منذ أكثر من قرن من الزمان، والناس في كل أنحاء العالم يحتفلون بيوم خاص بالمرأة وهو “اليوم العالمي للمراة”، في الثامن من مارس/آذار من كل عام، والذي يصادف ذكرى حراك عمالي ومسيرة احتجاجية خرجت فيها 15 ألف امرأة في عام 1908 إلى شوارع مدينة نيويورك الأمريكية، للمطالبة بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور والحصول على حق التصويت في الانتخابات. ودفع ذلك الحزب الاشتراكي الأمريكي، في العام التالي، لإعلان هذا اليوم كأول يوم وطني للمرأة، ويصبح بعدها حدثا سنويا تعترف به الأمم المتحدة.
يحمل اليوم العالمي للمراة هذا العام شعار “كسر التحيز” BreakTheBias#، وككل عام تهدف الاحتفالية بهذا اليوم – إلى جانب التذكير بأهميته والاحتفاء به – إلى تسليط الضوء على واحدة من المشكلات التي تواجهها المرأة حول العالم ومحاولة إشراك الجهات الدولية والحكومات ومنظمات المجتمع المدني، وحتى الأفراد، في إيجاد أنجع الوسائل والحلول والعمل على تضافر الجهود للقضاء على مثل هذه الظاهرة.
ويركزالاحتفال باليوم العالمي للمرأة هذ العام على تعزيز فكرة أن يكون العالم خالٍ من التحيز والصور النمطية والتمييز، عالم متنوع ومنصف وشامل، عالم يتم فيه تقدير الاختلاف والاحتفاء به. ويدعو إلى مساواة المرأة بالرجل ويجعل ذلك واجبا فرديا كما هو واجب جماعي، إذ أننا جميعا مسؤولون عن كسر التحيز في مجتمعاتنا وأماكن عملنا، في مدارسنا وكلياتنا وجامعاتنا وفي مكان حوالينا.
“تأنيث الفقر”
أشار تقرير صدر حديثا لمنظمة كونسيرن الدولية (Concern)، إحدى أكبر المنظمات الإغاثية الدولية التي تسعى إلى عالم خال من الفقر والخوف والقمع، إلى أن “عدم المساواة بين الجنسين هو الشكل الأكثر شيوعا لظاهرة عدم المساواة في جميع أنحاء العالم”، كما أنه أحد أكبر العوائق التي تحول دون إنهاء الفقر المدقع.
واستخدم التقرير مصطلح “تأنيث الفقر”، الذي صاغته الباحثة ديانا بيرس في السبعينيات من القرن الماضي، التي عملت على النوع الاجتماعي (الجنس) والفقر في الولايات المتحدة، في الإشارة إلى ظاهرة تمثيل النساء والأطفال بشكل غير متناسب بين فقراء العالم، وأنهن أكثر عرضة من الرجال للعيش تحت خط الفقر.
وقد اكتسب المصطلح مكانة عالمية في مؤتمر الأمم المتحدة الرابع المعني بالمرأة في عام 1995، ولا زال يستخدم حتى الآن على نطاق واسع في النقاش حول التنمية الدولية والمساعدات الإنسانية. ولعل مفهومه بسيط نسبيًا، لكن أسبابه معقدة ومتعددة.
وأوضح التقرير أن عدم المساواة المستمرة في جميع المجتمعات تعني استمرار واتساع المعاناة التي تواجهها النساء والفتيات، وجاء فيه أن أبرز وأهم القضايا المعقدة والمترابطة التي تديم الفقر وتشكل حاجزًا أمام المساواة بين الجنسين هي محدودية الوصول إلى التعليم الجيد، وتكافؤ الفرص الاقتصادية، بما في ذلك العمل والوصول إلى سبل العيش وفجوة الأجور بين الجنسين، ونقص التمثيل الحكومي.
وأورد التقرير أن من بين الأسباب أيضا تحديات توفير التغذية الجيدة، والتحصل على الخدمات الصحة المناسبة، والعنف النوعي (التسلط الذكوري)، والنزاعات بكافة أنواعها سواء الأسرية، أوالمجتمعية، أو المحلية، أوالوطنية وحتى الإقليمية.
