النائب محمد البراهمي: حركة الشعب مخترقة وبعضهم يريدها موالية للسلطة

حاورته هدى القرماني

سياسي قومي ناصري من بين مؤسسي حركة الوحدويين الناصريين والتي كانت تعمل سريا، أسّس حركة الشعب إثر الثورة واليوم ينسحب منها لتأسيس التيار الشعبي.

التقينا به لمعرفة أسباب هذا الانسحاب وللتطرق معه إلى عدّة مواضيع مطروحة على الساحة اليوم وأخرى متعلقة بالجبهة الشعبية والدعوة إلى حل المجلس الوطني التأسيسي والحكومة الحالية وتعويضها بحكومة إنقاذ وطني إلى جانب الأزمة داخل التيار القومي في تونس اليوم…

عن كل هذه المسائل وغيرها كان حوارنا مع النائب محمد البراهمي.

انسحب مؤخرا النائب محمد البراهمي من الأمانة العامة لحركة الشعب فما الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار..؟

عرفت حركة الشعب عطالة سياسية وتنظيمية وارتباكا في الموقف السياسي ووجد مناضلوها أنفسهم غير قادرين على الانخراط بجدية في المعركة الحاصلة اليوم بين القوى المنتصرة للثورة من جهة وبين القوى التي ليست لها مصلحة في انتصار هذه الثورة. ووجدنا أنفسنا أمام خيارين إمّا الاستمرار في معالجة الوضع داخليا وهو ما سيحملنا كلفة عالية أو الانسحاب وترك الجمل بما حمل وادّخار الجهود للانخراط في المعركة الوطنية، وفضّلنا الخيار الثاني رغم صعوبته على المستوى النفسي والوجداني ولكننا اعتبرناه الحل الأسلم لتجنب صراعات ننأى بأنفسنا عنها.

وما أساءنا أكثر إلى جانب هذه العطالة أنّ هذه الحركة أريد لها أن تكون في خانة الأحزاب السياسية المساندة للسلطة وفي أقصى الحالات مساندة نقدية لها أو الاعتراض عليها بتحفظ.

ذكرت أن الحركة عرفت عدّة اختراقات فما حقيقتها..؟

نعم هي مخترقة سياسيا وربما تنظيميا وما حدث في تطاوين والمتعلق بالمشاركة في المسيرة تنظيما وحضورا مع حركة النهضة والتي انتهت بمقتل لطفي نقض دليلا على هذا الاختراق. وهذه العملية تمت من قبل بعض العناصر المنتسبة لحركة الشعب، والتي تريد أن تكون قريبة في تصوراتها وأطروحاتها ومواقفها من حركة النهضة، بمحض إرادتها دون الرجوع إلى قيادات الحزب، واعتبرنا هذه المسألة في غاية من الخطورة ولذلك قمنا بتجميد عضويتهم.

أمّا المسألة الثانية والتي تبيّن جليّا وجود اختراقات داخل الحزب تتمثّل في تسريب أخبار الحركة إلى وسائل إعلام معروف أنها مقربة من حركة النهضة قبل حتى انعقاد اجتماعات واتخاذ قرارات بشأنها وهذا تمّ في أكثر من مناسبة.

وباختصار شديد تريد حركة النهضة لحركة الشعب أن تكون تابعة لها وفي فلكها وهو ما يساندها فيه جزء من حركة الشعب معتبرين إياه الحلّ الأسلم.

وفي المقابل هناك توجه ثان في الحركة له مقاربة مختلفة ويعتبر أنّ حركة النهضة هي رأس جسر للتنظيم الإخواني العالمي في تونس وأنّنا لسنا في مواجهة سياسة حركة النهضة بقدر ما نحن في مواجهة أخطبوط عالمي متقاطع مع دوائر الدول الكبرى ومتقاطع حتى مصلحيا مع الحركة الصهيونية، ويعتبر أنّ مواجهة هذا التنظيم وسياسته في المنطقة مسألة في غاية الأهمية لأنّ نجاحه يعني تدمير لرؤية مجتمعية ولمشروع مجتمعي عملت من أجله القوى الوطنية طيلة أكثر من نصف قرن بصرف النظر عن أخطائها وعن الاخفاقات التي وقعت. ولذلك استحال أن تتعايش هذه الرؤى فآثرنا الانسحاب في هدوء.

اختلفتم داخل الحركة حول مسألة الانضمام إلى الجبهة الشعبية..؟ فلماذا رفضت بعض عناصر حركة الشعب هذا الانضمام؟

الخلاف انبنى على المقاربة التي كنت أذكرها، وقيام الجبهة الشعبية ومصداقيتها وقوتها وما تقوم به من أنشطة لا يسمح بتنفيذ المشروع الإخواني لذلك عملوا على إضعافها وعلى محاصرتها من الداخل والخارج وتشويهها وتشويه قياداتها حتى لا تمتد. وحركة الشعب تمّ اختراقها من الداخل وأيضا تمت مهاجمتها من الخارج.

