع كانت مع الغرب المنكسر على بوابات صبر ايران الاستراتيجي وصمود سورية التاريخي، لابد سيؤدي الى رفع العقوبات عن طهران وان تدريجيا واعتراف غربي بموقع إيران ونفوذها في المنطقة، تشكل خسارة محققة للسعودية. أي أن أي مكسب لإيراني هو حتماً خسارة للسعودية.
– بغض النظر عن موقفنا الفعلي من جماعة االأخوانب المسلمين، إلا أنه لا يمكن انكار تناقضها الإيديولوجي والمصلحي مع الوهابية كفكر والسعودية كبلد. فالأولى، تنظيم إسلامي دولي يسعى إلى إقامة الخلافة، فيما الثاني عبارة عن تحالف مصلحي بين مؤسسة دينية وعائلة: الأولى تؤمن المشروعية الدينية لحكم الثانية التي تؤمن استمراريتها من خلال مظلة دعم أميركية في مقابل خدمات مالية واقتصادية وأمنية وإيديولوجية على المستويين الدولي والإقليمي. وبالتالي فإن تعزيز هذا الصراع بين السعودية والأخوان عبر دعم هذه الأخيرة وتقويتها يشكل مصلحة حيوية.
– يبدو واضحا أن الغرب يدرك بأن علاقته مع تلك المجموعات سيف ذو حدين: يستخدمها الى النقطة التي يحقق من خلالها مصالحه، لكنه يرسم حدودا واضحاً، تصبح فيها تلك المجموعات خطراً عليه، اذا ما تم تجاوزها فينقلب على تلك المجموعات ويعمل على تصفيتها. ما حصل ويحصل في سورية خير دليل، وبالتالي فإن من مصلحتنا اللعب بين اشبه ما يكون بحقل الغام بما يجعل الغرب يقر ويعترف بأن تلك المجموعات تجاوزت الخطوط الحمر تلك.
الملك السعودي والرئيس الروسي الذي بقي وفيا لسوريا- بغض النظر عن دقة معلومة بأن الولايات المتحدة سبق أن اعطت بندر بن سلطان فترة سماح حتى نهاية العام الحالي لتحقيق انجاز ميداني ما يمكن صرفه بالسياسة، فإن قدرة واشنطن على تحمل ممارسات بندر (المدعومة بلا شك من قبل تيارات متطرفة أميركية وتحظى برعاية، مباشرة أو غير مباشرة من إسرائيل) تتضاءل كلما سارت الإدارة الأميركية في اتجاه ابرام تفاهمات، أو كلما زاد تفاؤلها من إمكانية إبرام تفاهمات مع إيران.
وما يؤكد ذلك هي تلك المكالمة الهاتفية الشهيرة بين قيصر روسيا والملك عبد الله والتي قال فيها الاول للثاني : من يكلمك ليس قيصر روسيا لوحده بل اكلمك باسم اجماع اللاعبين الكبار، بان اعترف بجنيف والا خسرت كل شيء! .. في الختام ينصح العقلاء بالقول بان أي رد عقلاني ومجدي على تفجير السفارة يجب أن يعتمد مقاربة استرايتيجة مبنية على ما ذكر اعلاه . لكن هناك مشكلة يجب حلها اولا وسريعاً. ما حصل في تفجير السفارة كان تجاوزاً لكل الخطوط الحمر، واستهدافا مباشرا وموقّعاً لإيران نفسها.
من هنا فإن رداً ميدانياً على تفجير السفارة يعتبر واجباً، مع الأخذ بالاعتبار أنه يجب ألا يكون أبداً رداً انتقامياً وإنما رداً ردعياً. وان من شروط هذا الرد أن يكون مباشراً، وأن يحمل توقيعاً إيرانياً واضحاً وألا يؤدي إلى تدحرج الأمور بما يطلق حربا مذهبية!.
القدس العربي