رمزي غابري
حوالي 3000 شاب تونسي يقاتلون في سورية، حوالي 9000 شاب آخر وقع منعهم من السفر إلى بؤر التوتّر، وعدد آخر مهم ينوي الذهاب الى سورية والعراق، عدد الموقوفين في القضايا الإرهابية من 1 جانفي إلى 17 ديسمبر 2014 بلغ 3017 عنصرا أحيلوا على العدالة والعدد في تزايد الى حدود فيفري 2015، وقد تم القضاء سنة 2013 على 16 عنصرا إرهابيا، أما سنة 2014 وإلى غاية 17 ديسمبر فقد تم القضاء على 21 عنصرا إرهابيا من بينهم جزائريين اثنين، وتزايد العدد في بداية 2015، عدد آخر من التونسيين في جبال الشعانبي والسلّوم ومرتفعات الشمال الغربي وعدد آخر ينتمي إلى ما يعرف بالخلايا النائمة ومجموعات أخرى تنشط في ليبيا والجزائر ومالي…
أرقام مفزعة وأعداد هائلة من الشباب التونسي المرتبط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو له نوايا الارتباط بالإرهاب، ومازلنا لا نجد تفسيرا لما يحدث ونقتصر على بعض التحليلات السطحية للظاهرة أو أنّنا نحصرها في كونها ” تنام للفكر المتطرّف”. وإن كان الأمر كذلك أليس لتنامي الفكر المتطرّف في بلد حضي بنظام تعليم محترم وفكر ديني معتدل ويتوفّر على مجال جغرافي منفتح على ما هو متوسّطي ومغاربي وإفريقي وعربي وعالمي…بلد خال من الطائفية والتعدّدية الدينية والإثنية، أليس لهذه الظاهرة تفسيرا علميا يساعد على تشخيص الداء لمعرفة الدواء؟…لماذا نعهد للسّياسي وحده بتفسير ما يحصل من وجهة نظر سياسية تسويقية في المنابر الإعلامية؟ لماذا نضيع خلف خطاب سياسيوي وشعبوي لا يرتقي حتّى لخدمة إيديولوجيا سياسية أو مصلحة حزب ويقتصر على تسويق لذات مشخصنة وحدها تسعى لكسب نقاط في جدول ترتيب المتآكلبين على المناصب السياسية والإدارية؟…أين النخبة التي تدّعى عناوين “الخبير” والباحث الاجتماعي” و” الدكتور في علم النفس” و”الإستراتيجي” و” المهتم بالشأن كذا” و” صاحب دراسات في…” و ” الأستاذ من جامعة كذا الدولية” وأصحاب السير الذاتية الطويلة والعريضة والمرعبة…أين هؤلاء؟…لا حياة لمن تنادي.
أعتقد أنّ إلقاء اللّوم على خصم سياسي وعلى تاريخ سياسي وإيعاز ذلك إلى أسباب سياسية وحصر الظاهرة في أطروحات سياسية هو تهرّب من المسؤولية السياسية وإقرار بالعجز عن الاضطلاع بالمهام الموكولة للفاعلين السياسيين والحال أن إيجاد المبرّرات هو الدليل على تبرير العجز خاصّة وان المبرّرات منتهية الصلوحية مع نهاية زمن الحاضر وإدراجه ضمن زمن الماضي الذي إنتهى ولا نستفيد منه إلاّ بالاحتفاظ بما صلح من التجارب فنبني عليها وما فسد منها فنتخلّى عنها…
كيف أصبح إرهابيا؟ إبهام يعذّب، لا يحترم حقوق الإنسان ولا المواثيق والأعراف الدولية، إبهام ظالم ومستبد وفاشي، إبهام بطعم الحنظل..والإجابة عنه بطعم التحرّر والمجيب عليه برتبة الثائر الحرّ…لا أريد أن أذهب الى الكلّ المعقّد، أريد ان أبدأ من البسيط جدّا، الذي يدركه كلّ تونسي، أريد أن أبدأ من “الحومة”. شاب صديق وجار وزميل في الدراسة نرافقه في مختلف فترات حياته، حياته كتاب مفتوح، فجأة بين عشية وضحاها يصبح متدينا، متشدّد ومتطرّف ثم إرهابي يقتل ويذبح؟؟؟ بأي منطق؟ بأي تجارب؟ بأي سلوك نفسي؟ بأي تراكم اجتماعي؟ بأي أهداف؟ بأي قناعات؟ بأي مهارات؟…ألم أقل لكم أنّه إبهام يعذّب؟..