وتقول منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة إن النزاعات المسلحة في سوريا والعراق واليمن أعادت عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في المنطقة إلى مستواه في عام 2007. وأن ثلاثة ملايين طفل كان من المفترض أن يكونوا في المدرسة إذا لم تحدث الأزمات مطلقًا.
وهناك ما يقرب من 15 مليون طفل – تتراوح أعمارهم بين 5-14 سنة – خارج المدرسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و10 ملايين في المدرسة ولكنهم معرضون لخطر ترك الدراسة.
كما أن هناك نحو 9.3 مليون طفل ممّن تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا – أي أكثر من ثلث اليافعين في هذه الفئة العمرية – هم خارج المدارس. وتمثل الفتيات أكثر من نصفهم.
تقول منظمة كونسيرن إنه في الغالب تقرر العائلات التي تعيش في فقر إعطاء الأولوية للتعليم للذكور بدلاً من البنات. فقلة التعليم تعني احتمالية أقل للتوظيف، والتي تتفاقم أكثر بسبب الأعمال المنزلية التي تقع على عاتق النساء والفتيات بشكل منهجي، ما يخلق ساعات عمل أطول وفرصا أقل لكسب الدخل.
ويشير كبير الاقتصاديين في منظمة “اسكوا” التابعة للأمم المتحدة، خالد أبو إسماعيل، في دراسة له صدرت قبل عامين، بعنوان الفقر والصراع في الدول العربية، إلى أن بيئات الصراع لها آثار كبيرة على التنمية البشرية والفقر. وأنها تعرض النساء والفتيات لتحديات ومخاطر فريدة مثل التعرض للعنف وتقلص كبير في التحصيل العلمي.
ويضيف إسماعيل أن من بين البلدان المتأثرة بالنزاع، سجل العراق والسودان إلى حد كبير تحسنا طفيفا في معدلات الحد من الفقر. إلا أن سوريا واليمن شهدتا زيادات ملحوظة في معدلات الفقر. وتشير الإحصائيات إلى وجود تأثير مختلف للفقر بين البلدان المتضررة من النزاعات، إذ أن التأثير الأكبر كان في الدول التي احتدت وطال فيها أمد تلك الصراعات.
الحاجة إلى بيئة موازنة
وعلى الرغم من أن جزءا من النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – الخليج والدول التي لم تتأثر بأحداث الربيع العربي – حققن مكاسب مذهلة في عدد من المؤشرات الاجتماعية، لكن لا يزال لديهن – بحسب تقرير للبنك الدولي – أدنى معدلات المشاركة في القوى العاملة في العالم. ويضيف أن هناك حاجة إلى تضافر الإجراءات والجهود لتغيير القوانين التي تحد من توظيف الإناث وخلق بيئة تسمح للمرأة بالموازنة بين متطلبات العمل والأسرة.
وتشير آخر الإحصاءات إلى أن واحدة فقط من كل أربع نساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعمل أو تبحث عن عمل، وهو ما يمثل نصف المعدل العالمي. وبالنسبة للشابات، تصل معدلات البطالة إلى 40 في المئة، بينما تضاعفت فجوة التوظيف بين الرجال والنساء تقريبًا على مدى السنوات الخمسة والعشرين الماضية.
و تقدر الدراسات أنه إذا بقيت معدلات التوظيف الحالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما هي، وبحث كل من هم في سن العمل عن عمل، فسيكون هناك 50 مليون رجل عاطل عن العمل بحلول عام 2050، و145 مليون امرأة عاطلة عن العمل.
ووجد تقرير للأمم المتحدة العام الماضي أن ما يقرب من 90 في المئة من الرجال والنساء لديهم نوع من التحيز ضد الإناث. وحلل مؤشر “القواعد الاجتماعية للجنس” التحيزات في مجالات مثل السياسة والتعليم في 75 دولة، تغطي 80 في المئة من سكان العالم، كما يلي: ما يقرب من 50 في المئة من الرجال، على الصعيد العالمي، يعتقدون أن لهم حقًا في العمل أكثر من النساء، ويشعر نصف الرجال والنساء في العالم أن الرجال هم قادة سياسيون أفضل، بينما يعتقد ما يقرب من الثلث أنه من المقبول أن يعنف الرجال زوجاتهم. وخلصت الدراسة إلى أنه لا توجد دول في العالم حققت المساواة بين الجنسين.
بي بي سي