الثلاثاء , 3 ديسمبر 2024

الخبير الأمني علي الزرمديني: الإرهابيون من الجبال إلى مرحلة الانتشار والتمركز حول المدن وعملية قبلاط تختلف كليّا عن عملية الشعانبي

هدى القرماني

يرى الخبير الأمني علي الزرمديني أنّ ما شهدته البلاد خلال الأيام الأخيرة من عمليات إرهابية أمر طبيعي ومتوقع لأنّجميع المؤشرات الأوليّة والتسلسل الزمني للأحداث وارتباطها ببعض  يؤدي حتما حسب الخبير لمثل هذه النتيجة.

ويقول الزرمديني أنّ تفكّك مفاصل الدولة في بداية الثورة وخصوصا المؤسستين الأمنية والقضائية والّتين تقوم عليهما الدولة جعل من تونس بؤرة من بؤر الاستقطاب الجهادي وأصبحت بلادنا بذلك كما يعبّر عنها من خلال البيانات والرسائل المشفّرة أو العلنية “أرض جهاد” و ميدانا مفتوحا لكلّ الاحتمالات.

ويضيف الخبير أنّ الإرهاب في بلادنا أصبح واقعا لا نختلف فيه ويجب أن نقرّ به، فتونس أصبحت في الدائرة الإقليمية الواسعة للإرهاب وفي الدائرة الدولية الأوسع له، والتهديدات الّتي نتعرّض لها هي من الداخل عبر الخلايا النائمة الّتي تحاول الاستيقاظ وكذلك من الخارج.

ويشير الخبير الأمني إلى أنّ جلّ العمليات المتعدّدة من تفجير، وانفجارات عرضيّة تمّت بالصدفة وكذلك عمليات تهجير الشباب التونسي إلى سوريا وعمليات الشعانبي كلّها تدلّ على أنّ الإرهاب متجذّر فينا.

ويمرّ الإرهاب كما يذكر الخبير بمراحل انطلاقا من جسّ النبض لتتخّذ العمليات بعد ذلك شكلا تصاعديا. وجسّ النبض الّذي تعرضنا إليه بدأ من خلال العنف اللفظي ثمّ تحوّل إلى عنف جسدي على الفنانين والإعلاميين وغيرهم ليتطور فيما بعد إلى مرحلة أعمق وأخطر وهي مرحلة الاغتيالات والّتي يقول الخبير أنّه لولا الوقفة الحازمة لوحدات الأمن والجيش لكانت أعمق، وقد تتواصل لتصل ربما إلى مرحلة التفجيرات عن بعد فمرحلة المهاجمة الفعلية لمقرات السيادة والنقاط الإستراتيجية والحيوية واستخدام الأحزمة الناسفة، وهذا كلّه مبرمج ومدروس ويتماشى ومنهجية الإرهابيين.

والدارس للواقع، فلهذه العناصر الإرهابية منهجية معتمدة تاريخيا ولا تختلف من جهة إلى أخرى ولا يمكن فصل تنظيماتها عن بعض لأنّها مترابطة ومتلاحمة فلها نفس التمشي والتوجه والتخطيط والمنهج  ونفس السيرة والتركيبة الهيكلية وترتبط بقيادة مركزية واسعة وهي القيادة العالمية في تنظيم القاعدة (التنظيم الأمّ) وتتفرّع عنها عدّة خلايا كالتنظيم الّذي نجده في شمال إفريقيا وفي الساحل الإفريقي وفي الشرق الأوسط..الخ، وهي خلايا تتوحد وتتخذ نفس الأسلوب والهدف البعيد ألا وهو وبالأساس إقامة دولة خلافة تمتد من أفغانستان إلى المحيط ولذلك فهي تسعى اليوم إلى تغيير أنماط المجتمع بما يتلاءم ويسهّل لها مهمّة قيام هذه الدولة.