لم أحتمل هذا العذاب، ومنذ فترة وأنا أبحث في الدراسات والمقالات والبحوث والنظريات عن مدخل لفهم الظاهرة حتّى وجدت بعض الأطروحات التي تتحدّث على الأقل على هذه الظاهرة حتّى لا أقول أنّها ربّما تفسّرها. الظاهرة تفسّرها نظريات الحرب لأنّها تموّل بواسطة “برامج الحكومات الممولة للحرب” وأذكر على سبيل المثال “الترانزستور مولت بواسطة برامج الحرب. الإنترنت (الذي يسمى أصلا أربانيت) هو برنامج من تمويل وكالة مشاريع البحوث المتقدمة، حيث يعد وسيلة للاتصال عبر مسافات طويلة في حالة الدمار النووي. خلقت البرامج الممولة للحرب الهاتف الخلوي (المحمول) كوسيلة تمكن الجنود من التواصل بسهولة من داخل دباباتهم لمسافات طويلة”
وفي ما يلي إحدى النظريات الديموغرافية للحرب :
المصدر: ( غونار Heinsohn، Söhne اوند Weltmacht : الإرهاب ايم Aufstieg اوند دير فال Nationen (“أبناء والسلطة الإمبراطورية : الإرهاب، وصعود وسقوط الأمم”)، Orell Füssli (سبتمبر 2003………….. صموئيل هنتنغتون من نظريته صراع الحضارات).
نظرية تضخم عدد الشباب
العمر الوسيط حسب البلدان. حيث زيادة عدد الشباب واضحة بالنسبة لأفريقيا، وإلى حد أقل في جنوب وجنوب شرق آسيا وأمريكا الوسطى.تختلف نظرية تضخم عدد الشباب اختلافا كبيرا عن نظريات مالتوس. حيث يرى معتنقي النظرية بأن مجموعة أفواج كبيرة من الشباب الذكور—كما مثلت بيانيا بوصفها “تضخم عدد الشباب” في الهرم السكاني—مع عدم وجود فرص العمل العادية السلمية يعد بركة كبيرة لتجميع خطر العنف.في حين ركزت نظريات مالتوس على التفاوت بين النمو السكاني والموارد الطبيعية المتاحة، فإن نظرية تضخم عدد الشباب تركز على وجود تفاوت بين النسل “الزائد” من الشباب الذكور والمواقف الاجتماعية المتاحة في إطار النظام الاجتماعي القائم على تقسيم العمل.
وتشمل قائمة المساهمين في تطوير نظرية تضخم عدد الشباب عالم الاجتماع الفرنسي غاستون بوثول، وعالم الاجتماع الأمريكي جولدستون، وعالم السياسة الأمريكي غاري فولر، وعالم الاجتماع الألماني غونار هينسون. وقد عدل صموئيل هنتنغتون من نظريته صراع الحضارات باستخدام نظرية التضخم في أعداد الشباب وكانت قاعدته:
لا أعتقد أن الإسلام أكثر عنفا من الديانات الأخرى، وأنا أشك إذا أضفت كل شيء، حيث ذبح المزيد من الناس على أيدي المسيحيين على مر القرون من قبل المسلمين. لكن العامل الرئيسي هو العامل الديموغرافي. عموما، فإن الناس الذين يخرجون لقتل الآخرين هم من الذكور الذين تتراوح أعمارهم من 16 و 30.
خلال الستينيات، السبعينيات والثمانينيات كان هناك ارتفاع معدلات المواليد في العالم الإسلامي، وهذا قد أدى إلى ازدياد أعداد ضخمة من الشباب. لكن هذا التضخم سوف يتلاشى. حيث تتراجع معدلات الولادة بين المسلمين، وفي الواقع، فقد انخفضت بشكل كبير في بعض البلدان. الإسلام انتشر بحد السيف في الأصل، ولكني لا اعتقد ان هناك اي شيء عنيف بطبعه في الدين الإسلامي.
تمثل نظريات تضخم الشباب تطورا حديثا نسبيا ولكن يبدو أنها أصبحت أكثر تأثيرا في توجيه السياسة الخارجية الأميركية واستراتيجيتها العسكرية حيث تم استخدام غولدستون وفولر كمستشارين للحكومة الأمريكية. وقد أشار المفتش العام في وكالة الاستخبارات المركزية جون إل. إلي نظرية تضخم الشباب في تقريره لعام 2002 “الآثار المترتبة على الأمن القومي من التغير الديموغرافي العالمي”.
وفقا لهينسون، وهو الذي اقترح نظرية تضخم الشباب في أكثر أشكالها تعميما، يحدث تضخم الشباب عندما يصبح بين 30 و 40 في المئة من الذكور في أمة تنتمي إلى “سن القتال” الأفواج من 15 إلى 29 سنة. وهذا يتبع فترات من معدل الخصوبة الكلي المرتفع بمعدل 4-8 أطفال لكل امرأة مع تأخير 15-29 سنة.
