اختتمت، اليوم الأحد 12 جانفي 2025، الجمعية التونسية “أولادنا” أشغال ورشة عمل حول الوصول إلى حقي الصحة والتعليم للأطفال ذوي الإعاقة في المناطق الريفية بتونس والتي امتدت على مدى ثلاثة أيام بأحد نزل مدينة سوسة.
وتأتي هذه الورشة في إطار مشروع “الأفق الشامل” المنبثق عن مشروع “الأقليات والمساءلة والفضاء المدني” (MACS) والمموّل من طرف مجموعة حقوق الأقليات (MRG) ضمن برنامج موجه للدفاع والتفاعل مع النقاش العام لمنظمات المجتمع المدني في منظمة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويسعى هذا المشروع، الذي يمتد من مارس 2024 إلى غاية ماي 2025 بكلفة تقدرّ بمائة وتسعة آلاف دينار، إلى المساهمة في التصدي للتحديات التي يواجهها الأطفال ذوي وذوات الإعاقة في المناطق الريفية وتعزيز وصولهم إلى خدمات صحية وتعليمية شاملة بهدف تحسين جودة الحياة لديهم في هذا الجانب بشكل مستدام.
وتتمثل الأهداف الخاصة لهذا المشروع في تحديد العقبات التي يواجهها هؤلاء الأطفال في الوصول إلى خدمات الصحة والتعليم الشامل، اقتراح تعديلات على القوانين القائمة لضمان حماية أفضل لحقوقهم، إنشاء شبكة وطنية للتعاون بين الجمعيات الفاعلة في هذا المجال فضلا عن تغيير التصورات الاجتماعية والتأثير على السياسات العامة في ما يخص حقوق هذه الفئة.
وحضر هذه الورشة عدد من نواب الشعب وممثلون عن وزارات الصحة والتربية والشؤون الاجتماعية والأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن إضافة إلى ممثلين عن منظمات حقوقية ناقشوا خلالها ضمن لجان ثلاث، متمثلة في الصحة والتعليم والهيئة التنسيقية، مختلف العوائق والصعوبات التي تعترض الأطفال ذوي الإعاقة في التمتع بحقوقهم في مجالي الصحة الشاملة والتعليم الدامج.
كما درس الحاضرون القوانين الحالية الدولية والوطنية في هذا المجال والمتمثلة في الاتفاقية الدولية لمناهضة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والقانون الوطني التوجيهي عدد 83 لسنة 2005 ومدى ملاءمة هذا الأخير مع المعايير الدولية فضلا عن تحديد الثغرات التشريعية التي يحتويها هذا النص القانوني كما أفادتنا بذلك منسقة المشروع ورئيسة لجنة الحقوق والحريات في الجمعية التونسية أولادنا، درة صويد.
وأوضحت صويد أنّ ورشة اليوم تأتي ضمن المرحلة الثالثة من هذا المشروع مشيرة إلى انبثاقها على توصيات عملية ومقترحات تشريعية سيقع عرضها بعد صياغتها تقنيا على الخبراء وصناع القرار السياسي وستمكّن من تقريب هؤلاء الأطفال من حقوقهم مع التأكيد على التمييز الإيجابي الذي يجب أن تتمتع به هذه الفئة نظرا لعدم توفر ذلك على أرض الواقع، حسب قولها.
وذكرت صيود أنّ هذا المشروع قد مرّ بمرحلتين مهمتين تمثلتا بداية في القيام بدراسة اجتماعية ونوعية غطت كامل الجمهورية تمّ خلالها التواصل مع هؤلاء الأطفال وأوليائهم والممثلين عن قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية وتحديد العقبات التي تحول دون وصول هؤلاء الأطفال إلى حقوقهم والحلول التي يقترحونها بأنفسهم.
أما المرحلة الثانية فشملت تأسيس شبكة وطنية تحت مسمى “الأفق الشامل” متكونة من تسع جمعيات فاعلة في المجال تعنى بمناصرة حقوق الأطفال ذوي وذوات الإعاقة في المناطق الريفية وسيتواصل العمل على هذا المشروع في إطار هذه الشبكة وفقا لمحدثتنا.
وبينت منسقة المشروع أنّ النتائج التي أفضت إليها الدراسة المنجزة أظهرت مشاكل على مستوى البنى التحتية في الأوساط الريفية الغير ملائمة لهذه الفئة وعلى مستوى أيضا الولوج وكيفية التعامل مع هؤلاء الأطفال وإيصال المعلومة إليهم من قبل الإطارات التربوية والطبية والشبه الطبية.
كما انتقدت البيداغوجيا المعتمدة في المجال التربوي واصفة إياها بالقديمة وغير المتلائمة مع خصوصيات هذه الفئة لاسيما مع شبه انعدام للغة البرايل في المدارس التونسية وغياب لغة الإشارة حتى في المدارس الدامجة حسب قولها.
وتابعت أنّ المناهج المعتمدة حاليا لا تستخدم التكنولوجيات الجديدة والتي بإمكانها اختزال الكثير من المجهودات وفق تقديرها.
ولفتت صويد إلى اضطرار هؤلاء الأطفال في غياب مؤسسات مهيئة إلى التنقل والسفر إلى المدينة أو إلى ولايات أخرى وهنا يستوجب توفير عيادات متنقلة أو قارة أو توفير وسائل نقل مهيئة لخصوصية إعاقة كل طفل في المناطق الريفية، وفقها.