العناصر الإرهابية و الانتشار في مختلف المدن

حروب الإرهاب وفق الخبير هي نفسية بالأساس ويلعب فيها الجانب النفسي دورا كبيرا لذلك يعمد الإرهابيون إلى اعتماد استراتيجيات تؤثّر على الرأي العام فمثلا عند التنفيذ ولمحاولة التشكيك في مجهودات قوات الآمن وتشتيتها يسعى الإرهابيون إلى الانتشار والتغلغل في كامل تراب الجمهورية، وهذا جانب تكتيكي مهم جدا، وقد يعمدون في بعض الحالات إلى ضرب مواقع متعدّدة في ذات الوقت لفرض صعوبة الملاحقة وتشتيت مجهودات رجال الأمن وأيضا لخلق أكثر ما يمكن من حالات الهلع والفزع في نفوس المواطنين والتأثير على الرأي العام وإقناعه بوجودهم وبمدى قدرتهم على السيطرة والتمركز والتغلغل في كامل البلاد.

هل تختلف عملية قبلاط عن عملية الشعانبي؟

يعتبر علي الزرمديني أنّ ما رأيناه في منطقة  قبلاط من ولاية باجة يختلف اختلافا كليّا عمّا شاهدناه في منطقة الشعانبي لاعتبار العامل الميداني والطبيعي وكذلك عامل السكان.

فالشعانبي وضعية طبيعية معقدة على مستوى التركيبة الجغرافية، على مستوى التضاريس، على مستوى طبيعة المنطقة وحتى من حيث الكثافة الغابية واتساع الرقعة الجغرافية بينما منطقة قبلاط هي آخر عنقود طبيعي في سلسلة جبال خمير.

كما أنّ العامل البشري وطبيعة آهالي المنطقتين تختلف فمنطقة القصرين وإن ساند بعضهم رجال الأمن في مهمتهم للقضاء على الإرهابيين فإنّ فئة من المهربين المتواجدين بالمنطقة والّذين يعرفون جيّدا المسالك والمخابئ ومحيط الجبال كانت إمدادا خلفيا للجماعات الإرهابية المتحصّنة بالجبال وهذا ما ساعد على استمرارية تواجد هذه العناصر، بينما أهالي قبلاط والّذين هم فلاحون بالأساس تضامنوا مع عناصر الأمن وأبلغوهم المعلومة.

ويشير الخبير أيضا إلى جانب مهم جدّا لا يمكننا أن نغفل عنه وهو أنّ الإرهابيين جعلوا من جبال الشعانبي مخيّما ومركزا للتدريب وقاعدة خلفيّة لضرب الجزائر والعمق التونسي، فيما توجّه آخرون نحو المدن والتمركز خلف مدينة باجة لإرباك الواقع الأمني في المنطقة اعتبارا لأهميتها وإستراتيجيتها ولتنفيذ خطّة معيّنة وهي الابتعاد عن الجبال والتمركز حول المدن لخلق فضاء يسمح لتحرّك الأطراف المتحصّنة بالجبال.

الإرهاب واقع في تونس ولا علاقة للعمليات الإرهابيّة بالأحداث الوطنيّة

يرى الخبير الأمني علي الزرمديني أنّه يخطأ من يربط ما يجري من أحداث إرهابية بمسألة الحوار الوطني أو أيّ أحداث وطنية أخرى قائلا أنّ الإرهاب أصبح حقيقة وواقعا في تونس لا يحركّه غير المنتمين إليه ومن يغمضون أعينهم عنه بهدف ضرب بلادنا في العمق وخلق الفوضى والهلع وجعل تونس تتخبّط في مشاكل غير المشاكل على حدّ تعبيره .

ويضيف أنّه لا يمكننا أن نضرب هذا بذاك وإنّما علينا أن نعيش بأكثر يقظة وانتباه وجرأة على مواجهة الإرهاب.