ومعدل الخصوبة الكلي بـ 2.1 أطفال الذين يولدون من امرأة خلال حياتها يمثل حالة حيث الابن سوف يحل محل الأب، والابنه سوف تحل محل الأم. هكذا، وفإن معدل الخصوبة الكلي بـ 2.1 يمثل مستوى الاستبدال، في حين أن أي شيء أقل من هذا يمثل شبه استبدال معدل الخصوبة مما يؤدي إلى انخفاض عدد السكان.
معدلات الخصوبة الكلية الأعلى من 2.1 سوف تؤدي إلى النمو السكاني، وإلى تضخم عدد الشباب. ومعدل الخصوبة الكلي بـ 4-8 أطفال لكل أم يعني 2-4 أبناء ذكور لكا أم. وبالتالي، سيترك أب واحد ليس 1، ولكن من 2 إلى 4 من المواقف الاجتماعية (الوظائف) لإعطاء جميع ابنائه منظور للحياة، والذي عادة ما يصعب تحقيقه. حيث أن الوظائف المحترمة لا يمكن أن تزيد بنفس سرعة زيادة الطعام، والكتب المدرسية، واللقاحات، وبالتالي فإن العديد من “الشباب الغاضب ،” تجد نفسها في الوضع الذي يجعل غضبهم المراهق يتصاعد إلى العنف : همزائدين ديموغرافيا، قد يكون عاطل عن العمل أو عالق في وظيفة وضيعة غالبا لا يستطيعون الحصول على حياة جنسية شرعية قبل حصولهم على مهنة تمكنهم من كسب ما يكفي لإقامة أسرة. انظر : Hypergamy، Waithood. وباجتماع هذه العوامل الضاغطة وفقا لهينسون عادة ما تؤدي لواحدة من ست مخارج مختلفة :
الجريمة العنيفة
الهجرة (“الاستعمار غير العنيف “.)
تمرد أو عصيان
الحرب الأهلية و/ أو الثورة
الإبادة الجماعية (للاستيلاء على مواقع للذبح)
الفتح (الاستعمار العنيف، وكثيرا ما بينها الإبادة الجماعية في الخارج).
وتعتبر الديانات والمذاهب العوامل الثانوية التي يتم استخدامها للعنف الشرعي، لكنها لن تؤدي إلى العنف في حد ذاتها إذا لم يكن هناك تضخم في عدد الشباب. وبالتالي فإن المنظرين لتضخم الشباب ينظرون سواء في الماضي إلي الحركات المنتسبة إلي “المسيحية” مثل الاستعمار والإمبريالية الأوروبية، واليوم إلي تلك المنتسبة إلي “الإسلام” مثل الاضطرابات المدنية والإرهاب، كنتائج لارتفاع معدلات المواليد المنتجة لتضخمات الشباب. قطاع غزة الآن ينظر إليه على أنه مثال آخر تضخم شبابي يحركه العنف، ولا سيما إذا ما قورنت مع لبنان التي هي قريبة جغرافيا، ولكن بشكل ملحوظ أكثر سلاما.
من بين الأحداث التاريخية البارزة التي تم ربطها إلى وجود تضخمات الشباب هو الدور الذي تضطلع به تاريخيا أفواج كبيرة من الشباب في موجات التمرد والثورة في أوروبا الحديثة في وقت مبكر، بما في ذلك الثورة الفرنسية عام 1789، وعلى أهمية الكساد الاقتصادي الذي أثر في أكبر أفواج الشباب الألماني من أي وقت مضى في تفسير صعود النازية في ألمانيا في الثلاثينات. والإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 تم تحليلها أيضا كتابعة لتضخم كبير في عدد الشباب.
في حين أن الآثار المترتبة على النمو السكاني كانت معروفة منذ الانتهاء من المذكرة 200 من دراسات الأمن القومي في عام 1974، فإن لا الولايات المتحدة ولا منظمة الصحة العالمية قد نفذت التدابير الموصى بها للتحكم في النمو السكاني لدرء خطر الإرهاب. أبرز الديموغرافيين ستيفن دي. مومفورد أرجع هذا لنفوذ الكنيسة الكاثوليكية.
نظرية تضخم الشباب قد تعرضت للتحليل الإحصائي من قبل البنك الدولي، ومنظمة العمل الدولي للسكان ، ومعهد برلين للسكان والتنمية. البيانات الديموغرافية المفصلة بالنسبة لمعظم البلدان متاحة في قاعدة البيانات الدولية لمكتب التعداد بالولايات المتحدة. وقد تعرضت نظريات تضخم الشباب لانتقادات بوصفها تؤدي إلى العنصرية، والتمييز في نوع الجنس والعمر.