فادية ضيف
كان اختيار تونس عاصمة “المرأة العربية ” لسنتي 2018 و 2019 و عاصمة دولية “لتكافؤ الفرص” سنة 2019 يعكس بالدرجة الأولى الدور الذي تلعبه المرأة التونسية و أهمية النجاحات التي حققتها في مختلف المجالات الاقتصادية و السياسية والاجتماعية حتى أتى المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المنقح للقانون الانتخابي 2014 ليخلق الكثير من الجدل .
حيث أبدت ناشطات و منظمات حقوقية في تونس خاصة منها النسوية مخاوفها من تراجع حظوظ المرأة و تقلص وجودها في المشهد العام .
أثارتصريح محمد التليلي منصري عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات و الناطق الرسمي لها أثناء مداخلته في أشغال الندوة الدولية التي نظمها يوم 13 أكتوبر2022 مكتب الأمم المتحدة لدى الاتحاد الافريقي بأديس أبابا حول مشاركة المرأة في المسار الانتخابي بإفريقيا المكانة التي تحتلها المرأة التونسية في الحياة السياسية و مشاركتها في الانتخابات كناخبة و كمترشحة حفيظة العديد ممن استفزهم المرسوم 55 لسنة 2022.
بشرى بالحاج حميدة نائبة سابقة في البرلمان و عضوة في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات قالت في تصريح سابق إن “المرسوم نسف كل المكاسب السابقة ويقصي الفئات الهشة و النساء و الشباب و سيمكن أصحاب الأموال فقط من الصعود الى البرلمان “.
منظمات و حقوقيون : المرسوم 55 يهدد مكتسبات المرأة
في هذا الاطار سألنا أمال العرباوي رئيسة جمعية جسور المواطنة بالكاف و هي واحدة من الجمعيات المنضوية في حراك “الديناميكية السياسية” عن الآفاق التي تعزز دور المرأة و العوائق التي تنقص من حظوظ المرأة في الانتخابات التشريعية قالت “أنه و بمقتضى المرسوم 55 لسنة 2022 أصبحت الانتخابات تقام على 161 دائرة وتفرز 161 نائبا مضيفة أن اختيار بعض الديمقراطيات العريقة لنظام الإقتراع قد يكون صائبا لكن إعتماده في بلد مستوى الأمية فيه مرتفع ومستوى الفقر اكثر إرتفاعا والفكر الذكوري مهيمن ومنطق العشيرة او القبيلة او الجهة مازال موجودا فهذا الإختيار يصبح مجانبا للصواب و يدفع نحو إفراز مشهد يسيطر عليه أصحاب الجاه والمال والنفوذ “.
في نفس السياق أضافت العرباوي أن قراءة القانون الانتخابي لا تكون معزولة عن فهم طبيعة المجتمع لذلك اختيار الإقتراع بالأغلبية على الأفراد في مجتمع ذكوري بامتياز يمثل إقصاءا للنساء وتخلي عن دعم مكاسب المرأة في علاقة بانخراطها في الشأن العام ووصولها الى مواقع التشريع والقيادة لان التناصف الأفقي والعمودي على مستوى القائمة يمثل خطوة هامة لانخراط النساء في مواقع القرار قد يراه البعض شكليا ولكنها كانت خطوة إلى الأمام في مجتمع تعتبرفيه العوائق الذكورية امام إنخراط النساء في الشأن العام كثيرة.
من جهته اعتبر ناصر الهرابي المدير التنفيذي لمرصد شاهد أن مكاسب المرأة في المرسوم 55 مهددة قائلا إن ” لا ضمانات لوجود المرأة في البرلمان القادم حيث حصر التناصف في مرحلة التزكيات و هذا حد من دور المرأة في الإنتخابات التشريعية 2022 مقارنة بالمناسبات الانتخابية السابقة.
تقرير منظمة بوصلة الذي صدر في 19 سبتمر 2022 جاء مؤيدا لطرح مرصد شاهد فقد وصف تعديلات المرسوم 55 لسنة 2022 بأنها “تؤسس لمجلس رجالي من أصحاب الأموال و الولاءات و القبلية” و عدد التقرير التعديلات التي وصفها بالخطيرة كإلغاء التمويل العمومي و ما وصفه بـ “معضلة جمع التزكيات” و نظام الإقتراع الذي اعتبره ” بالتغيير الجوهري الخطيرعلى مجموعة من المكاسب التي تمّ مراكمتها بإعتبار أنه لن يضمن تمثيليّة متوازنة لكل الفئات الاجتماعيّة كالمرأة والشباب باعتبار التخليّ عن مبدأ التناصف ومبدأ تمثيل الشباب في القائمات .
و هذا ما أكده ناصر الهرابي الذي أشار الى صعوبة ولوج المرأة الى التزكيات خاصة في الأوساط الريفية و هي غير قادرة بشكل عام على ضمان مكاسبها مما انعكس على ضعف الإقبال على الترشحات مؤكدا على ضرورة مراجعة المرسوم 55.