تقومون بتأسيس حزب جديد يحمل اسم التيار الشعبي، فما هي أهداف هذا الحزب وعلى ماذا سيرتكز برنامجه..؟ وهل سيبقى منضما إلى الجبهة الشعبيّة..؟

قمنا بتأسيس عنوان جديد نأمل أن يكون مساهما جديا في هذه المعركة الوطنية ونأمل أن يكون إضافة نوعية في المشهد السياسي. وأعتقد أن هذا الحزب الجديد واعد لأن المناضلين الّذين قرّروا تأسيسه يعرفون بعضهم منذ سنوات الجمر وكانوا مناضلين من طراز رفيع على مستوى مصداقيتهم وأدائهم ووضوحهم وصلابتهم السياسية والفكرية. كما أنه من ناحية ثانية تجمعنا نفس الرؤية السياسية المتمثلة في التخلصّ من عبء القيود الإيديولوجية الصارمة التي لم تستطع حركة الشعب التخلص منها والتي كانت عائقا أمام امتداد الحركة وانتشارها في أوساط الشعب في حين أنها حركة الشعب، وخاصة فهم بعض منتسبيها للإيديولوجيا أو المقاربات التي تبنّوها لاسيما بعض الفاعلين في صناعة القرار في الحركة، وهي مقاربات لا تتلاءم مع هذه الظروف ونعتقد أنها ليست هذه الإيديولوجيا الناصرية التي نفهمها نحن فهما تقدميا لا نصيّا.

ونحن الآن لنا أفكار عامة ولم نصغ بعد برامجنا لأننا نريد أن يكون هذا الحزب مفتوحا على كل القوى الوطنية التي تؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية التي يدخل فيها موضوع الالتزام بتحقيق الوحدة العربية، لأنه لا معنى لسيادة وطنية ولا لديمقراطية ولا لعدالة اجتماعية ونحن مجزؤون. وهذه روح برنامجنا وسنتشاور في باقي التفاصيل فيما بعد.

أما فيما يتعلق بمسألة الانضمام إلى الجبهة الشعبية فنحن ذكرنا في البيان الّذي أصدرناه مؤخرا أنّ النشيطين من حركة الشعب في الجبهة سيظلون منخرطين فيها باسم التيار الشعبي.

في اعتقادك فيما تتمثل أزمة التيار القومي في تونس..؟ وهل بإمكانه المنافسة على الساحة السياسية الآن..؟

في الواقع عجز التيار القومي عن بناء أداة تنظيمية واحدة وعن تجاوز التعدد التنظيمي، وكنا نعتقد أن الأزمة تنظيمية فاكتشفنا أن المشكل في القراءة والخيارات السياسية وهناك مشكل حتى في الفكر ذاته وهي مشكلة ايديولوجية، فنحن لنا من له رؤى أرتودوكسية سلفية تؤمن بحرفية النص ولا تؤمن بالتأويل ولا تفهم أن النصوص التي كتبت في الخمسينات وفي الستينات قد عفا عليها الزمن وأننا اليوم في حاجة إلى قراءات أخرى بنفس الروح، فالمعطيات قد تغيرت وكذلك انتظارات الشعوب وأهدافها وأدوات العمل والمعارف والعلوم توسعت وعدم الاستفادة من كل هذه التراكمات التاريخية التي وقعت من أجل أن نطوّر فكرنا فيصبح منسجم مع انتظارات الشعوب التي نريد المساهمة في تطويرها يعتبر عيبا كبيرا وهي من بين الأسباب التي جعلت التيار القومي يراوح مكانه ولم يستطع أن يكون في مستوى اللحظة التاريخية رغم تواجد مناضلين أفلاذ داخله لهم استعداد عال جدّا للعطاء بلا حدود، وإذا لم نفهم أنه يجب علينا التخلص من هذه الرؤية الضيّقة فلن نستطيع المساهمة في المعركة الوطنية والقومية ولا في بناء مجتمعاتنا و إنقاذ بلادنا خاصة في هذه المرحلة.

عديد التحالفات اليوم بصدد التصدّع والانقسام فإلى ماذا ترجع هذه الظاهرة عموما..؟ وهل بإمكان الجبهة الشعبية أن تصمد ولا تشهد مثل هذه التصدعات خاصة وأنها تحمل هذا الكمّ من الأحزاب..؟

المشهد لم يستقر بعد فنحن عشنا زلزالا بسقوط نظام بن علي والآن نعيش مرحلة الرجات الارتداديّة ولا نعلم متى ستنتهي وقطعا لن تنتهي إلا بالبدء في تحقيق أهداف الثورة وأوّلها وجود سلطة سياسية تعبّر عن الشعب ومستعدة لتنفيذ البرنامج الوطني الّذي يلبي انتظاراته.

