تقرير هدى القرماني
هذا التقرير من ضمن سلسلة تقارير أنجزت حول موضوع العقوبات البديلة في تونس بالشراكة مع “معهد صحافة الحرب والسلام”
أثبت الواقع والتقارير الحقوقية أنّ السجون لم تكن سوى وسيلة باهظة التكاليف لإنشاء أشخاص أكثر اجراما وخطورة وفي هذا الإطار كان لا بد من التفكير في بدائل للسياسات العقابية السالبة للحرية، لا سيما مع تطوّر منظومة حقوق الانسان الدولية، إلى بدائل حديثة معاصرة تحترم حقوق الانسان الأساسية وتحقق الغاية من العدالة الجنائية والموازنة بين الجانب الردعي والاصلاحي، فكان العمل على اصلاح المنظومة القضائية والسجنية وايجاد تدابير بديلة غير سالبة للحرية تراعي مصلحة الجاني والمجتمع وحق المتضرّر.
وتتمثّل العقوبة البديلة وفقا لقوانين تنظيم المؤسسات العقابية في تحويل عقوبة السجن بموافقة المحكوم عليه إلى ساعات عمل تحتسب بحسب مدّة السجن المحكوم بها والتي يلزم المحكوم عليه بالقيام بها مجانا لفائدة المصلحة العامة.
وقد صنّف المشرّع التونسي العقوبات البديلة وفقا للفصل 5 من المجلة الجزائية عقوبات أصلية خلافا للمشرّع الفرنسي مثلا الذي ذهب إلى تصنيفها كعقوبة تكميلية.
وجاءت العقوبات البديلة في إطار تطوير السياسة الجنائية والحدّ من الجريمة والاكتظاظ داخل السجون والتغلب على الآثار السلبية للعقوبات السالبة للحرية وخاصة للقصيرة المدة التي لا تكفي زمنيا لتحقيق برنامج تأهيلي متكامل إضافة إلى أنها تسمح باختلاط من هم قليلو الخطورة مع مجرمين خطيرين، وهو ما أثبت عدم الجدوى من العقوبات السجنية في تحقيق الردع واصلاح وتأهيل الجناة.
والعقوبات البديلة في تونس نوعان التعويض الجزائي والعمل لفائدة المصلحة العامة وتعوّض هذه العقوبة الغير سالبة للحرية العقوبات قصيرة المدة للمحكومين في مخالفات وجنح حدّدها الفصل 15 مكرّر من قانون عدد 89 لسنة 1999 المنقح بالقانون عدد 68 لسنة 2009 من مجلّة الإجراءات الجزائية وتهدف إلى تمكين القاضي من آليات جديدة وبديلة عن العقوبة السجنية بغاية اصلاح الجاني وتجنيبه دخول السجن.
وتتمثّل هذه الجرائم والتي فصّل النصّ الحالات المسموح بها ضمنها أيضا في جرائم الاعتداء على الأشخاص، جرائم حوادث الطرقات، الجرائم الرياضية، جرائم الاعتداء على الأموال والأملاك، جرائم الاعتداء على الأخلاق الحميدة، الجرائم الاقتصادية والمالية، الجرائم الاجتماعية، جرائم البيئة، الجرائم العمرانية والجرائم العسكرية.
ويجيز هذا الفصل للمحكمة إذا قضت بالسجن لمدة أقصاها عام واحد أن تستبدل بنفس الحكم تلك العقوبة بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة وذلك دون أجر ولمدة ستمائة ساعة بحساب ساعتين عن كل يوم سجن.
كما يسمح الفصل 357 من باب السراح الشرطي للمنتفعين بهذا الاجراء من استكمال عقوبتهم بالإقامة المحروسة إذا لم يكن محكوما عليه بتحجير الإقامة أو المراقبة الإدارية أو وضعه وجوبا بمصلحة عمومية أو بمؤسسة خاصة أو اخضاعه في آن واحد للوسيلتين على أن لا تزيد مدّة الإقامة المحروسة أو الوضع بالمصلحة أو المؤسسة عن مدّة العقاب الباقية التي يتم قضاؤها وقت السراح. مع العلم أنّ المصلحة العامة في تونس لا تنفذّ اليوم سوى في المؤسسات العمومية.
