هدى القرماني
عمليات ارهابية متتالية عاشتها بلادنا هذه الفترة كانت آخرها عملية جندوبة والتي راح ضحيتها عدد من أبناء هذا الوطن..
عن هذه العملية وعن الخلايا الارهابية ومخططاتها وعن امكانية تكرار السيناريو الجزائري في تونس وتأثير الوضع الليبي على بلادنا ومسألة التوقي من هذه العمليات والتسلل عبر الحدود وغيرها من المسائل حدّثنا الخبير الأمني علي الزرمديني.
عملية جندوبة منتظرة ونتوقع المزيد من العمليات
تعليقا على العملية الارهابية الأخيرة بجندوبة يقول الخبير الأمني علي الزرمديني أنّ هذه العملية هي منتظرة في كل الحالات وفي كل الأوقات وأنّنا نتوقع عمليات أخرى في المستقبل.
ويرى العقيد الزرمديني أنّ معنى هذه العملية ليس في وقوعها في حد ذاته بقدر ما هو في كيفية تنفيذها مضيفا أنه لا طالما صرّح بأنّ العمليات الارهابية لها نفس النص على حد قوله.
ويوضّح الخبير أنّ ما وقع في البلدان التي شهدت طفرة في العمليات الارهابية من سيناريوهات هو بصدد الإعادة وسيعاد بنفس الشاكلة وبنفس المنهج وبنفس المقاييس مع تغيير الموقع المكاني فقط، لذلك يقول محدثنا أنه لا يستغرب حصول هذه العملية وحصول غيرها لأنه علينا قراءة واقع الدول الأخرى التي واجهت الارهاب.
ويتابع الزرمديني أن تونس أصبحت أرضا مفتوحة وأن الارهاب يعيش بيننا وبجانبنا وما تحقق من نجاحات لا يغطي هذا الواقع لأن الجبهة الارهابية بفصائلها وان خسرت العديد من المعارك فالمعارك مع الارهاب كر وفر. ويعتقد الخبير أنّ هذا الكر والفر سيتواصل على مدى بعيد لأن هذه الأطراف الارهابية وجدت في ظرف معين وفي زمن معين كما أن هناك جانبا تاريخيا بينها وبين تونس وكذلك بينها وبين الجزائر وبين المنطقة عامة ولذلك فهي من حيث المبدأ ستسعى بكل السبل لإثارة البلبلة والقلاقل على مر الساعات وعلى مر الأيام و الأشهر… ولن تبقى مكتوفة الأيدي أمام الهزائم التي تتعرض لها وستحاول خلق جانب من الفوضى الخلاقة التي هي مجال واسع يتحركون فيه.
ويعتبر علي الزرمديني عموما أن العملية الارهابية في جندوبة ليست ردة فعل على عملية رواد بقدر ما هي عمليات مسترسلة الغاية منها زعزعة النظام وادخال الدولة في صراعات داخلية لخلق القلاقل والمشاكل حتى يهتز كيان الدولة وإقامة ما يصبون إليه في الأخير وهو إقامة دولة أو خلافة إسلامية..
ويشدّد العقيد على أنه من الخطإ الفادح أن نحمّل اليوم السلطات الجزائرية أو أطرافا جزائرية ما يحصل لأنه ليس في صالح الجزائر أن يتواجد الارهاب في تونس والأمن القومي التونسي والأمن القومي الجزائري شيئان متلازمان مرتبطان وبالتالي انهيار المنظومة الأمنية التونسية هو انهيار للمنظومة الجزائرية والعكس بالعكس ومن يتبنى هذا التحليل فهو يشكك في الدولتين..
ويوضّح الخبير أن تكون هناك أطرافا جزائرية في عملية جندوبة فهذا طبيعي جدا لأن هذا التنظيم هو عالمي اقليمي لا يعرف حدودا أو دولة وعملية عين أميناس مثال على ذلك حيث شملت جنسيات مختلفة..كما تواجدت كل الجنسيات في ما يسمونها بالحرب الجهادية في سوريا وكذلك في اليمن وفي غزة وفي مصر وفق قوله.
