تعرض تونس للإرهاب دفعها لإغلاق قنصليتها في طرابلس، مع عدم ارتياح من جانب الجزائر وفرنسا للتدخل الأمريكي في ليبيا، والاستقطاب في شمال إفريقيا يضعف مكافحة الإرهاب.
أعلنت تونس عن إغلاق قنصليتها في طرابلس بعد تعرض دبلوماسيين تونسيين للاختطاف في أكثر من مرة، ما أجبر الحكومة التونسية على فتح حوار مع تنظيمات إرهابية داخل ليبيا وفي بعض الأحيان مبادلة إرهابيين يقضون عقوبات في السجون التونسية بالرهائن.
تفاقمت الأوضاع الأمنية في تونس بعد لقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما بنظيره التونسي الباجي قائد السبسي، وتأكيد أوباما عزمه منح تونس وضع حليف رئيسي للولايات المتحدة خارج حلف الناتو، وإشادته بالتقدم الديمقراطي في البلاد بعد ثورة عام 2011.
الرئيس السبسي أشار من جانبه إلى أنتونس اتفقت مع الجانب الأمريكي على التصدي لظاهرة الإرهاب في تونس، وقال إن الإرهاب منتشر في مختلف أنحاء العالم خاصة في الجارة ليبيا التي تفتقر لمعايير الدولة.
ووقعت تونس مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة لتأطير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
من الواضح أن هناك تفاصيل غير معروفة، أو حلقة مفقودة في عمليات مكافحة الإرهاب في شمال إفريقيا، وإذا تحرينا الدقة، يمكن أن نقول إن هناك خلافات بين الولايات المتحدة وفرنسا في مكافحة الإرهاب في شمال إفريقيا عموما، وفي ليبيا على وجه الخصوص.
ففي شهر فبراير/ شباط 2014 كشفت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، عن وجود قوات كوماندوز أمريكية على الحدود الليبية الجزائرية، والتي يرجح أن تكون قد تدخلت للقضاء على جماعات إرهابية، وهي خطوة تتناقض مع التزامات ليبيا مع الدول المحادة لها، وتعهداتها للجزائر بالتنسيق بين البلدين في المجال الأمني في إطار حماية الحدود ووقف تدفق السلاح والإرهاب، خلال زيارة الوزير الأول عبد المالك سلال إلى الأراضي الليبية.
الصحيفة الفرنسية نقلت أيضا، عن مصدر عسكري فرنسي، أن تدخل القوات الخاصة الأمريكية جنوب ليبيا يثير قلق فرنسا، خاصة وأنه منذ نهاية عام 2013، تتواجد عناصر من وحدات “دلتا” متنكرة في زي البدو، مهمتها الأساسية أن تقوم بتدريب القوات الخاصة الليبية على مطاردة عناصر التنظيمات الإرهابية في جنوب ليبيا على الحدود مع الجزائر، في هذا السياق كشف مصدر عسكري فرنسي عن مخاوف من خطر تفكك جنوب ليبيا.
وأضاف المصدر العسكري، أن الفرق المختلطة في جنوب ليبيا حصلت على طائرات دون طيار ووسائل استطلاع جوية تقوم بتحديد القوافل المشتبه بها في المنطقة، بينما تقوم عناصر قوات الكوماندوز الأمريكية بالاقتراب من الهدف على متن سيارات رباعية الدفع، وغالبا ما يترك الأمريكيون العناصر الليبية تتعامل معه.
على هذه الخلفية تظهر الخلافات الواضحة في رؤية كل من واشنطن وباريس، وربما في سيناريوهاتهما وآفاق جهودهما في مكافحة الإرهاب في شمال أفريقيا عموما، وفي ليبيا على وجه الخصوص. والموضوع مرتبط بتقسيم ما يمكن أن نطلق عليه “كعكة الإرهاب”، أي تقسيم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الدول التي يضربها الإرهاب حاليا، وإحكام القبضة عليها لكي لا تشاركها دول وأطراف أخرى. ومن الواضح أن سيناريوهات وخطط باريس قد فشلت في تشجيع ودعم ودفع الولايات المتحدة في العراق وسوريا، مقابل أن تنفرد فرنسا بشمال أفريقيا.