ليس بعيدا عن تخوفات مرصد شاهد و بوصلة فقد أوضحت أخر بيانات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في ولاية تطاوين مثلا صفر ترشح من الإناث مقابل 15 ترشح للذكور أما ولاية مدنين فقد سجلت ترشح 34مترشح مقابل مترشحة واحدة.
لا يخفى على أحد أن التواجد القوي للمرأة في المشهد السياسي بعد2011 رسخ أهمية مشاركتها لترسيخ الديمقرطية لتثير تنقيحات المرسوم 55 تخوفات من أهمها تراجع فعالية دور المرأة.
و قد نوهت آمال العرباوي رئيسة جمعية جسور المواطنة الى أن ” الديناميكية النسوية ” نبهت من “مشهد قد يخسرنا سنوات خطوناها إلى الأمام من معاهدات تقر بحقوق النساء في كل المجالات كالتشريعات الوطنية التي تناهض العنف السياسي وتقر بالمساواة وبهذه الطريقة نبتعد عن امتيازات حققناها لذلك فنحن نتابع عن كثب التطورات لنحدد من خلالها تفاعلنا ونرجو ان يتغلب صوت الحكمة لأن القانون الانتخابي هو بوابة الديمقراطية كما وصفته .
الجدير بالذكر أن الديناميكية النسوية قامت بقراءة نقدية أبرزت فيها التغييرات الّتي طرأت على القانون الإنتخابي بشروط الترشح كإدخال آلية سحب الوكالة وطريقة الإقتراع وتقسيم الدوائر الإنتخابية وتشديد العقوبات .
و قالت العرباوي “لقد وقفنا على ما هو ايجابي ولا يمثل عائقا امام نجاح الديمقراطية وما يمثل عائقا أمام برلمان يمثل شعبا تقريبا نصفه نساء ونصفه رجال ومعدل العمر فيه يجعلنا نتكلم عن شعب شاب”.
أرقام صادمة لا تترجم تفاؤل المسؤولين
بلغ عدد المشاركين بعد غلق باب الترشحات نحو 1427 شخصا ليس من ضمنهم سوى 214 إمرأة بنسبة 15% . وهو ما اعتبره مراقبون تراجع لافت للمشاركة النسوية و تمثيليتها في البرلمان القادم مقارنة بالمناسبات الانتخابية السابقة .
علياء اليعقوبي واحدة من المترشحات و تحديدا على دائرة حلق الواد ناشطة بالمجتمع المدني استقبلتنا بإحدى الشركات على ملك صديق لها اعتبرت أن” المشكل ليس في القانون بل في العزوف النسوي على العمل السياسي على غرار الشباب مضيفة أن القانون يضمن لها أن تترشح مرجعة الإقبال الضعيف على ترشح المرأة للانتخابات التشريعية 2022 إلى تردي المشهد السياسي في العشرية السابقة .
تقول علياء “أن الأهم ليس العدد الضئيل للمترشحات بل وجودهن”.
الباحث في علم الاجتماع محسن المزليني يتوقع أن حضور المرأة في البرلمان المنتظر سيكون الأضعف منذ انتحابات 2011
و في خضم حديثه حول تفاصيل تعديلات القانون الانتخابي قال المزليني إن “هذا التعديل لن يكون تقنيا كما قد يتبادر للذهن لأن تداعياته يُرجّح أن تنسف المشهد السياسي الذي تم هندسته منذ الثورة التونسية من أجل ضمان تمثيلية أغلب الفئات والشرائح الاجتماعية.
وأشار إلى أن الإحصائيات التي نشرتها هيئة الانتخابات حول عدد المترشحين للانتخابات البرلمانية أكدت المنحى التراجعي لحضور المرأة وهو ما يؤشر إلى مزيد من التراجع خلال الانتخابات مضيفا إلى أنّ الاختبار الأهم، هو الاقتراع، حيث سيكون الناخب أمام حقائق الواقع الاجتماعي بتصوراته ومتخيلاته ومنظومته الثقافية والاجتماعية التي يحظى فيه الذكر بالأولية، ما سيلقي بمزيد من الشكوك حول حجم حضور المرأة في البرلمان القادم.
محمد التليلي المنصري عضو الهيئة العليا للانتخابات اعتبر في تصريح لاحدى القنوات العربية يوم 28 أكتوبر الجاري أن “نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة محترمة ” .
تصريح لا يعكس الواقع الذي ترجمته النتائج الأولية التي صدرت بعدها بأيام (03 نوفمبر 2022) لقبول الترشحات للإنتخابات التشريعية 2022 و التي كانت صادمة للتجربة النسوية في تونس حيث لم تتجاوز نسبة المترشحات ال 12% .
و هنا يفرض السؤال نفسه كيف تكون محترمة وسط هذا التراجع الكبير لتمثيلية الفئات الهشة خاصة منها المرأة و يساهم أكثر في مزيد استغلالها و هرسلتها سياسيا خاصة من قبل رؤوس الأموال كيف لا و قد ألغى المرسوم 55 التمويل العمومي ؟.
أسئلة تبقى معلقة بعد محاولات متكررة للاتصال بالناطق الرسمي لهيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري الذي لم يرد على اتصالنا وستكون الأجوبة رهينة الأمر الواقع الذي ستواجهه المرأة في البرلمان القادم.