الخلايا الارهابية تحاول اثبات وجودها واعطاء دفع معنوي للعناصر التي أصابها الاحباط
وإجابة عن ما يبرر تسارع العمليات الارهابية خلال هذه الفترة رغم تعيين حكومة جديدة والدخول في نوع من الاستقرار السياسي قال علي الزرمديني أنّ هذه العناصر تسعى من جانب إلى ارباك الحكومة الجديدة واظهار أن الارهاب ليس صنيعة أو مرتبطا بأي حكومة من الحكومات السابقة بل انه واقع ويمكن أن يكون مع أي حكومة ومع أي شخص أو طرف..و قد تكون هذه رسالة توجهها هذه الأطراف حسب الخبير..
ومن جانب آخر وبحكم الإطار العام والضربات التي تلقتها هذه الجماعات فهي من خلال عملياتها المتتالية هذه الفترة تريد إعطاء دفع معنوي للعناصر المنتمية اليها والتي أصابها نوع من الاحباط والوهن بغاية حصرها وأن تثبت أنها لازالت قائمة وموجودة ويمكنها التحرك كما يجب وفي أي موقع تختاره وتحدده وأن تقوم بتسديد ضرباتها.
وعلى مستوى آخر وأمام ما يحدث في ليبيا وصراع القيادات التي في فترة من الفترات سعت إلى التوحد بإيعاز من أيمن الظواهري وتواجدت في الصحراء الليبية وحاولت أن تلتحم وتتوحد واليوم بحكم الضربات التي تلقتها هذه العناصر في ليبيا عادت الخلافات بين القيادات من جديد بل أصبحت القيادة غائبة (ومع ذلك موجودة) ولم نعد نسمع بتهديدات كروكودال أو تهديدات أبي عياض أو أبي الهمام والعديد من العناصر القيادية الأخرى..وفي غياب التعليمات من القيادات فهذه الخلايا أصبحت تتصرف وتتحرك بطريقة فردية ولديها حرية التصرف حسب ما يراه كل طرف وحسب الهدف الذي يحدّده…وهذا واحد من السيناريوهات الممكنة والذي تعيشه هذه الجماعات اليوم.
العناصر الارهابية: عقليتها ومخططاتها وأساليبها
يشير الخبير إلى أنّ هذه الأطراف الارهابية لها تكوين عسكري عميق وتدربة عسكرية عالية تمرست في العديد من المواقع وفي عديد بؤر التوتر على السلاح والذخيرة الحية وعلى كل قواعد الحرب وكل القواعد العسكرية التي تسعى إلى تطبيقها أثناء قيامها بهذه العمليات.
ويفيد العقيد بأنّ هذه الأطراف تحمل عقلية الاغتيال والتدمير والأحزمة الناسفة والتفجيرات والسيارات المفخخة وعقلية الاعتداء على المؤسسات العامة والخاصة والاعتداء على المواطنين في تجمعات وخلق البلبلة و القضاء على كل من لا يساندها ولها أيضا عقلية الاختطاف للمقايضة و الاعتداء على السجون لاطلاق سراح العناصر التي تنتمي إليها.
أما العقلية التي أصبحت عقيدة وليست فقط إستراتيجية تعتمدها في كل عملياتها مهما كانت نوعيتها فهي التضليل في تنقلاتها وتحركاتها.
وتتمثل هذه العقلية في تدليس الوثائق وتغيير ملامح الوجه وتغيير اللباس من أفغاني إلى افرنجي واليوم نشاهد عمليات بزي نظامي عسكري على حد قول الخبير منوها بأنه لطالما نبه في السابق من وجود الزي النظامي العسكري في محلات بيع الملابس سواء القديمة أو الجديدة أو من خلال عمليات التهريب وارتدائها من قبل المواطنين العاديين وهو ما يمثل خطرا لأنّ مقاومة الارهاب وفق الخبير تنطلق بدراسة وبالقضاء على بعض الجزئيات التي تمهد للعمليات الارهابية ومن بينها اللباس الذي رأيناه اليوم عاملا من عوامل التضليل والمغالطة التي خلفت أثرا وواقعا..