فباريس غاضبة هي والجزائر من العمليات الأمريكية في ليبيا، ولكنها ترى أن القوات الخاصة الفرنسية المنتشرة في منطقة الساحل الأفريقي من الطبيعي أن تقوم بعمليات أمنية وعسكرية. فوزارة الدفاع الفرنسية نفسها اعترفت في 20 مايو/أيار الماضي، أن القوات الفرنسية الخاصة قامت بعملية جوية أسفرت عن مقتل قائدين إسلاميين متشددين في عملية شمال مالي.
واعتبرت وزارة الدفاع الفرنسية أن مقتل القياديين ضربة جديدة للإرهاب بعد تصفية قائد كتيبة حركة “المرابطون” الجهادية في مالي، أحمد التلمسي، في 11 ديسمبر/كانون الأول 2014 عقب غارة شنتها القوات الفرنسية في منطقة غاو.
إن بوادر الاستقطاب تظهر بشكل واضح وملموس في مكافحة الإرهاب في ليبيا على الرغم من التصريحات الدبلوماسية التي تدلي بها تونس والجزائر. وقد نجحت الولايات المتحدة في استقطاب تونس، بينما زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى الجزائر في 15 يونيو/ حزيران الحالي أظهرت أن فرنسا تسعى لاستقطاب الجزائر، ليس فقط في مجال مكافحة الإرهاب، ولكن في العديد من المجالات: الطاقة (النفط والغاز) والدفاع (بيع السلاح) والأمن (الهجرة غير الشرعية) واستخدام ورقة الجزائر كدولة عربية كبيرة لديها إمكانيات وقدرات هائلة. إضافة إلى النفوذ الجزائري في ليبيا والقطاع الضخم المشترك من الحدود بين البلدين. من جهة أخرى تود فرنسا التي تتخبط في أزمة اقتصادية تجد صعوبة في الخروج منها، وكذلك الجزائر التي تعاني من تراجع في عائداتها النفطية، تكثيف “الشراكة الاستراتيجية” الموقعة بينهما عام 2012.
الاستقطاب واضح ليس بنتيجة تناقضات بين تونس والجزائر، بل بسبب اختلاف مصالح الولايات المتحدة وفرنسا، وخلافهما على حجم تلك المصالح. فالولايات المتحدة سمحت لفرنسا بالغارات الجوية في مالي، وفرنسا سمحت للولايات المتحدة بالغارات الجوية في العراق وسوريا. ولكن باريس لا يمكن أن تسمح لواشنطن بغاراتها في ليبيا، سواء التي جرت في فبراير/شباط 2014، أو تلك التي جرت منذ عدة أيام تحت غطاء تصفية أحد العناصر الإرهابية في ليبيا.
على خلفية هذا الاستقطاب، يواصل تنظيم داعش الإرهابي توسعه وتمدده في ليبيا.
وتحذر واشنطن وباريس من انتشار الإرهاب في شمال أفريقيا على الرغم من وجود قواتهما الخاصة وعناصرهما الاستخباراتية على الأراضي الليبية، ووجود أساطيلهما في البحر الأبيض المتوسط. أما تونس والجزائر فتتحدثان عن صيغ مطاطة، كصدى للصيغ غير المفهومة التي يتبناها الغرب عموما، وواشنطن وباريس على وجه الخصوص، بالنسبة لمكافحة الإرهاب في ليبيا.
كل ذلك والإرهاب يضرب تونس سواء في ليبيا أو في الداخل. وفي ظل هذه الاستقطابات والتلاعب بالمفاهيم قد تتعرض دول أخرى، من بينها الجزائر، لهجمات إرهابية.
أشرف الصباغ