سامي ابراهم
الكثيرون يندّدون بإعلان زعيم النّهضة عدم مصادقة كتلته في التّاسيسي على قانون العزل السياسي … و الطّريف أنّ من بين الأسماء المندّدة بذلك مناضلون ينتمون لأحزاب مطبّعة مع من يشملهم قانون العزل …هذا اللوم الموجّه حصرا لهذا الحزب دون غيره من الأحزاب و الجمعيّات و الهيئات و النّخب المنخرطة في تحالفات معلنة أو خفيّة مع المنظومة القديمة له دلالات و تفسيرات من بينها :
* ثقة مفرطة من أنصار النّهضة و من انتخبوها في قدرة النّهضة منفردة على مواجهة المنظومة القديمة بعد أن انفضّ من حولها جلّ العائلات الفكريّة و السياسيّة في مواجهة تركة الاستبداد و الفساد و استدراج قطاعات واسعة من الشّعب إلى المطلبيّة و لم تستجمع الثّورة بعد شروط حصانتها …
* رغبة البعض في أن تتحمّل النّهضة بمفردها الكلفة السياسيّة و الاجتماعيّة و الإنسانيّة لقانون العزل السياسي بينما خصومها تقدّموا أشواطا في التّطبيع مع منظومة الاستبداد و الفساد إلى حدّ الالتقاء في جبهة موحّدة
* خيبة انتظار لدى من يفترض أن يشملهم العزل و أنصارهم من فشل خطّة استثمار رأسمال الضحيّة و تسويقه سياسيّا و إعلاميّا لخلط الاوراق و فرض أجواء من التوتّر و قطع الطّريق على المسار الانتخابي .
..* استبطان قطاع واسع من التّونسيين بشكل لاواع أنّ النّهضة هي الطّرف الأقدر على فرض توازنات جديدة في البلد رغم خيبات الانتظار المتعدّدة من سياساتها
و مهما كانت الدّلالات و الاعتبارات فمن حقّ المندّدين أن يعتبروا هذا الموقف خيانة و انبطاحا …
و لكن من العماء و قصور الفهم أن يعلنوا انتهاء المسار الثّوريّ بمجرّد هذا الموقف …
الذين درسوا تاريخ الثورات الكبرى يعلمون أنّ الثورات توضع أمام اختبارات صعبة داخليّا و خارجيّا لا تصمد أمامها إلا الثورات التي تتوفّر على الشّروط السوسيولوجيّة للثّورة …
لأنّ الثورة ليست نزهة ينشد فيها الثوّار أهازيجهم الثوريّة و يعدون الشّهداء بالوفاء لدمائهم و يلتقطون صورا في غمرة الحراك الثوري يخلدون بها لحظة اندلاع الشرارة الثوريّة ثم يعودون من نزهتهم راضيين مرضيين على أمل أن تتحرّك القوانين الحتميّة للجدل الثوري من تلقاء نفسها …
إذا كانت الأحداث التي وقعت في تونس منذ 17 ديسمبر المجيد تختزن خميرة الثّورة فلن يفلّ في عزمها هذا القرار أو ذاك … و خميرة الثّورة هي ما يختزنه الوعي الجمعي لعموم أفراد الشّعب و ما ترسّخ في وجدانهم من إرادة في التغيير الجذري و التّأسيس …
و هذا الوعي المتقدّم و الوجدان العميق قد لا يقع التعبير عنه بالالفاظ و قد لا يحسن التقاطه او قد يغفل عنه المشتغلون بإنتاج الألفاظ و المعاني و لكنّه يتفجّر في الاختبارات التاريخيّة الحاسمة …
و من ساءه انبطاح المنبطحين فلا يتقمّص دور النّائحات و اللاطمات و ليسهم في مراكمة المخزون الرمزي و المعنوي و الشروط الموضوعيّة السوسيولوجيّة للتحصين الثوري …
و ليستعدّ للقاء التّاريخي الحصري و المباشر بين الشّعب التّونسي و جلاديه وجها لوجه .