ويشير الخبير إلى أنّ هذه الأطراف تعتمد ارتداء النقاب و أيضا على العنصر النسائي الذي يرتدي هذا النوع من اللباس للقيام بعمليات الاسناد..وكل هذا الإطار حسب العقيد يجعل هذه الأطراف تتنقل وتتموقع بسهولة إلى جانب استغلالهم لبعض الثغرات الاجتماعية ككراء المحلات بحكم الغزارة المالية لديهم وارتباطهم كذلك بشبكات تمكنهم أيضا من التضليل أو التخفي أو من التستر لوقت معين في محلات وفي مخابئ أو في مواقع معينة.
كما تعتمد هذه العناصر في بعض عملياتها ظاهرة الحواجز الوهمية والتي تواجدت كثيرا في العراق وفي سوريا وفي اليمن وفي الجزائر وغيرها من البلدان التي عاشت تجربة مع الارهاب.
عمليات التسلل عبر الحدود ممكنة جدا
في رده على من يتساءلون كيف يمكن للعناصر الارهابية أن تتسلل من الحدود بهذا الحجم لتنفيذ مخططاتها الارهابية يقول الخبير أن عمليات التسلل تقع في أي دولة في العالم مستشهدا بالولايات المتحدة الأمريكية والأحزمة الوقائية بكل أشكالها التي وضعتها في حدودها مع المكسيك ومع ذلك فالتسربات والتسللات بين المكسيك وامريكا تتم بالمئات والآلاف يوميا كما يعلن محدثنا.
ويقول الخبير أن من يطرحون هذا التساؤل لا يفهمون طبيعة الحدود إذ أن عمليات التسلل ممكنة جدا خصوصا إذا ما وجدت هذه الأطراف التي تعتمد التخفي والتستر عناصر اسناد تدعمها سواء للعبور أو للاختفاء أو للتخفي وادخال الأسلحة عبر الحيوانات أو عبر العنصر النسائي أو اخفاء الأسلحة في مناطق غابية أو صحراوية ثم العودة اليها وغير ذلك..
هل تنظيم أنصار الشريعة حقا وراء هذه العمليات..؟
لطالما تمّ ربط العمليات الارهابية التي وقعت في تونس بتنظيم أنصار الشريعة وعن مدى صحة هذه الاتهامات يجيب الخبير الأمني أنه سواء كان تنظيم أنصار الشريعة أو غيره من الكتائب وراء هذه العمليات اليوم، وان كانت انصار الشريعة هي الجبهة الأكثر صلابة والأكثر تحركا وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالقاعدة في المغرب الاسلامي المرتبطة بدورها بالقاعدة الأم والتي يرؤسها حاليا أيمن الظواهري، فهم جميعا وان اختلفت التسميات في نفس المسار ونفس الاتجاه وهي في منظورنا جماعات ارهابية لها تنظيم عنقودي كما جاء على لسان العقيد.
“أمام الأمن القومي لا تحدثونني عن حقوق الإنسان”
“أمام الأمن القومي لا تحدثونني عن حقوق الإنسان” قولة للوزير الأول البريطاني يستشهد بها الخبير الأمني علي الزرمديني للتأكيد على أنّه أين يتواجد الارهاب تتقلص نسبيا حرية الإنسان. حيث انه أمام المخاطر التي تصبح تهدّد كيان الدولة وكيان المجتمع يتم وضع قوانين استثنائية من شأنها ان تحد من حرية الشخص وتقلص من حقوقه ونصبح بالتالي في هذه الحالة وفق الخبير لا نتحدث عن حقوق الإنسان بل عن ما هو أهم وهو أمن البلاد وسلامة التراب والوطن وحماية المجتمع.
السيناريو الجزائري لا يمكنه أن يتكرر اليوم في تونس
بالرغم من أنّ عملية جندوبة هي شبيهة بعديد العمليات التي وقعت في الجزائر في تسعينات القرن الماضي إلا أن الخبير يستبعد أن يتكرر السيناريو الجزائري في تونس اليوم قائلا أنه لازال بعيدا عنا.
