يامن أحمد حمدي
للمرة الأولى، وبعد قيام الثورة بسبع سنوات، تنظمت في تونس الانتخابات البلدية، بعد تأخر (بدا للبعض متعمدا وبدا للآخرين غير مبرر) لمناقشة مجلة الجماعات المحلية والتصويت عليها، من قبل مجلس النواب،.. رغم الانعكاسات الخطيرة لهذا التأخير، والذي سوف تتراكم خطورته لسنوات قادمة: تعطيل المسار التنموي البلدي، تردي أوضاع المرفق العمومي البلدي، وانتشار البناءات الفوضوية، وتكدس الفضلات، وتراجع مداخيل الآدآت البلدية. إضافة إلى الانتقادات الموجهة للنيابات الخصوصية لعدم فعاليتها في تسيير الشأن البلدي، أو لانحيازها لأطراف سياسية/جهوية دون أخرى..
ومن هنا تأتي أهمية الانتخابات البلدية، وأولويتها مقارنة بالانتخابات الرئاسية والتشريعية، في نظر المواطن الذي تعتبر الإدارات المحلية أبرز إدارة يحتك بها، لأنها تسير شأنه اليومي، في ظل تواصل “التشدد المركزي”، وعدم تطبيق اللامركزية الإدارية،.. ورغم هذه الأهمية فإنها قوبلت بعزوف المواطن على الانتخاب، سواء كانت بسبب انتشار إحساس اللامبالاة بالشأن العام، أو بسبب حملة المقاطعة التي لم تكن منظمة ومؤطرة من قبل بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ولكن جاءت كرد فعل جماهيري إزاء حالة التشاؤم التي تسود البلاد.
ظاهرة العزوف العام أو المقاطعة الواسعة اخترقت كل الفئات الاجتماعية والسياسية، المتحزبون وغير المتحزبين، يقابلها لامبالاة الهيئة العليا للانتخابات التي لم تكثف من الدعاية والتوعية، وسلبية من قبل الأحزاب المعارضة التي رأت في ضعف نسبة الاقتراع دليلا على وجهة نظرها المؤكدة على فشل حكومة الإئتلاف دون أن تستغل الموقف لصالحها.
نفس سوء التقدير عرفته الأحزاب الحاكمة، وخاصة النهضة والنداء الذين كانا يظنان أن حملة المقاطعة لا تعنيهما، وأن الكتلة الشعبية لهما سوف تشارك في الاقتراع، ولكن نسب الذي انتخبوا مرشحي هذين الحزبين خيب آمالهما، وربما شكل صدمة خاصة للنداء الذي فقد أكثر من ثلثي شعبيته (وفق أرقام المقترعين)، في فترة وجيزة.
ومع كل هذه الصدمات الانتخابية، لم يطرح أي طرف حزبي مراجعات، ولو أولية، لخيارته وتوجهاته وطرق عمله: اكتفت حركة النهضة بالفرحة الخافتة لأنها حافظت على تصدرها للمشهد الانتخابي.
وتم تبادل الاتهام داخل النداء بسوء قيادة الحملة الانتخابية، وأحيانا توجيه اتهام ضد الإعلام الذي استقبل في الفترة الأخيرة مجموعة كبيرة من الغاضبين والذين غادروا النداء (بالاستقالة والاقالة والتجميد)، والذين قادوا، حسب رأي بعض قيادات النداء، حملة ممنهجة ضدهم.
بعض الأحزاب اكتفت بإثارة الريبة تجاه القائمات المستقلة، والتشكيك في ولاء المترشحين الفائزين من المستقلين لأحزاب بعينها وخاصة النهضة.
بقية الأحزاب لم تخف مشاعرها “الطفولية” لإبداء “الشماتة”، والاستعداد غير الواقعي لطرح نفسها كبديل في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، رغم الأرقام الهزيلة التي تحصلت عليها في هذه الانتخابات، وبالرغم من تكتل عدة أحزاب في القائمات المترشحة (تواصل تكتل أحزاب الجبهة الشعبية، وظهور تكتل الاتحاد المدني).
عموما، مثلت نسبة الـ 33% صدمة كانت شبه متوقعة، ومع ذلك لم يعمل أحد على تلافيها، وأكثر من الصفعة للأحزاب الحاكمة والمعارضة على حد السواء،.. ولكن لا أحد استفاق من هذه الصفعة،.. وهو ما يستشرف خطرا محدقا للمسار الديمقراطي الذي يمثل الاقتراع أبرز أسسه.
وتصبحون على وطن..