أميركا وإيران .. اللعب على المكشوف

د.ليلى نقولا الرحباني

تنتشر أجواء التفاؤل في العالم والمنطقة باحتمال قرب التوصل إلى تسوية شاملة في منطقة الشرق الأوسط، وهو تفاؤل مشروع بعد وصول الرئيس روحاني إلى سدة الرئاسة في إيران، ووجود باراك أوباما وفلاديمير بوتين على رأس السلطة في كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية.

ورغم أجواء التفاؤل المفرطة التي عاد وبدّدها ما حصل في الاجتماع الأخير الذي حصل في جنيف بين الدول الست وإيران، إلا أن ما بدا من السياسات الخارجية لكل من الولايات المتحدة الأميركية وإيران، يُظهر قدرة احترافية للطرفين في لعبة الشطرنج، التي تحتاج إلى هدوء أعصاب وتكتيكات لا يبدو أنها تنقص أحداً منهما، وهكذا نجد في لعبة الشطرنج المشتركة تلك ما يلي:

توزيع أدوار غربي واضح بشكل لا لبس فيه، وقد اضطرت الولايات المتحدة الأميركية إلى تبرير ما حصل في الاجتماع من عرقلة فرنسية مدروسة بالقول: إن المواقف الغربية كانت منسّقة.. وذلك في ظل اتهام للفرنسيين بعرقلة اتفاق تاريخي انتظره العالم لعقود، ونفت باريس تفرّد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في طلبه خلال محادثات جنيف، إدخال التخصيب بنسبة 20 في المئة ومفاعل “آراك” الذي سيصنّع بلوتونيوم، في الاتفاق المرحلي المقترَح، وأكدت أن فابيوس كان قد نال موافقة تامّة من كيري قبل هذا الطرح.

تذرّع الطرفين الأميركي والإيراني بالمتطرفين والمتشددين على يمينه لحصد مزيد من المكاسب من الطرف الآخر، فمن ناحية الولايات المتحدة والغرب، يقوم الأميركيون بالانفتاح على إيران وإطلاق التصريحات المتفائلة حول الدور الإيراني الإيجابي وإمكانية التوصل إلى تسوية، وفي الوقت نفسه يهدد بعض أعضاء الكونغرس الأميركيين بالتصويت على تشديد العقوبات على إيران، ويقوم “الإسرائيلي” بالتهديد بالذهاب إلى خيار الضربة العسكرية ضد إيران، علماً أن الأميركي لا يمكن أن يقدم على أي خطوة دبلوماسية أو عسكرية أو سياسية في منطقة الشرق الأوسط دون الأخذ بعين الاعتبار العامل “الإسرائيلي”، ومصلحة وأمن “إسرائيل” مسبقاً، وقبل أي اعتبار، وما هذا التباين بين التصريحات إلا نوع من ذرّ الرماد في العيون، وتوزيع أدوار، لكسب المزيد من التنازلات من الطرف الإيراني.

مقابل ذلك، يلعب الإيراني اللعبة نفسها، ويتقنها كما يتقنها الأميركيون تماماً، ففي خضم الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق في جنيف، قام المرشد الأعلى علي خامنئي بدعم المفاوضين الإيرانيين، لكنه عبّر – مسبقاً – عن عدم تفاؤله بنتائج المفاوضات، معتبراً أنه لا يمكن “الوثوق في عدو يبتسم، فالأميركيون من ناحية يبتسمون ويعبرون عن رغبة في التفاوض، ومن ناحية أخرى سرعان ما يقولون إن كل الخيارات مطروحة”، وفي الوقت الذي كانت السلطات الإيرانية تحاول مدّ جسور التواصل مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وتحاول القيام بمبادرات إيجابية لبناء الثقة، والظهور بمظهر المستعد للحوار والانفتاح ولعب دور إيجابي والإسهام بالحلول في المنطقة، كانت الاحتفالات تعمّ طهران بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لعملية احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية في طهران، مع استمرار التمسك بشعار “الموت لأميركا”، وتأكيد نحو 200 من نواب البرلمان الـ290 في بيان مشاركتهم في التظاهرة السنوية التي تقام أمام مبنى السفارة الأميركية السابقة، والهتاف “الموت لأميركا”، كما أكد الحرس الثوري أن شعار “الموت لأميركا” هو رمز مقاومة وتصميم الأمة الإيرانية أمام هيمنة الولايات المتحدة؛ الأمّة المستكبرة غير الجديرة بالثقة.

أما في المنطقة، فتقوم السياسة الخارجية الإيرانية – كما الأميركية – على خطين: السير نحو خيار الذهاب إلى “جنيف 2″، والانفتاح نحو تركيا وبعض الدول الخليجية، سواء من قبل الإيرانيين أو من قبل حلفائهم العراقيين، مقابل الثبات على الموقف، ودعم النظام السوري، وعدم التخلي عن بشار الأسد، ومساعدته مالياً ولوجستياً وتقنياً، وهو ما يفعله الأميركيون تماماً بتسويق التزامهم بخيار التسوية التي اتفقوا عليها مع الروس، وبضرورة الذهاب إلى حل سلمي في “جنيف 2″، وفي المقابل يستمرون بدعم المعارضة المسلحة، وتوكيل حلفائهم السعوديين بإطالة عمر الأزمة ومحاولة تغيير موازين القوى على الأرض لكسب المزيد من التنازلات من الطرف الآخر.

إذاً، هي سياسة “المصافحة باليد اليمنى والمسدس باليد اليسرى” يتقنها جيداً الفريقان اللاعبان على الساحة الشرق أوسطية، وبات اللعب مكشوفاً جداً، وتبقى الشعوب الفقيرة في العالم العربي رهينة لعب الكبار في مصيرها، وبانتظار انتهاء اللعبة بيأس أحد الطرفين أو القبول بما تحقق من التسوية، اقتناعاً من الطرفين بأنه لم يمكن بالإمكان أحسن مما كان.

الثبات

تعليقات

عن taieb

شاهد أيضاً

التغوّل التركي في السوق الليبية ينهك الإقتصاد التونسي

لم يعد النظام التركي يخبأ نواياه تجاه الدول العربية، بل وبكل صراحة أصبح الرئيس التركي …