وأرسى القانون عدد 68 لسنة 2009 عقوبة التعويض الجزائي ويمّكن الفصل 15 رابعا المتعلق بهذه العقوبة المحكمة إذا قضت بالسجن النافذ في المخالفات أو بالسجن لمدة أقصاها ستة أشهر بالنسبة للجنح أن تستبدل بنفس الحكم عقوبة السجن المحكوم بها بعقوبة التعويض الجزائي إذا اقتضت ظروف الفعل الذي وقع من أجله التتبع ذلك.
ويلزم المحكوم عليه بأداء هذا التعويض لمن ترتب له ضرر شخصي ومباشر من الجريمة مع مراعاة مبلغ التعويض الجزائي عند تقدير التعويض المدني على أن لا يقلّ مبلغ التعويض عن 20 دينارا وأن لا يتجاوز خمسة آلاف دينار وان تعدد المتضررون.
ويشترط للتصريح بعقوبة التعويض الجزائي أن يكون الحكم حضوريا وأن لم يسبق الحكم على المتهم بالسجن أو بعقوبة التعويض الجزائي.
ويتولى بناء على الفصل 336 ثالثا ممثل النيابة العمومية متابعة تنفيذ العقوبة ويسري أجل تنفيذها بداية من تاريخ انقضاء أجل الطعن بالاستئناف في الحكم الجزائي الابتدائي أو من تاريخ صدور الحكم نهائي الدرجة.
ولئن شرّع النصّ التونسي العمل بالعقوبات البديلة فيبقى العمل بها في الواقع دون المستوى المطلوب إلى حد اليوم ذلك أنّ العقوبات السالبة للحرية مازالت على المستوى العملي أكثر شيوعا والعقوبة الأساسية في أغلب المحاكم التونسية وهو ما يطرح عدّة تساؤلات.
تفاعل محتشم للقضاة
أصدرت المحاكم بسوسة منذ تأسيس مكتب المصاحبة النموذجي في 23 أكتوبر 2013 إلى غاية 09 أوت 2018 ما يبلغ 397 حكما مباشرا بالعمل لفائدة المصلحة العامة أشرف مكتب المصاحبة على متابعة ومراقبة تنفيذه من بين 1602 ملفا قام بإنجازه في نفس الفترة.
وقد بلغ عدد الأحكام بالعقوبات البديلة الصادرة عن المحكمة الابتدائية بسوسة وفقا لما أفادنا به محمد حلمي الميساوي الناطق الرسمي باسم هذه المحكمة 76 حكما بالعمل لفائدة المصلحة العامة و6 أحكام بالتعويض الجزائي في الفترة الممتدة من جانفي 2018 إلى نهاية شهر جويلية المنقضي.
ويعتبر هذا العدد ضعيفا رغم التطورّ الذي بدأت تشهده هذه الأحكام وتعدّ محاكم سوسة الأكثر تفاعلا في اصدار هذا النوع من العقوبات خاصة بعد خوض التجربة النموذجية لمكتب المصاحبة بسوسة فيما تمثّل أكثر احتشاما ببقية محاكم الجمهورية وقد تصل الى غيابها كليا في البعض منها كما أشار إلى ذلك محدثنا.
وأضاف الميساوي أنّ المنتفعين بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة أغلبهم محكومون في جرائم سرقة بدرجة أولى ثم بدرجة أقل في جرائم عنف وفي مرتبة ثالثة في قضايا استهلاك مادة مخدرة.
وفي حديث لموقع “بلادي نيوز” أشارت المحامية نادية الورغي إلى أنّ النصّ القانوني للعقوبات البديلة ظلّ 3 سنوات تقريبا إثر صدوره غير مفعّل “ولم يطبّق الا بإلحاحنا” حسب قولها خاصة أمام ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون وانتشار الأمراض بين المساجين.