ويبرر علي الزمديني ذلك بأنه ليس لدينا نفس الواقع ولا نفس الأرضية التي مهدت لتفشي الارهاب في الجزائر كما انه ليس لدينا نفس الواقع الاقتصادي والاجتماعي ولكن يؤكد الخبير أن هذه التنظيمات تعتمد نفس الاسلوب ونفس المنهج ونفس الطرق في عملياتها الارهابية مهما اختلف المكان و الزمان ولذلك فعلينا أن نقرأ ونضع في حسابنا أن كل الأشكال الارهابية واردة بالطرح..
ويضيف محدثنا أن هذه الخلايا تسعى للضرب بقوة وأن ترد الفعل بقوة أيضا ودموية لتأخذ بعدا إعلاميا مهما يمكنهم استغلاله للاقرار بوجودهم وهم يعتبرون ذلك نصرا لهم.
ليبيا تسير نحو حرب أهلية وهذا سينعكس على المنطقة بأكملها
يصف الخبير الأمني الوضع الليبي بالمأساوي والمقلق ويقول أنّ انعكاسه كبير جدا على المنطقة ككل..
ويضيف العقيد أن ليبيا اليوم تسير رويدا رويدا نحو الحرب الأهلية في غياب الدولة وفي غياب المؤسسات وفي ظل وجود أجنحة تتنازع على النفوذ وعلى السلطة وعجز الحكومة القائمة حاليا على تكوين جيش موحد وعلى سحب السلاح من الميليشيات التي تسيطر على مفاصل الجهات سواء الاقتصادية أو ما تبعها.. بل انه يعتبرها قد دخلت فعلا في هذه الحرب الأهلية الانتقامية.
ويعتبر الخبير ليبيا اليوم أفغانستان جديدة و بؤرة للارهاب والارهابيين فالقاعدة التي تم ضربها في شرق آسيا وفي مواقع عديدة في آسيا وجدت في غياب دولة في ليبيا المكان الآمن والأرضية السانحة لتجميع قياداتها و تحركاتها ولوضع مخططاتها أو استراتيجياتها واجتماعاتها السرية.
وهذا التحول العميق في ليبيا من شأنه حسب الخبير أن يخلق قلاقل متواصلة وممتدة لكامل المنطقة.
وأمام التأثيرات الكبيرة الممكنة لهذا الوضع على كل دول المنطقة يؤكّد الخبير أنّه علينا أخذ الأمور بأكثر حزم وجدية والتعويل أكثر ما يمكن على أنفسنا قبل التعويل على الغير لمساعدتنا.
خطة مقاومة الارهاب واضحة ومنظومة الحدود واضحة ويجب تفعيلهما بقوة
يشير الخبير إلى أن مقاومة الارهاب والتوقي من الارهاب هو عمل استباقي بالأساس فقبل أن يقع التدخل مثلما وقع في رواد الذي هو آخر الحلول و أخطر الأشياء ولا يجب أن نصل إليه، علينا منذ البداية أن نقوم بعمليات استباقية توصلنا إلى هذا الواقع أو إلى معرفة المصدر أو هذه الفجوات التي قد تحصل.
ويرى الخبير أنّه علينا أن نمنح متساكني الحدود ثقتهم في أنفسهم وأن نشعرهم بأنهم العين الساهرة الأولى على حماية وسلامة هذا التراب. كما يجب أن نعود أكثر ما يمكن إلى المخبرين والمرشدين وكذلك أن نفعّل منظومة الحدود التي تشترك فيها كل الأطراف المتواجدة على الحدود وكذلك تفعيل شبكة الاستعلام والاستخبار بكيفية تكون في أقصى درجاتها. وإضافة إلى ذلك نحتاج اليوم إلى وسائل فنية مهمة جدا في الرصد والترصد وقوة استطلاعات كبيرة دائمة مسترسلة فنيا وجويا وغيره.
ويختم الخبير بالقول أن خطة مقاومة الارهاب واضحة ومنظومة الحدود واضحة يجب تفعيلها بقوة ويجب التنسيق أكثر ما يمكن وبصفة متواصلة بين الدول المتجاورة..وهذه هي العناصر الأساسية التي يمكن بها افشال عمليات التسلل التي قد تأتي..