نصري الصايغ
لم يحن الوقت بعد. سوريا ليست في الفصل الأخير من مرحلتها إلى الجحيم. ما تزال بعيدة جداً عن الحبر. أصابع السوريين ليست من حبر بل من دم. التوقيع على السلم محفوف بالجرائم المروعة المرتكبة، وبالعنف الذي يتأصل سياسياً ودينياً ومذهبياً، بدعم وحضور دولي والخليجي، لديه كفاءة الانتظار.. على الركام.
سوريا التي كانت.. لا يُعرف كيف ستكون، أو، هل سيتاح لها أن تكون. ما كان أحلاماً «ربيعية» انطفأ. مطالب المعارضة الأولى ذبحت. لا مكان لها، لدى النظام ولدى جحافل البرابرة القادمين من كهوف المذاهب ومقاصل التكفير.
دفعت سوريا، أثماناً حافلة بالقتل والتشنيع والاعتقال والذبح والاقتلاع والتهجير. وليست مرشحة للشفاء من هذا التوغل في الهمجية، فالآتي أعظم.
هذا المشهد السوري الذي يتكرر ويتطور باتجاه الأفدح والأسوأ، شهد في العام 2013، تحولات وانعطافات كبرى: باتت الحرب تخاض لكسر التوازن، إما لمصلحة المعارضة المسلحة المؤيدة والمدعومة من دول كونية وإقليمية، وإما لمصلحة النظام المؤيد من إيران و«حزب الله» وبعض التنظيمات الشيعية العراقية.
غير أن التحول الأكبر، حصل بعد معركة «القصير». كانت المعارضة المسلحة تقوم باقتحامات مدمرة، في كثير من المناطق. حافظ النظام على حدوده الدمشقية، بمشقة وصعوبة، وبدا أحياناً أنه يترنح. قالت إيران: «ممنوع سقوط النظام». تدخل «حزب الله» في القصير، وتغير سير المعارك في دمشق وريفها وبعض مناطق حمص.
هذه المعركة استدعت قوات المعارضة لرد فعل تجتاح فيه مناطق على تخوم الأردن، وعلى أبواب دمشق من الجهة الجنوبية، تداعت جبهة المعارضة، وتقدمت جريمة استعمال الكيميائي… جن جنون الاعلام. أوباما أحرج بسبب المساس بالخط الأحمر الكيميائي. قاد الجنون الدولي معركة الرد على القصير، بحجة استعمال الكيميائي.
وتغيّر العالم، بعدما تغيرت أحوال الدول. سقطت الضربة الأميركية، بالاقتراح الروسي والدعم الإيراني وقبول النظام، بأن تجرد سوريا من سلاحها الكيميائي.
تغيّرت سوريا ميدانياً باتجاهين: الأول: الجيش السوري يتعافى في مناطق يستعيدها، مؤقتاً أحياناً وبات النظام يعوِّل على نتائج سياسية يمكن صرفها مع دول أوروبا ودول الإقليم. الثاني: تفوق قوات «داعش» و«النصرة» على الجميع، في مناطق الشمال والشمال الشرقي.
في هذا العام، خرجت قطر من الميدان بخفيّ خسارة. تركيا أصيبت بنكسة، دول الخليج تعيد حساباتها، أميركا تجهد لإتمام الاتفاق مع روسيا.
النظام يستفيد من نجاحاته، ليخوض معارك بكل ما أوتي من قوة وعنف وتدمير. والسعودية، برغم هزيمتها السياسية، لن تترك المعارضة أبداً. ففي يديها أوراق كثيرة، وأموال طائلة وأسلحة مؤهلة.
سوريا اليوم من حطب إما للاشتعال أو لصناعة التوابيت.
السفير