الدكتور خيام محمد الزعبي
تسعى أمريكا لتقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة متناحرة حتى تعم الفوضى تمهيداً لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تسعى من خلاله لتأمين المصالح الإسرائيلية في المنطقة، واليوم تعيش أمريكا صدمة كبيرة بسبب القرار المفاجئ الذي تم اتخاذه من جانب القيادة الفلسطينية بتوقيع أكثر من عشر اتفاقيات دولية للضغط على إسرائيل للإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، إذ وضع الولايات المتحدة في موقف حرج تصارع خلاله بغية إعادة محادثات السلام إلى مسارها الصحيح، بعد أن انحرفت وبدأت تدخل في مفترق طرق مسدودة.
فالمشكلة هي أن إسرائيل تنتهج سياسة التفاوض من أجل التفاوض وكسب الوقت، والكل يعرف ذلك، بما في ذلك أمريكا، ومع ذلك فإن الدول الفاعلة ليست مستعدة لتحمل مسئولياتها في وضع حد للغطرسة الإسرائيلية، وتسعى عوضاً عن ذلك لاستجداء مزيداً من التنازلات من القيادات الفلسطينية.
وفي سياق متصل إن طلبات الانضمام لأكثر من خمسة عشر ميثاقاً وإتفاقاً دولياً التي قدمتها السلطة الفلسطينية مؤخراً للمبعوث الخاص للأمم المتحدة في الشرق الأوسط، ولمندوبي سويسرا وهولندا لدى السلطة الوطنية، تتعلق جميعها بحقوق الإنسان وقضايا اجتماعية، وهي خطوة قد لا تتأثر إسرائيل كثيراً بنتائجها، ولكن الانضمام لبقية المنظمات الدولية من شأنه ان يثير قلق إسرائيل وفزع جنرالاتها ممن تلوثت أياديهم بدماء الفلسطينيين، فلم يكن من المستغرب وصول المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية الى طريق مسدود، فبعد ثمانية أشهر من اللقاءات وأكثر من عشرين زيارة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري الى المنطقة، لم يتم الكشف خلالها عن التوصل لأي اتفاق على اي بند، على العكس من ذلك استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه المفاوضات ليضع بنوداً تعجيزية جديدة على غرار طلب الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وليفرض أمراً واقعاً على الأرض بتوسيع الاستيطان، وتسريع خطوات تهويد مدينة القدس المحتلة .
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين أن القضية تكمن في أن هذه المفاوضات لم تحقق أي تقدم تجاه السلام وأن الوضع الحالي لها أثبت أن هناك أزمة حقيقية مع الجانب الأمريكي الذي فشل في أن يلعب دور الوسيط النزيه ولذلك فإن المراجعة التي يتحدث عنها الوزير كيري لن تكون ذات جدوى ما لم تغير واشنطن إستراتيجيتها بشكل جذري وتمارس المزيد من الضغوط على إسرائيل.
وفي إطار ذلك يمكنني القول إن الفلسطينيين الذين تحملوا الكثير من الخداع والكذب والتضليل الإسرائيلي فإنهم يتوجهون اليوم نحو المجتمع الدولي لنزع فتيل الأزمة بدلاً من الاستمرار في تجاهل مطالبهم المحقة والعادلة، وهي ليست مطالب فلسطينية فحسب بل عربية وإسلامية، فالمدينة المقدسة تخص كل العرب وكل المسلمين وسياسة فرض الأمر الواقع في المدينة المقدسة لن تكون مقبولة، ولابد من الوقوف بوجه سياسة قضم الأرض المقدسة وتهويدها بشكل حازم.
وأخيراً ربما أستطيع القول إن المفاوضات التي امتدت 21 عاماً بلا جدوى، وفي كل مرة يعود الطرفان إلى نقطة الصفر عبر طرح شروط جديدة لابتزاز الطرف الفلسطيني وحمله على تقديم التنازلات، لذلك لا بد من التحرر من وهم هذه المفاوضات والعودة إلى المقاومة الشعبية وفتح معركة القانون الدولي والتوجه بدعاوى جرائم حرب ضد إسرائيل، والعمل الى تحقيق تغيير جذري في الإستراتيجية المتبعة حالياً بمفاوضات السلام والتي انفردت بها الإدارة الأمريكية.
صحفي وباحث أكاديمي في العلاقات الدولية