انتشر حريق جبل برقو منذ يوم الأحد 24 جويلية الجاري ليشمل جبال عين بوسعدية والبياضة ورغم مجهودات وحدات الحماية المدنية وأعوان الغابات والجيش الوطني تواصل خمسة أيام تقريبا بسبب صعوبة التضاريس واستحالة الوصول إلى مواطن اللهيب، ليخلّف خسائر مادية فادحة طالت حقول الأشجار المثمرة وأشجار الزيتون وغابات الصنوبر الحلبي وعدد هام من النباتات البرية والحيوانات البرّية والزواحف.
جبل برقو الشاهق المتميز بثروته الغابية هو وجهة لمحبي السياحة الايكولوجية وشاهد على معركة الربع الساعة الأخيرة التي دارت من 8 إلى 13 نوفمبر 1954، بات اليوم يلفّه السواد القاتم والمساحات المتفحّمة التي اندثرت فيها خيرات وثروات الجبل.
مشهد مأساوي تعجز الكلمات عن وصفه وتعجز حتى الصورة عن تبيلغ حجم الأضرار من نباتات برية ,زواحف وحيوانات برية متفحّمة وأشجار مثمرة إمّا محروقة أو مصهودة
ففي مناطق البياضة والقلاعة وعين النشم وعين بوسعدية التابعة لمعتمدية برقو و المتاخمة لمكان الحريق, خيّم الحزن على هذه المناطق كأنك في موكب عزاء فتعالت أصوات بكاء النسوة والرجال و حتى الصغار خاصة أن عددا منهم خسر قوته ومصدر رزقه الوحيد من حقول ” حب الملوك” و التفاح و الزيتون وغيرها من الأشجار المثمرة.
لوعة وحسرة كبيرة في صفوف المتساكنين حيث أن عددا منهم لا يكاد يبوح بكلمة لهول الصدمة فتذرف الدموع وتسبق الكلمات لتلخص بذلك هول المصيبة ، خديجة النقاطي ( 58 سنة) تحدثت بكل حسرة و بصوت متقطّع والدموع تنهمر من عينيها أن الحريق أتلف أشجار الزيتون واللوز الخاصة بها، موضّحة في تصريحها لصحفية (وات) أنها خسرت مصدر قوتها وقوت أولادها واختفى كل شيء في لحظة رغم ما بذلته من مجهودات طيلة سنوات في رعاية هاته الأشجار إلى أن أصبحت تنتج في الثمار”الدنيا الكل مابقى فيها شي “.
و أضافت النقاطي أن جيرانها هرعوا لمعاضدة مجهودات الحماية المدنية والغابات لإخماد الحريق لكن دون جدوى لافتة إلى أنها ظلت قابعة أمام منزلها مند اندلاع الحريق لحراسة صابتها خشية من الحريق ولكن النيران التهمت الأخضر و اليابس.
من جهته ذكر أحد الفلاحين المتضررين ,حسن البرقاوي أن الحريق أتلف ما يقارب 150 شجرة تفاح ومساحات هامة من أشجار الزيتون ومعدات الري قطرة قطرة
مطالبا السلط المركزية بضرورة التدخل وإرسال لجنة لتقييم الأضرار وتعويضهم باعتبار أن معدّات حقول الأشجار المثمرة والأدوية والأسمدة مكلفة.
واعتبرت نجاة البرقاوي (متضررة) أن سكان المناطق الجبلية مهمّشين من الجميع كأنهم غير مواطنين “لا من يحن علينا لا من يروف علينا” مضيفة أن مصدر رزقها الوحيد هو شجيرات زيتون باتت اثر الحريق رمادا لتصبح اليوم عاجزة عن العناية ببناتها وتوفير مسلتزماتهن خاصة أنها أرملة وهي التي تتكفل بجميع المتطلبات.
وذكرت أنّها سمعت رفقة عدد من أعوان الغابات أنين بعض الحيوانات قد تكون من الذئاب أو الخنازير.
ووصفت سنية البرقاوي(متضررة),حريق جبل برقو بالكارثة البيئية الفلاحية التي اندثرت في 5 أيام لافتة إلى أن جبل برقو معلم تاريخي احتضن أكبر معركة ضد الاستعمار مطالبة السلط المركزية بضرورة التدخل والتعويض للمتضرّرين.