وتقول الورغي أنها لا طالما طالبت بتفعيل العقوبة البديلة أثناء مرافعاتها وكلما توفّرت شروط ذلك الا أنّ القاضي أحيانا قليلة ما يستجيب إلى ذلك مؤكدّة أنّها لم تحض بتلك العقوبة لموكليها سوى في ثلاث مناسبات منذ صدور القانون.
وأضافت المحامية أن هذا الحكم خاضع للاجتهاد المطلق للقاضي وهي ما تشعر به بالممارسة مشيرة إلى أنّه يتجه في أغلب الأوقات إلى حجز الملف للتصريح بالحكم ليعقبه بعد ذلك قرار بالإدانة والسجن.
ولفتت محدثتنا إلى أنّه يوجد أحيانا من بين المتهمين من يرفض القيام بالعمل لفائدة المصلحة العامة بتعلّة أنه لا يقبل بالعمل للصالح العام أو أن ذلك يشغله عن عمله ولا يمكنه الالتزام بالإمضاء يوميا على الدخول والخروج مؤكدة أنّ حالة من الحالات الثلاث التي رافعت عنها والتي انتفعت بالعقوبة البديلة استأنفت الحكم.
وأوعزت الورغي ذلك إلى غياب الحسّ الوطني مشيرة إلى أنّ أفضل الأحكام بالنسبة لغالبية المتهمين هي الحكم مع تأجيل التنفيذ حيث أن المتهم يتجنب بذلك دخوله إلى السجن وأيضا دفعه لخطية مالية هامة.
من جهتها أكّدت منية السافي قاضي التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية بسوسة وعضو فريق عمل المشروع النموذجي للمصاحبة شحّ الأحكام بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة خاصة قبل تأسيس مكتب المصاحبة بسوسة لغياب الآليات الضامنة في نظر القاضي لتحقيق النجاعة من هذه العقوبة.
كما أفادت أن عقوبة التعويض الجزائي رغم انها جيّدة وتحمّل المتهم لمسؤوليته في الاعتراف والاعتذار وتعويض المتضرر الا ان عدة عراقيل وتعطيلات قد تعترض تنفيذها في الآجال المسموح بها لذلك لا يذهب اليها القضاة كثيرا.
منظومة قضائية محافظة وإرادة سياسية خافتة
يقول المحامي سهيل مديمغ أنّ العقوبات البديلة برنامج جاء أساسا لتثوير واقع رديء للسجون.
ويرى أنّ نظرة المجتمع تتجه شيئا فشيئا من خلال العقوبات البديلة نحو الإصلاح على حساب العقاب المؤلم لأن هذا الأخير يساهم بدرجة كبيرة في العود وخاصة لدى الشباب.
ويضيف مديمغ أنّ القضاة والمحامون ليسوا على نفس درجة التقبل للعقوبات البديلة مع العلم أننا بدأنا نشهد تطورا في العمل بهذه العقوبات مشيرا إلى أنه سعى في عديد المرات إلى توجيه الدفاع نحو استبدال العقوبة السالبة للحرية بعقوبة بديلة وتوجيه القاضي نحو أنسنة وتفريد العقاب.
ويؤكد محدثنا أنّ عملية التفاعل عموما في مختلف المحاكم لا تزال ضعيفة أمام الطلب والحاجة المجتمعية راجعا ذلك إلى الإرادة السياسية التي يراها “خافتة” إضافة إلى ضرورة تطوير الإمكانات المادية والمعنوية والارتقاء بالمؤسسات والخدمات التي يقدمها المحكوم عليه بما في ذلك التوجه نحو مؤسسات القطاع الخاص لاستيعاب هؤلاء.
ويعيب مديمغ على المنظومة القضائية في تونس أنها “خلقت لتكون محافظة” حسب تعبيره وأن أغلب القضاة يذهبون نحو الإدانة والتوسّع في التجريم وتشديد العقاب أكثر من الذهاب نحو البراءة.
