يبدو أن إسرائيل قررت “القفز إلى المقطورة الأخيرة” في المسلسل السوري الدامي للتأثير في معادلة الصراع القائم عبر الاتفاق على تنفيذ خطوات محددة مع الولايات المتحدة.
إن القصف الإسرائيلي المتكرر لمواقع القوات الحكومية السورية في منطقة محافظة القنيطرة الحدودية خلال الفترة الأخيرة، ووضع القوات الأمريكية كافة في المنطقة على أهبة الاستعداد، وفي الوقت نفسه البحث الحثيث عن ذريعة لضرب القوات الحكومية – كل ذلك مؤشرات تفرض إدراك أن هناك “خطوات متفق عليها بين إسرائيل والولايات المتحدة” لتصعيد النزاع السوري، والتأثير في تطور الأحداث في هذا البلد، كما يرى الكاتب السياسي دميتري مينين في مقال له نشرته صحيفة “غيوبوليتيكا”.
ويقول الكاتب إن الحكومة الإسرائيلية، منذ اليوم الأول للحرب السورية وحتى يومنا هذا، التزمت الإعلان رسميا عن الحياد وعدم التدخل في الشأن السوري، لكنها “لم تخف تعاطفها مع القسم الموالي للغرب من المعارضة السورية”.
ويذكِّر مينين بالمساعدات، التي قدمتها إسرائيل إلى أطراف المعارضة السورية، بما في ذلك علاج المقاتلين الجرحى في المستشفيات الإسرائيلية، وتقديم العون المادي والعسكري لهم وإمدادهم ولو المحدود بالسلاح والعتاد، وكذلك تدريب الخبراء الإسرائيليين والأمريكيين معا مجنديهم على أرض الأردن.
ويرى الكاتب السياسي دميتري مينين أن النهج الإسرائيلي في التعامل مع احتمالات تطور الأزمة السورية يتأثر إلى حد كبير برؤيتها “للحل النهائي” لقضية الجولان؛ مشيرا إلى أن لدى خبراء إسرائيليين كثيرين اعتقادا راسخا بأن انهيار سوريا من الناحية الموضوعية مفيد لإسرائيل، لتسهيل الاعتراف الدولي بضمها الجولان. وهنا، كما يؤكد الكاتب، يمكن الافتراض بكل بساطة أن مثل هذه الاعتبارات تشكل مصدر استرشاد للسلوك السياسي لقادة الدولة العبرية.
ويرى دميتري مينين أن الطريقة الرئيسة لتحقيق ذلك، بحسب وجهة النظر الإسرائيلية، تكمن في إنشاء عدة كيانات مختلفة على الأرض السورية. منها مثلا كيان درزي على الجهة الأخرى من الحدود مع إسرائيل، والذي سيضطر من أجل الحفاظ على الذات إلى “إعادة الاتحاد” مع الدروز على الجانب الإسرائيلي في هضبة الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل، من أجل دخوله اللاحق معهم في قوام إسرائيل. وهكذا ستتمكن إسرائيل ليس فقط من تكريس شرعيتها، بل ومن توسيع رقعة الأراضي التي تحتلها.
لكن، وعلى الرغم من روعة هذه الخطة الإسرائيلية، فإن مشكلتها الوحيدة هي في أنها لا تجد أنصارا لها بين الدروز على جانبي الحدود في هضبة الجولان.
ويلاحظ الكاتب أنه لم يكن من السهل على القادة الإسرائيليين التخلي عن هذا “الحلم الجميل”، الذي كانوا يرونه في انهيار الدولة السورية بنفسها ومن دون مشاركة ظاهرية لإسرائيل. ومع ذلك، فقد بدأ هذا الحلم يتبدد تدريجيا أمام الوقائع على الأرض والنجاحات التي تحرزها القوات الحكومية بمساندة القوة الجو-فضائية الروسية.
لهذا، يستنتج مينين أن القيادة الإسرائيلية قررت على ما يبدو العمل على “دفع الأحداث قليلا”، في إشارة منه إلى موجة الضربات الإسرائيلية الأخيرة لسوريا، التي تحمل معنى رمزيا، ولا سيما أن توقيتها جاء في الذكرى الـ 40 لاحتلال إسرائيل الجولان، وتزامنا مع زيارة نتنياهو خط الجبهة العسكرية وإلقائه خطابا أمام الجيش الإسرائيلي، قال فيه وبكل صراحة: “الجولان لنا وسوف يبقى دائما لنا، لأنه كان ملكا لأجدادنا وتم استعادته بعد طرد العدو السوري”.
ويلفت الكاتب الانتباه في هذا الجانب من الأحداث إلى أن الجيش الإسرائيلي يوفر الدعم الناري للائتلاف الذي يضم “جيش محمد” والذي يضم المعارضين “المعتدلين” من مثل الجيش السوري الحر، والتنظيم القاعدي “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا). ذلك في حين أن هذا التشكيل الإرهابي، وفقا لقرارات الشرعية الدولية كافة، يجب تدميره وليس الحفاظ عليه ودعمه”.
ومع ذلك، تظهر في إسرائيل توصيات للخبراء بتوسيع مشاركة إسرائيل في الحرب السورية. ويتناول الكاتب بإسهاب تقريرا صدر عن معهد الأبحاث في قضايا الأمن القومي تحت عنوان “خريطة سوريا الجديدة واللاعبون الجدد: التحديات والفرص أمام إسرائيل”، حيث أن الأوان، كما يعتقد مؤلفو التقرير لكي “تعيد الحكومة النظر في قواعد اللعبة الإقليمية التقليدية”، وإذا كان لا بد من الاختيار بين “شيطان معروف” متمثل بالنظام الحالي في سوريا أو “مستقبل مجهول” في حال سيطرة المعارضة على السلطة، فإن من الضروري التدخل في مجرى الأحداث والاعتماد على الجماعات العرقية والدينية التقليدية المتجذرة في جنوب سوريا والمرتبطة بطريقة أو بأخرى بالجيش السوري الحر.
ومن بين التدابير الممكنة، كما يقول التقرير: استهداف المواقع العسكرية وشبكات الاتصال الحيوية للجيش السوري بضربات مكثفة جوية وصاروخية، إنشاء منطقة “حظر جوي” في جنوب البلاد بالاشتراك مع الحكومة الأردنية، دعم المعارضة الموالية لإسرائيل، وضع “خطوط حمراء” أكثر صرامة لدمشق ودفع الولايات المتحدة إلى مشاركة أكثر فعالية في الحدث السوري.
ويخلص الكاتب دميتري مينين إلى القول إن من المستبعد أن يكون لهذا النهج نتائج مثمرة، ما دام من الصعب إيقاف عجلة القوات الحكومية السورية وديناميكية عملياتها العسكرية من دون غزو مباشر واسع، وهذا يتطلب موافقة الكونغرس الأمريكي والكنيست الإسرائيلي.
ترجمة وإعداد: ناصر قويدر
روسيا اليوم