انعدمت فكرة شنّ عدوان على سورية بعد توصل موسكو وواشنطن الى الاتفاق الذي عبّر عنه وزيرا خارجية البلدين سيرغي لافروف وجون كيري بشأن الأسلحة الكيماوية السورية. وعلى الرغم من ذلك فإنّ الأزمة في سورية ستطول لأنّ الواقع الميداني شيء والواقع السياسي على موجة أخرى. هذا الاتفاق سيتحوّل في جلسة مجلس الأمن الدولي في نيويورك في 25 من الشهر الحالي إلى قرار دولي صادر عن الشرعية الدولية لتوكل بعد ذلك الى منظمة الحدّ من الأسلحة الكيماوية استناداً إلى بنود قرار مجلس الأمن مهمة الذهاب إلى سورية والكشف عن مواقع الأسلحة الكيماوية وطريقة التخلص منها.
إلا انّ المفارقة انّ رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيماوية هو تركي ويدعى أحمد أوزومكو وهو من سيتولى البحث عن السلاح الكيماوي في سورية والسؤال كيف يقبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يكون أحد رعايا الدولة التركية والتي رئيس حكومتها أعلن جهاراً أنه يكنّ العداء للنظام السوري هو من سيفتش عن الأسلحة في الغوطة وخان العسل؟
بموازاة ذلك هل سيجرؤ أوزومكو أن يسأل الحكومة التركية أين الكيلوغرامين من غاز السارين اللذين عثرت عليهما الشرطة التركية في أضنة أثناء توقيفها 8 أشخاص من جبهة النصرة؟ الأمر توقف عند هذا الحدّ من دون إبلاغ الرأي العام من أين جاء السارين وإلى أين توجه أو يتوجه؟ إذن الاتفاق الروسي ـ الأميركي هو العنوان العريض للقرار الأممي والتجاذبات السياسية والسقوف المرتفعة التي طرحها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس هي نوع من المزايدة السياسية لتسليف الدول الداعمة للمعارضة الخليجية مواقف عالية النبرة من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية لفرنسا. وفابيوس نفسه يدرك أنه ليس صاحب الصلاحية لجعل القرار يصدر تحت الفصل السابع لأنّ هناك 5 أعضاء في مجلس الأمن يملكون حق الفيتو وروسيا والصين لن يشاركانه النظرة وعليه فإنّ القرار سيصدر وفق الفصل السادس لكنه قد يتضمّن بنوداً متشدّدة تجيز استعمال القوة مأخوذة من الفصل السابع أي بما يمكن القول إنه سيصدر تحت الفصل السادس والنصف!
ولما كانت اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية خطوة هامة على طريق تسوية الأزمة السورية للانطلاق الى مؤتمر «جنيف ـ 2» فإنّ خبيراً استراتيجياً أشار لـ»البناء» إلى أنّ «جنيف ـ 2» القائم على حوار سوري ـ سوري برعاية أميركية ـ روسية وحضور إقليمي لم يتحدّد بعد من أجل التوصل إلى اتفاق بين القوى المعنية حول تسوية الأزمة السورية تقف أمامه عقبات تحول دون انعقاده. ففيما أرسلت الحكومة السورية إلى الجانب الروسي لائحة بأعضاء الوفد السوري المقرّر حضوره مؤتمر «جنيف ـ 2» فإنّ وفد المعارضة السورية يعاني من مشاكل كبيرة. فقوى المعارضة السياسية الائتلاف الوطني برئاسة أحمد الجربا المجلس الوطني برئاسة جورج صبرا وهيئة التنسيق من أبرز وجوهها هيثم مناع ثلاث قوى سياسية في المعارضة السورية في الخارج تعتريها خلافات جذرية. هيئة التنسيق أعلنت أنها ضدّ التدخل الخارجي وترفضه بينما الائتلاف والمجلس يدعوان إلى التدخل الخارجي وكانا من مؤيدي العدوان على سورية هذا فضلاً عن أنهما يرفضان الحوار مع الرئيس الأسد أما التنسيق فتقبل بالحوار مع النظام. وفي الجانب العسكري ووفق الخبير الاستراتيجي نفسه فإنّ الائتلاف الوطني والمجلس الوطني يدّعيان أنّ الجيش الحرّ قوتهما الميدانية داخل سورية وأنه بعيد عن كلّ الاتهامات بالتشدّد لكن من الناحية التصنيفية للجيش الحرّ فهناك قائدان له الأول هو رياض الأسعد الذي تعرّض للتفجير وبُترت ساقه والثاني هو سليم إدريس المدعوم من الأميركيين والأوروبيين والخليجيين ويتلقى منهم دعماً كبيراً. ولما كان إدريس قد أعلن عندما تسلّم رئاسة الجيش الحر أنه سيُعيد تنظيمه وأصدر بيانات عدة تفيد أنه عيّن أركاناً للتخطيط والتجهيز وإدارة العمليات وقادة مناطق الا انّ الحقيقة غير ذلك. لا قادة مناطق ولا أركان ولا تخطيط لا بل الصحيح انّ إدريس يتنقل بين الدول الغربية مع بعض التصريحات فيما المسلحون يقودهم بعض الأشخاص المحليين يعلنون أنهم مع الجيش الحر فقط لأنهم لا ينتسبون إلى «جبهة النصرة». وعليه فإنّ الجيش الحرّ هو عبارة عن شراذم غير مترابطة تنظيمياً وهنا تكمن مشكلة الدول المناهضة للدولة في سورية والتي كانت تأمل ان يكون لتلك المعارضة دور في الأمن في سورية. وبحسب الخبير الاستراتيجي فإنّ المعارضة المسلحة التي لها فعاليتها وهي «جبهة النصرة» برئاسة ابو محمد الجولاني وما يُسمّى «دولة الإسلام في العراق والشام» برئاسة أبو بكر البغدادي ولواء الإسلام برئاسة زهران علوش تصبّ في خانة القاعدة أو الإخوان المسلمين وهؤلاء يسيطرون على مناطق الرقة ريف حلب ويفرضون ما يسمّونه الشريعة الإسلامية. وانطلاقاً من ذلك فإنّ «جنيف 2» لو انعقد وقرّر المتحاورون التوصل إلى قرار بوقف إطلاق نار وهو المقدمة لمرحلة الحلّ السلمي هل سيستطيع الجربا أو صبرا أو مناع إيصال أوامر إلى البغدادي والجولاني لوقف إطلاق النار؟ لا سيما انّ من يملك وقف إطلاق النار في سورية هو أيمن الظواهري لا الولايات المتحدة أو فرنسا. ولما كانت المسألة بالغة التعقيد فإنّ السؤال: هل يتمّ الاتصال بالظواهري فالولايات المتحدة تتفاوض مع حركة طالبان من أجل الانسحاب من افغانستان وتالياً ليس غريباً أن يكون هناك تعاون بين الغرب والقاعدة وإلا كيف تمّ إدخال عناصر هذا التنظيم من كلّ دول العالم إلى سورية فضلاً عن حرية نقل أسلحتهم وأموالهم؟
هتاف دهام-“البناء“
|