وتابع أن هنالك بعض الاستثناءات ولكن يقول هذا لا يعني أن قضاءنا قد تجاوز حدود تلك “المحافظة المرضية” بتعلة “الشرعية” و”النص” بل مازال مواصلا لتوجه الإرادة السياسية والسياسة الجنائية في البلاد والتي أثبتت عدم نجاحها دون الذهاب من الجهة الأخرى واستيعاب أنه كمؤسسة قضائية له من القدرة أن يفرض على السلطة السياسية أن تستجيب له وعلى السلطة التشريعية أن تجيبه حسب قوله.
رجال قانون ينقصهم التكوين في مجال العقوبات البديلة
لئن أكد عدد من المحامين مطالبتهم بهذه العقوبة لموكليهم أثناء دفاعهم الا أن عددا آخر لم ينادي بها.
وفي هذا الإطار قال المحامي عدنان العبيدي أننا كمحامون يجب ان نتحمّل كذلك مسؤولية في محدودية العمل بهذه العقوبات لأننا لا نطالب بها لمنوبينا متابعا “نادرا ما استمعت إلى من طالب من الزملاء بعقوبة التعويض الجزائي ونادرا ما رأيت زميلا تقدّم بمطلب في الصلح بالوساطة عند وكيل الجمهورية أو سمعت من يطلب عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة…نحن لا نطلب ذلك فكيف نحاسب القاضي على أنه لم يتجه نحو هذا النوع من الأحكام”.
وأضاف العبيدي “النصوص القانونية للعقوبات البديلة موجودة ومشروع اصلاح مجلة الإجراءات الجزائية وسّع في هذه العقوبات فقط علينا العمل على تطوير ذهنية القاضي وعلينا كلسان دفاع وشركاء في إقامة العدل أن ندفع في اتجاه تطوير هذه الذهنية وأن نتدرّب على المطالبة وكيفية المطالبة بهذه العقوبات” وواصل قوله يجب تكوين المحامين والقضاة على حدّ السواء في هذا المجال.
من جهتها تقول المحامية وفاق بن حليمة أنّها لم تتردّد في جلسات المرافعة في طلب العقوبات البديلة خدمة لمصلحة الموّكل ومراعاة لظروفه الاجتماعية وغيرها.
وتضيف هي اجتهادات من القاضي والمحامي لافتة النظر إلى أنّ بعض المحامين الجدد تنقصهم الخبرة والتكوين الميداني.
وترجع المحامية عدم تفكير بعض المحامين في المطالبة بهذه العقوبة خلال دفاعهم عن المتهم إلى التكوين الأكاديمي السطحي والمنقوص منذ الجامعة قائلة ” إنّ النظريات تطغى على هذا التكوين كما يقع التركيز على بعض المواضيع الجانبية التي لا تنفع في التطبيق وعلى سياسة ممنهجة في التنظير والابتعاد عن العمق”.
وتشير بن حليمة إلى أنّها تعلمت الكثير من الأمور كالعقوبات البديلة وغيرها من خلال العمل الميداني ولم تدرسها داخل الجامعة لذلك ترى المحامية ضرورة مراجعة التكوين الأكاديمي للمحامين.
ومن ناحيته يقول النائب والمحامي سمير ديلو واجابة عن سؤالنا ان كان المحامون يقومون بواجبهم في المطالبة بالعقوبات البديلة “فلنخلق واقعا جديدا حتى تتغيّر العقليات”.
آليات وامكانيات غير كافية
يرى سمير ديلو أن اللجوء الى السجن لا يمكن ان يكون سوى في الظروف الاستثنائية مع ضرورة توفير الضمانات الكاملة لجانب الإصلاح داخل السجون ملاحظا أن الواقع الحالي في بعض المؤسسات السجنية يمثل مدرسة للإجرام.
