أحالت النيابة الجزائرية، المتابَعين في قضية هروب الناشطة السياسية أميرة بوراوي، على التحقيق الجنائي بمحكمة قسنطينة شرق البلاد. وقد تقرر حبس الصحافي مصطفى بن جامع والباحث رؤوف فرح، بينما حصلت والدة بوراوي على الإفراج وتم وضعها تحت نظام الرقابة القضائية.
كما كان متوقعا، جرى مساء الأحد، تقديم المتابعين في قضية بوراوي، أمام قاضي التحقيق بمحكمة الجنايات في قسنطينة، بعد احتجازه لعدة أيام عند مصالح الدرك في إطار التحقيق الابتدائي. وبحسب ما نشرته اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، وهي هيئة رصد محلية، فقد تم إيداع الصحافي مصطفى بن جامع، الحبس المؤقت، وهو نفس المصير الذي آل إليه الباحث رؤوف فرح ووالده أيضا، وقريب بوراوي كمال بن الطيب، بينما لا يزال مصير سائق التاكسي الذي أوصل الناشطة إلى المركز الحدودي مجهولا. وذكر نفس المصدر أن القضية يتابَع فيها أيضا ناشط يدعى سفيان بركان، وعامل في شركة أسميدال للأسمدة في عنابة شرقي البلاد.
وبخصوص والدة بوراوي البالغة من العمر 73 سنة، فقد وضعت تحت الرقابة القضائية التي تعني الإفراج عنها مقابل الحضور دوريا للمحكمة من أجل الإمضاء إلى غاية إحالة القضية للمحاكمة. ويشتبه في أن أميرة بوراوي استعملت جواز السفر الخاص بوالدتها في العبور من المركز الحدودي “أم الطبول” الفاصل بين الجزائر وتونس، دون أن ينتبه لذلك أعوان الأمن، وهو ما استدعى التحقيق مع والدتها، بينما أُطلق سراح شقيقتها التي كانت قد اعتقلت في الساعات الأولى لتفجر القضية.
ولم تظهر لحد الآن التهم التي وجهت للمتابعين في القضية، لكن الوقائع متعلقة أساسا بالمساهمة في تهريب الناشطة أو مساعدتها على ذلك. ويوجد في قانون العقوبات الجزائري، تهمة تتعلق بتدبير الخروج غير المشروع من التراب الوطني لشخص أو عدة أشخاص من أجل الحصول، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على منفعة مالية أو أي منفعة أخرى، ويعاقب عليها القانون من 3 إلى 5 سنوات حبسا نافذا. لكن الطابع الجنائي والأبعاد السياسية التي أخذتها القضية، يرجح أن توجه على أساسه تهم بالمساس بالأمن العام.
وظهرت ردود فعل حقوقية كثيرة على خلفية اعتقال بعض الأسماء المعروفة في القضية، حيث عبّرت منظمة مراسلون بلا حدود في تغريدة لها، عن إدانتها لاعتقال الصحافي مصطفى بن جامع واستنكرت ما وصفته بالأساليب القمعية المتكررة ضد الصحافيين، ودعت السلطات الجزائرية إلى الإفراج الفوري عنه.
وكانت الناشطة أميرة بوراوي نفسها قد ذكرت في منشور لها، أن بن جامع لا علاقة له بقضيتها، داعية لإطلاق سراحه. وتتشابه قصة بن جامع وبوراوي، في كونهما كانا ممنوعين من السفر ومغادرة التراب الجزائري، لأسباب قالا إنها غير قانونية ولا تستند لقرار قضائي، في أعقاب تحقيقات طالتهما.
كذلك، خلّف اعتقال الباحث في المسائل الاستراتيجية رؤوف فرح، الكثير من الجدل. وصدرت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، بيانا تعتبر فيه أن اعتقال رؤوف فرح هو تعسفي بطبيعته وليس له أساس قانوني. وأبرزت أن “فرح بسبب رحلاته العائلية المعتادة بين تونس العاصمة، المدينة التي يقيم فيها لأسباب مهنية، وعنابة مسقط رأسه، يجد نفسه اليوم ضحية جانبية لقضية لا علاقة له بها”.
وكان فرح يحضّر لإصدار كتاب أشرف عليه مع فريق بحث حول الرهانات المستقبلية للجزائر ومنطقة الساحل. وذكرت دار النشر “كوكو” المصدرة للكتاب، أن هذا المرجع سيكون متاحا في المكتبات رغم اعتقال صاحبه.
وتأتي هذه التطورات القضائية، في سياق الأبعاد الكبيرة التي أخذتها عملية إجلاء الناشطة أميرة بوراوي إلى فرنسا بعد خروجها من التراب الجزائري بطريقة غير شرعية عبر الحدود مع تونس. وبحسب رواية الناشطة في حوارها مع “قناة تي في 5 موند”، فإنها لم تتلق مساعدة أحد، أثناء اجتيازها الحدود. وذكرت بوراوي أن السفارة الفرنسية لم تكن على علم بالقضية، إلا عندما تم اختطافها في تونس على يد الشرطة بعد أن أطلقت النيابة سراحها، نافية ما ذكرته السلطات الجزائرية عن وجود مخطط أشرفت عليه المخابرات الفرنسية لتسفيرها.
وأميرة بوراوي هي ابنة عقيد متوفى في الجيش الجزائري، كان يشغل منصب مدير مستشفى عين النعجة العسكري بالعاصمة الجزائرية، وهي تحمل الجنسية الفرنسية منذ سنة 2007 اكتسبتها عبر زواجها من فرنسي ذي أصول جزائرية. واشتهرت هذه السيدة وهي طبيبة نساء، بنشاطها السياسي المناهض للعهدة الرابعة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، حيث كانت من مؤسسي حركة بركات سنة 2014 التي لم تنجح في إعاقة الرئيس عن الترشح، ثم انخرطت في الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس الراحل في فبراير/شباط 2019، وكانت من أبرز الوجوه التي تصدرت المسيرات. وموخرا، تحولت للتنشيط في إذاعة “راديو أم” التي أغلقت نهاية شهر ديسمبر بعد اعتقال مديرها الصحافي إحسان قاضي.
القدس العربي