عبد الباري عطوان
من تأمل وجوه الحفنة القليلة من الزعماء العرب الذين شاركوا في قمة الكويت العربية يستطيع رسم صورة واضحة عن الحالة المزرية للواقع العربي المنهار على الاصعدة كافة، فلم يسبق في تاريخ القمم العربية منذ بدئها قبل نصف قرن تقريبا ان وصل العمل العربي المشترك الى مثل هذه الدرجة من الضعف.
انقسامات حول كل شيء، والاتفاق الوحيد بين المشاركين ودولهم هو المزيد منها، والظاهرة الملفتة هو غياب الزعماء الوطنيين من الوزن الثقيل الذين يضعون مصالح الامة فوق كل اعتبار، ويملكون بوصلة واضحة تحدد من هو العدو ومن هو الصديق، ومن هي القضايا المركزية ومن هي القضايا الهامشية، وكيفية التعاطي مع الاولى، وكيفية ايجاد حلول سريعة للثانية حتى لا تؤثر سلبا على الاولى في حال استمرارها.
***
مؤسف جدا ان يكون الموضوع الاهم في قمة الكويت هو “مقعد” سورية وان يكون هذا “المقعد” والعلم الذي يرفع فوقه هو المحور الاساسي فيها، فهناك من يريد اعطائه هدية لائتلاف معارض مهلهل ومنقسم، وهناك من يعارض ذلك ويهدد بالانسحاب، بينما سفك الدم السوري يتواصل، واعداد القتلى والمشردين يتفاقم، والتفتيت الجغرافي والديمغرافي يتعمق.
في القمم السابقة جميعا كان عرب الخليج يتفاخرون على اقرانهم الآخرين بوحدتهم، وتضامنهم وصمود مجلس تعاونهم في مواجهة كل آفات الانقسام وعوامل التعرية التي وأدت التجمعات المماثلة شمالا ووسطا وغربا، وها هي قمة الكويت، لاحظوا الكويت، تظهر على الملأ ما حاول الاشقاء الخليجيون اخفاءه، فقد كانت الخلافات الخليجية هي الاعمق، بل وتقف خلف معظم المصائب العربية الحالية، وخاصة في سورية والعراق وفلسطين ومصر.
المحاولات اليائسة التي بذلها امير الكويت الشيخ صباح الاحمد لجمع كل من الامير سلمان بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية مع الامير القطري تميم بن حمد وانتزاع ابتسامة منهما امام الكاميرات لم تخف الازمة المرشحة للتصعيد بين البلدين بعد انتهاء القمة وزيارة الرئيس الامريكي باراك اوباما للرياض، والشيء نفسه يقال عن لقاء آخر بين الامير القطري والرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، زمن الابتسامات البلاستيكية المصطنعة انتهى الى غير رجعة، ومعه زمن كنس القمامة الخلافية تحت سجاد الزعماء الفاخر.
***
القمم العربية مرت بثلاث مراحل: الاولى مرحلة الزعماء الوطنيين المتميزين، مثل جمال عبد الناصر وهواري بوميدين وفيصل بن عبد العزيز واحمد الشقيري وياسر عرفات وزايد بن سلطان، والثانية مرحلة الزعماء المهرجين التي انتهت ببدء ثورات ما يسمى بالربيع العربي، والثالثة مرحلة هيمنة المال وزعمائه على القرار العربي والجامعة العربية، وهي مرحلة ندفع كأمة ثمنها غاليا من دمائنا ووحدة اوطاننا، وضياع قضايانا المركزية.
من المؤسف ان هذا الوضع العربي المتعفن سيظل معنا لسنوات وربما لعقود قادمة، وحتى هذه القمم العربية الفاشلة التي نلعنها ليل نهار قد نترحم عليها والجامعة العربية التي ترعى مؤسستها.
متشائم.. نعم لا انكر ذلك، واعتقد ان معظم الشعوب العربية مثلي، فلا يوجد ما يبعث على التفاؤل للأسف، وليس هناك ما يمكن رصده وتحليله في هذه القمة غير الفشل والمناكفات بين زعماء صغار على حساب هذه الامة ومستقبلها، وهدر اموالها في القتل والدمار والمكائد، وكل قمة عربية وانتم بالف خير.
رأي اليوم