ويشير إلى أن الآليات الحالية غير كافية لتفعيل العقوبات البديلة وهو ما يستوجب تطوير الإمكانيات المادية واللوجستية لتشجيع القضاة على التفاعل إيجابيا مع هذا النوع من العقوبات منتقدا في الآن نفسه أن بعض القضاة اليوم ينقصهم التحسيس والبعض الآخر يعتقد أنه لا توجد الضمانات الكافية ليتمّ تنفيذ العقوبة بشكل ناجح.
واعتبر الناطق الرسمي للمحكمة الابتدائية بسوسة محمد حلمي الميساوي من جهته أن آليات تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة غير متوفرة بالقدر الكافي رغم تواجد مكتب للمصاحبة بسوسة قائلا “رغم العمل الجبار الذي يقوم به هذا المكتب الا أنه يبقى حديث العهد وصغير الحجم ومحدود الأعوان وتنقصه الوسائل اللوجستية والمادية الكافية لإتمام مهمته على أحسن وجه إضافة إلى تعدد مهام قاضي تنفيذ العقوبات الذي يشرف عليه وعدم تقبل عدد من المؤسسات العمومية لاستقبال محكومين بالعمل لفائدة المصلحة العامة لذلك فالتوجه نحو هذا النوع من العقوبات مازال في الحقيقة محدودا رغم بعض التطور الذي نشهده “.
وتابع أن المحكمة تأخذ بعين الاعتبار طبيعة المجتمع والسياسة الجزائية للدولة والتي تتجه الآن في سياسة الحد من اكتظاظ السجون.
وأضاف أن على الدولة إذا ما أرادت التمشي في هذا الاتجاه أن توفر الآليات اللازمة لتنفيذ هذه العقوبات وعليها ثانيا أن تتحقق من نجاعة العمل لفائدة المصلحة العامة ومدى جديّة تطبيقها حتى لا تبقى مجرّد حبر على ورق أو وسيلة للتفصي من العقاب.
وقال محدثنا الثابت اليوم أن الدولة تسعى إلى توفير هذه الآليات عبر تعميم مكاتب المصاحبة وهو أمر مهم ولكنه غير كاف حسب رأيه متوقعا أنه بتطور السياسة الجزائية وتطور المسائل المادية يمكننا تحقيق نسب هامة من الأحكام بالعقوبات البديلة وإيجاد بدائل أخرى.
يذكر أن الإدارة العامة للإصلاح والسجون تعمل حاليا على تركيز 6 مكاتب مصاحبة جديدة بكل من محكمتي الاستئناف بتونس وبنزرت والمحاكم الابتدائية بمنوبة والمنستير والقيروان وقابس وستنطلق في أعمالها قريبا.
تفعيل العقوبات البديلة رهين وعي وتحضر المجتمع
وردا على اتهام المحامين للقضاة بعدم التجاوب مع مطالبهم في تفعيل العقوبات البديلة قال الميساوي إن المحامي يرى الأمور فقط من جانب منوّبه على عكس القاضي الذي ينظر للوضعية من جانب المتهم وجانب المجتمع.
وأضاف أن طبيعة الجريمة وطبيعة المجتمع في حد ذاتها تختلف من جهة إلى أخرى وهو ما يجعل تقبل العمل لفائدة المصلحة العامة ليس بذات الدرجة لذلك هناك من يرفض هذا النوع من العقوبة ويرى أن السجن هو المكان الطبيعي لمن ارتكب جرما.
وأوضح محدثنا أن العمل لفائدة المصلحة العامة كعقوبة يستوجب أن يكون للمجتمع درجة معينة من الوعي والتحضر وفهم لهذه العقوبة بداية من المتهم وصولا الى المجتمع.
ولفت الميساوي إلى أن لكل قاض فلسفته ومفهومه للقانون وهو مطالب بتطبيق عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة إذا رأى وجها لذلك بما أن القانون قد نصّ عليها ولكن لا يمكن أن نفرض على المحاكم تطبيقها بطريقة آلية لأن القاضي في آخر المطاف من يقدّر العناصر المكونة للجريمة والذي سيخلص إلى الذهاب في استبدال العقوبة أم لا.