من جانبها,قالت شقيقتها نسرين البرقاوي إن الحريق الهائل أتلف حقولهم المليئة بأشجار زيتون لينعكس بذلك المصيبة سلبا على نفسيتهم إضافة إلى الخسائر المادّية.
وناشدت السلط المعنية بضرورة تعويضهم ماديا عن الأضرار التي لحقتهم معتبرة أن جبل برقو الشهير الشاهد على ذكرياتهم بات اليوم أسود متفحّما بعد أن كان أخضر” شامخا
واندلع حريق جبل برقو منذ يوم الأحد 24 جويلية الجاري بعد تسرب ألسنة النار من حريق بولاية القيروان وشمل جبال عين بوسعدية و البياضة من معتمدية برقو وتم في أكثر من مرة تسخير طائرتين عسكريتين للتدخل ومعاضدة مجهودات أعوان الحماية و الغابات والتجهيز في إخماد الحريق في ظل التضاريس الوعرة لموقع الحريق
و ذكر رئيس دائرة الغابات بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية، صبري الولاني إنه “لا يمكن التوغّل أكثر داخل المكان المحترق لخطورته على أعوان الغابات بسبب احتوائه على متفجرات من مخلفات الحرب العالمية الثانية”، مؤكدا، في هذا الصدد، أن الوحدات الأمنية وأعوان الغابات وممثلي السلطة المحلية سمعوا أصوات إنفجارات يرجح أنّها لألغام تعود للحرب العالمية الثانيّة
وأكد أنّ الوضع تحت السيطرة، إلا أنّ الحريق أتلف مساحات هامة من الغطاء النباتي وعددا من الحيوانات (خنازير وأرانب بريّة، وزواحف إضافة إلى أعشاش طيور)، مشيرا إلى أن رقعة المساحات المحروقة لم تحدّد بعد، وينتظر تحديدها لاحقا عن طريق الأقمار الصناعية.
وكشف المدير الجهوي للحماية المدنية , محمد علي بن بيهي في تصريح سابق ل”وات” أنه تم تسخير عدد هام من وسائل الإطفاء من بينها آلات ماسحة تابعة لإدارة التجهيز و20 شاحنة إطفاء تابعة للحماية المدنية و8 وسائل إطفاء تابعة للغابات بالإضافة إلى أكثر من 300 عنصر بشري من الجيش والحرس والأمن الوطنيين ومن حماية مدنية وغابات ومن مندوبية الفلاحة ومن ممثلي اللجنة الجهوية لتفادي الكوارث
وكشف أن أعضاء اللجنة الجهوية لتفادي الكوارث ومجابهتها وتنظيم النجدة تحت إشراف والي سليانة، وليد العباسي، اتخذت، إجراءات وقائية لحماية متساكني منطقة عين بوسعدية المحاذين للجبل، من بينها توفير آلة ماسحة، وشاحنات إطفاء لمنع تسرّب ألسنة النار إلى المنازل، فضلا عن توفير حافلات لاجلاء المواطنين، وسيارات إسعاف في حال حدوث طارئ
وساهمت الأمطار المتساقطة يوم الأربعاء في معتمدية برقو، في إخماد حريق جبل برقو بنسبة 50 بالمائة، وفق ما ذكره المدير الجهوي للحماية المدنية بالنيابة العميد رياض الحمروني.
وقامت وحدات الحرس الوطني، والحماية المدنية، وأعوان الغابات باجلاء عائلات حاصرتهم النيران بمنطقة صدقة من معتمدية برقو.
من جانبهم، ناشد عدد من المواطنين، في تصريحات سابقة لـ”وات”، السلط المركزية بضرورة التدخل وإرسال طائرات عسكرية لإخماد حريق جبل برقو في أقرب الآجال بإعتباره ثروة غابية هامة ومورد رزقهم الوحيد، لافتين إلى أن الحريق أتى على عدد هام من أشجار الزيتون وأشجار ما يُعرف ب”حب الملوك.
وفي نفس السياق، نفّذ عدد من متساكني ولاية سليانة، مساء أمس اللأوّل الإربعاء، وقفة إحتجاجية أمام مقر الولاية، للتنديد بما أسموه “تجاهل السلط المركزية لحريق جبل برقو، والتباطؤ في توفير المعدّات اللاّزمة لإخماده.
يذكر أنّه تمّت السيطرة على الحريق بنسبة كبيرة في الساعات الأولى من فجر اليوم الجمعة في انتظار السيطرة عليه نهائيا في الساعات القادمة.
وات