ويشير الزرمديني إلى أنّ الهدف من ضرب استقرار البلاد ليس وليد اليوم بل كان موجودا ومع ذلك كانت توجد طرق وآليات للتصدي له وكانت هناك منظومات أمنية قائمة ومتماسكة الّتي بإرادة سياسية جعلت المواجهة محدودة وحقّقت نجاحات كما حدّدت المسؤوليات، لكنّ الفراغ السياسي اليوم وضعف هياكل الدولة وتشتتها بحسب تعبير الخبير فسح المجال للإرهابيين للتحرك بأكثر فاعلية وانتشار.

هل تونس قادرة اليوم على مواجهة الإرهاب ولها المعدات الكافية لذلك..؟ وماذا علينا فعله؟

على خلاف ما يشاع من أنّ الجيش التونسي يفتقر للمعدات يقول علي الزرمديني أنّ جيشنا  مجهز تجهيزا كاملا و له من العتاد والعدّة والتدريب ما يكفي وزيادة كما ورد على لسانه. ويضيف أنّه يخطأ من يقول أنّ الجيش قد وقع تهميشه طيلة خمسين سنة قائلا أنّه انبنى على قواعد مهمة وسليمة تراعي إمكانيات البلاد، وعلى خصوصيات تونسية وكمؤسسة دفاعية لا هجومية بما أنه لم يكن لدينا من يهاجمنا وهو مجهز بأحدث التجهيزات.

أمّا بالنسبة لقوات الأمن الداخلي فهي تفتقر إلى عديد التجهيزات إلّا أنّ الوحدات الخاصة المكلفة بمقاومة الإرهاب لها من التجهيزات ومن التدريبات ومن حسن إدارة الأزمات بحرفية وحنكة ومقدرة ما جعل لعديد الفرق المختصّة التونسية صيت وبعد عالمي. بقي أنّ عامة الوحدات تفتقر إلى الإمكانيات وإلى الضروريات، وإذا أردنا أن نفرض اليوم الأمن وسلطة القانون وعلويته يجب أن لا نتقشف في مجال الأمن لأنّ الأمن يؤثّر مباشرة على الاستثمار والتنمية على حدّ قول الخبير.

وعموما يؤكّد علي الزرمديني أنّه لدينا من الإمكانيات والكفاءات ومن المقدرة الأمنية ما يجعلنا قادرين على السيطرة على الإرهاب لأننا نعرفه جيّدا. وما علينا اليوم سوى أن نتكاتف ونتضامن جميعا فالمسألة ليست أمنية فقط بل مسألة شعب ومقومات شعب والدفاع عن حضارة شعب، ودون معاضدة هذا الشعب ومساندته للمؤسسة الأمنية فسيبقى عملها مبتورا ومنقوصا. كذلك يقول الخبير أنّ للمجتمع المدني وللساسة دور مهمّ فبدون إرادة سياسية صادقة وواضحة ويمكنها المقاومة لا يمكننا مواجهة هذا الداء.

أمّا إقليميا فهناك تنسيق محكم بين تونس والجزائر لأنّ الأمن القومي الجزائري من الأمن القومي التونسي والعكس صحيح والسلط الجزائرية تدرك ذلك جيّدا وتعمل عليه ومثلما كنا سندا للشقيقة الجزائر فهي سند لنا أيضا على حدّ تعبير الخبير.

ويختم علي الزرمديني حديثه بأنّنا قادرون على مواجهة الإرهاب مذكّرا أنّه مشروع دولي وحلقات مترابطة متكاملة ومتفاعلة متّحدة إقليميا ودوليا، لها نفس التنظيم وإن اختلفت الأسماء ولا فرق بينها من بلد إلى آخر، ومشدّدا على أنّ المسألة تبقى مرتبطة بتكاتف الجميع وتعاونهم لصدّ هذه الظاهرة.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

المرسوم عدد 55 لسنة 2022: تخوفات من خسارة المرأة التونسية لمكتسباتها

فادية ضيف كان اختيار تونس عاصمة “المرأة العربية ” لسنتي 2018 و 2019 و عاصمة …