ولاحظ أن العملية ليست آلية حسابية بالنظر الى اختلاف الجرم واختلاف الطبيعة الجغرافية والفكر المجتمعي من جهة إلى أخرى.
وأكّد الميساوي أن القضاء الجزائي، رغم أنّ القانون قد فصّل الجرائم، فهو قضاء وجدان والقاضي الجزائي يحكم بما يخلص إليه وجدانه وله السلطة التقديرية في تقدير العقاب ومدى ملاءمة ذلك العقاب مع الجرم المرتكب والظروف التي أحاطت به ومع الشخص المتهم الذي يختلف من شخص لآخر.
وتفعيل العقوبة البديلة وفقا لمحدثنا ليس فقط رهين تفكير القاضي أو تصوّره للعقوبة ولكن أيضا رهين معطيات أخرى كتوفّر الآلية التي ستسمح بمراقبة تنفيذ هذه العقوبة لأنه اذا ما أصبحت هذه الأخيرة وسيلة للتفصي من العقاب فسينعكس دورها ولن تحقق الغاية المنشودة منها.
ويرى الميساوي في الأخير أن إيجاد عقوبات بديلة أخرى يعود إلى إمكانيات الدولة وقبل ذلك إلى توفر درجة من الوعي لدى المتهم والمجتمع الذي يجب أن يتقبل الشخص المحكوم عليه بهذه العقوبة.
إشكاليات ومعوقات
إنّ العقوبات البديلة كعقوبات غير سالبة للحرية موضوع يكتسي أهمية معرفية وتطبيقية ويجسد توجها في تطوير المنظومة الجزائية وانفتاحا على التجارب والخبرات والاستفادة منها.
وتشير المحامية يسرى دعلول إلى أن موضوع العقوبات غير السالبة للحرية يطرح إشكاليات متعددة سواء على مستوى تعامل الدفاع معها وماهية حضوره في جميع المراحل، او من طرف النيابة وقاضي تنفيذ العقوبات، وكل ما يتعلق بمكتب المصاحبة وما يطرحه على مستوى تقنينه واشكالية التنسيق والمتابعة والاشراف والطعن في قرارات قاضي تنفيذ العقوبات واحترام مبدأ التقاضي على درجتين.
وترى أن التوجه نحو أنسنة العقاب واحترام مقتضيات الدستور والمرجعية الدولية يقتضي اعتماد التدابير المجتمعية وتنوع آليات الإصلاح والتأهيل وكذلك انتهاج إجراءات إصلاحية وعلاجية من خلال تفادي العقوبة السالبة للحرية ببدائل التتبع وعبر التدابير القضائية إضافة الى تفاديها عن طريق قاضي تنفيذ العقوبات واعتماد بدائل التتبع في مرحلة التنفيذ مشدّدة على أن هذه المسائل الملّحة بات ادراجها تشريعيا بصفة مؤكدة.
وترى القاضية منية السافي من جهتها أن من سلبيات النص القانوني عدم التوسّع في هذه العقوبات حتى تمنح للقاضي الجزائي أكثر خيارات في اختيار العقوبة التي تتماشى مع المتهم.
ومن المعوقات التي تعيق أيضا تفعيل العقوبات البديلة حسب السافي التأخير الذي شهده التحوير في المجلة الجزائية قائلة رغم الانتهاء من الكتاب الأول وما جاء به من إيجابيات الا أننا لا يمكن أن نعمل به الا بعد انتهاء كامل المجلة الجزائية ودخولها حيز التنفيذ.
من خلال ما سبق يتبيّن لنا أنّ التشريعات وحدها لا تكفي لتفعيل العقوبات البديلة بل يجب أن ترفقها الآليات اللازمة لتطبيقها وتوعية المجتمع بدرجة أولى بهذه العقوبات لتقبّل المحكومين عليهم ضمنهم إضافة إلى قرار سياسي قويّ ودور إيجابي وفعال للمجتمع المدني وتدريب لأجهزة انفاذ القانون وتطبيقه على عقلية ورؤية جديدة للسياسة العقابية.