بقلم سامي براهم
و أخيرا خضعت النّهضة لكلّ من تحالفوا لإسقاط مسار الانتقال التّاسيسي الدّيمقراطي … تحالف موضوعي اختلفت مرجعيّاته و مصالحه و أطماعه لكنّه التقى على نفس الهدف :
*السلفيّون الجهاديّون المتنطّعون بما ارتكبوه من عنف و إرهاب منظّم و اغتيالات أربكت الدّولة و مؤسساتها و فتحت البلد على التدخّل الخارجي.
*اليسار الماركسي الانتهازي بأحقاده القديمة و سياسة الأرض المحروقة و تحالفه المراهق المشبوه مع النّظام القديم و حزب الدّستور الذي أطلق عليه اسم اليمين الحداثي في مقابل الرجعيين و الظّلاميين و العملاء وكلاء الاستعمار و السّماسرة.
*اتّحاد الشّغل الذي خطفت إرادته النقابيّة لصالح تحالف أحزاب الرّحيل و سياسة ليّ الذّراع و تكسير العظام و الإخضاع التي مارسها عبر الاضرابات و مطالب الزيادات المشطّة و تدخّله كطرف مباشر منحاز في المعادلة السياسيّة في تحالف عجيب مع اتحاد الأعراف “تحالف نوب الشغيلة مع الكومبرادور “.
*الدّولة العميقة المبثوثة في كلّ مفاصل الدّولة مؤسساتها و في الأحزاب السياسيّة و المنظّمات المجتمعيّة و محاولاتها المتكرّرة لإرباك المسار و إفراغه من مضمونه و تمييع مطالب الثّورة.
*كلّ المنضمّين لتحالف الرّحيل من أحزاب و منظمات و نوّاب منسحبين و مثقّفين و إعلاميّين رفعوا مطلب إسقاط قانون تحصين الثّورة و حلّ المؤسسة الوحيدة التي افرزتها الثّورة و الحكومة التي انبثقت عنها.
*لا ننسى تواطؤ أحد شركاء التّحالف الثلاثي و سياسة الابتزاز و المكيالين التي مارسها : تنفّذ و تغلغل في السّلطة و الدّولة و افتكاك مواقع حسّاسة في سياق المغالبة و المناورة و في نفس الوقت انحياز لبعض مطالب تحالف الرّحيل و تقمّص دور النقاء السياسي و الوسيط.
تحالف الرّحيل الهجين الذي حشد كلّ قواه و فلوله للعودة بالبلد إلى مربّع 13 جانفي لينصّب نفسه وصيّا على الثّورة يقرّر لها ما يراه مناسبا و يتقاسم السّلطة بالطّريقة التي يراها ملائمة لمصالحه مع من يختارهم … هذا التّحالف المتآمر على ثورة الشّعب و إرادته و مساره الانتقالي الدّيمقراطي السّلمي هو الذي ألجأ النّهضة لاتخاذ قرار أخفّ الأضرار : إسقاط تحصين الثّورة بقانون و تفويض المهمّة الثوريّة للشّعب ليحصّن ثورته بنفسه من خلال صناديق الاقتراع … هي مغامرة سياسيّة في ظلّ تغوّل الآلة الإعلاميّة و الموارد الماليّة و البشريّة للنّظام القديم و حزبه … اختبار شعبيّ صعب لن يكون متكافئا … لكنّه أفضل من السيناريو المصري و على قول القائل بيدي لا بيد عمرو … هكذا يفكّر من أقدموا على هذا القرار الصّعب الذي بادر بانتقاده و التشنيع به في موقف هزلي نفس الذين دفعوا إليه لإغاظة أنصار النّهضة و إرباكهم …
هل اتّخذت قيادات النّهضة قرارها للمحافظة على بقائها في السّلطة و قطع الطّريق على خصومها في حركة سياسويّة براجماتيّة رشيقة داهية أم للمحافظة على المسار الدّيمقراطي السلمي و إفشال أي مسار انقلابي دمويّ … تلك مسائل تتعلّق بالنوايا و لن يغيّر في الأمر شيئا فكلاهما من السياسة …
المهمّ أنّ العهدة عادت لصاحبها … صاحب السّلطة و السيادة و القرار … الذي دفع من لحمه و عظمه و دمه و أعصابه و عمره و وقته و تاريخه و جغرافيته طيلة أكثر من نصف قرن استبداد و فساد و إرهاب و قمع و ذلّ و هوان و تفقير و تجويع و تهميش و حرمان و تفاوت اجتماعي … هذا الشّعب الطيّب الشّجاع في اختبار وجوديّ صعب : إمّا أن يصنع لنفسه تاريخا جديدا يدخل به عصر الحداثة السياسيّة و السيادة و الريادة و القطع مع الماضي أو يختار جلاديه و قاتلي أبنائه و خانقي أحلامه …