من جانبها أفادت هالة جاب الله، عضو مجلس نواب الشعب عن ولاية سوسة، أنّ دورهم كمشرعين العمل على رفع المبادرة التشريعية المنبثقة عن هذه الورشة للبرلمان إلى جانب تبليغ جملة التوصيات ونتيجة الدراسة الميدانية لأعضاء الحكومة المختصين ومتابعة هذا الملف.
وتطرقت لمياء الحسيني، كاتب عام جمعية أولادنا وممثلة لوزارة الشؤون الاجتماعية، في تصريح لـ “بلادي نيوز” إلى المسائل التي تمّ التركيز عليها في لجنة الصحة خلال هذه الورشة والمتمثلة أساسا في الآليات التعويضية لهذه الفئة والتي تقابلها منحة بسيطة من طرف الصندوق الوطني للتأمين على المرض “الكنام” وكذلك مرضى الأبطن وما يعانونه من ارتفاع في تكلفة الغذاء دون تكفل الأنظمة الاجتماعية ولو بجزء من هذه التكلفة إلى جانب وجدود فئة تفتقد للتغطية الاجتماعية وتعوقها الاستفادة من الخدمات الصحية.
وتأمل محدثتنا أن تفضي نتائج هذه الورشة إلى اعداد قوانين بديلة محيّنة تعديلية تلامس النقائص التي يعاني منها هؤلاء الأطفال.
ومن ناحيته أثنى نائب الشعب عن دائرة أولاد الشامخ وهبيرة وشربان بولاية المهدية، منير الكمومي، على مثل هذه المشاريع قائلا إنها تمس الفئات الهشة والمحرومة في المناطق القصية.
وتحدث عن أهمّ المقترحات، التي تقدمت بها لجنة التربية خلال الورشة، والمتمثلة في الدفع نحو توحيد الرؤية بين مختلف المتدخلين في هذا المجال مع التركيز على احداث منصة رقمية دورها تجميع المعطيات ومشاركة مختلف المتدخلين لضمان التدخل السريع والناجع وتكون من مشمولات رئاسة الحكومة.
وقال نأمل أن يتطور هذا التصور والمشروع لأن في التوجه نحو الرقمنة انصاف لهذه الفئة المحرومة التي تفتقر لإمكانية الحصول على تعليم مناسب وعلى تشغيل مناسب.
من ضمن المقترحات المنبثقة عن هذه الورشة:
*احداث “الهيئة العليا لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة” لدى رئاسة الحكومة وتهدف إلى معاضدة مجهودات الدولة في ضبط السياسات الوطنية والاستراتيجيات القطاعية في مجال الوقاية والرعاية وادماج الأشخاص ذوي الإعاقة والنهوض بهم وتتركب من ممثلين عن مختلف الوزارات المتدخلة وعن جمعيات ناشطة في هذا المجال.
ومن مهام هذه الهيئة وضع الخطط والبرامج الوطنية للإعلام والتثقيف والتوعية في مختلف المجالات ذات العلاقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وضع الاستراتيجيات والبرامج والخطط الوطنية ذات العلاقة بإعمال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، اقتراح تشريعات وقوانين لحماية هؤلاء الأشخاص، ابداء الرأي وجوبا في مشاريع النصوص القانونية الخاصة بهذه الفئة، انجاز البحوث والدراسات والتقارير ونشرها، القيام بزيارات دورية منظمة وأخرى فجئية للمؤسسات العمومية والخاصة التي يوجد بها أشخاص ذوو إعاقة، التأكد من توفر جميع إجراءات الحماية للأشخاص ذوي الإعاقة ومن خلو هذه المؤسسات من مظاهر التمييز، تلقي البلاغات والإشعارات بشأن الانتهاكات المسلطة عليهم ووضع آلية خاصة بالاستماع لهؤلاء الأطفال وتلقي الشكاوى منهم عبر آلية مبسطة، الاشراف على وضع قاعدة بيانات وطنية تسهل وصول الخدمات إلى مستحقيها إضافة إلى تطوير التعاون والتنسيق الدولي والإقليمي والوطني وتبادل الخبرات في المجالات ذات العلاقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
من ذلك أيضا دعم المبادرات والتجديد في مجال وصول الأطفال في المناطق الريفية والأقل حظا إلى حقهم في التعليم والصحة إلى جانب البحث والتعاون لإيجاد سبل تحسين وصول الأشخاص ذوي الإعاقة في المناطق الريفية إلى حقوقهم دون أي شكل من أشكال التمييز.
*احداث منصة رقمية موحدة لدى رئاسة الحكومة تخص الأطفال ذوي الإعاقة وذوي اضطرابات التعلم وصعوباته.
وتتولى الهيئة الاشراف على ارسائها وإدارتها وسيرها وتطويرها. وتنخرط وجوبا جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة الخاصة التي لها علاقة بالأطفال ذوي الإعاقة ومن ذوي اضطرابات التعلم وصعوباته.
وتهدف إلى تجميع المعلومات وتشبيكها لضمان المتابعة الحينية لجميع الملفات والمستجدات وتأمين التدخل السريع والناجع وتكوين المعنيين حسب الحاجة والمجال.
هدى القرماني