وبالنسبة للجبهة الشعبية فهي استحقاق وطني بصرف النظر عن مكوناتها وقد تنسحب منها بعض المكونات وقد تنضمّ إليها أخرى ولكنها تظلّ كتوجه وخيار لابد منه لأنّ البلاد مدفوعة دفعا نحو استقطاب ثنائي حادّ وخطير بين حركة النهضة وتوابعها أي برنامج الإخوان المسلمين وبين “التجمع” والنظام القديم الّذي هو بصدد التشكّل في تحالفات ومجموعات سياسية، ولعلّ اجتماع الأسبوع الفارط بقيادة رئيس الحكومة الأسبق السيد حامد القروي دليلا على ما نقول.

وهذا الاستقطاب الثنائي إن كتب له النجاح سوف يقضي على الحياة السياسية وسوف يعيد لنا نموذجا آخر من الاستبداد ربما يكون أخطر من الاستبداد الّذي عشناه مع بن علي، و لذلك وجود الجبهة الشعبية هو للحدّ من الآثار السلبية لهذا الاستقطاب الثنائي حتى تتوفر للمواطن فرصة الاختيار. وقد تخلق الجبهة التوازن على الساحة السياسية وتستفيد أيضا من التناقضات القائمة بين هذين الجهتين من أجل أن تستقطب الرأي العام وتقدم البديل والحلّ في الظروف الراهنة ولذلك أنا أقول أنّها لا تزال صاعدة ولكنّها واعدة. ونأمل أن توجد أقطاب أخرى على الساحة حتى يخلق مزيدا من التوازن فعليا.

لننتقل إلى مسألة الدستور، في ظلّ الخلافات المتعدّدة حوله هل من الممكن الحصول على دستور توافقي؟

هذا مرتبط بمدى إذعان حركة النهضة إلى الإرادة الوطنيّة وتخلّصها من استراتيجية التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ومراعاتها للمصلحة الوطنية واعتبار أنّ مصلحة البلاد في الحصول على توافق وطني حول القضايا الكبرى ومنها الدستور، وأنّه لا مجال لدستور يخدم فئة أو تنظيما حزبيا أو مجموعة أحزاب فالدستور هو لكلّ التونسيين وفصوله ومبادئه الأولى صاغها التونسيون في المظاهرات من خلال الشعارات التي رفعوها والشعارات التي رسمت على الجدران في اعتصام القصبة 1 و2 وحتى التي وشمت على صدورهم ونحن في المجلس الوطني التأسيسي ليس لنا إلّا صياغة تلك الشعارات قانونيا. وإذا ما أذعنت حركة النهضة لذلك سننجز دستورا توافقيا وإن بقيت منخرطة في نفس التمشي فأعتقد أنها ستحاول فرض دستور يخدمها في المستقبل ويخدم مشروعها المجتمعي المستقبلي وتترك بعض الثغرات داخله لتأسيس منظومة قانونية تخدم ذلك المشروع.

وإجمالا بُذل مجهود كبير من أجل صياغة هذا الدستور وهو يحتوي في جزء كبير منه على ما كان ينتظره الشعب لكنه يحتوي أيضا على الكثير من النقائص والكثير من الألغام في التوطئة وفي باب الحريات وباب الهيئات التعديلية وباب العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية. وفي نفس السياق أعتبر أنّ باب الأحكام الانتقالية بدعة في القانون الدستوري تماما كالإعلان الدستوري الّذي قام به الرئيس المصري المعزول محمد مرسي. كما أنّ حذف جملة في التوطئة ،تحت الضغط، تتعرض إلى أن الحركة الصهيونية هي حركة عنصرية معادية للإنسانية ،وهو مطلب طالبنا به، ليس بريئا بالمرّة.

وبموجب هذا القانون الأساسي سنجد أنفسنا أمام أزمات لا حدّ لها وإذا لم تتمّ تنقية الدستور من كلّ هذه الشوائب فسيكون دستورا ملغوما ومصدر قلاقل أكثر منه مرجعا يعود إليه الناس عندما يختلفون.

وكيف ترى مدى التقدم في مناقشته..؟

لا نلمس تقدما، وقد أجرينا في السابق حوارا وطنيا أشرفت عليه المنظمات الكبرى في البلاد من الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة اتحاد الصناعة والتجارة والهيئة الوطنية للمحامين ورابطة حقوق الإنسان وبعد أكثر من 45 ساعة من النقاش لم نتوصل إلى شيء وتوقف الحوار لتعنت حركة النهضة، وكنا نأمل أن يؤجّل مشروع الدستور إلى الجلسة العامة حتى تحصل توافقات حوله لكنه مرّر ونحن اليوم نشهد نتيجة ذلك ونرى تواضع الحضور داخل قاعة الجلسات بالمجلس الوطني التأسيسي الذي يصل أحيانا إلى 50 و60 نائبا فقط من جملة 217 وهذا دليل على عدم الاهتمام وعدم الجدية.

هناك أيضا مسألة ثانية مرتبطة بتنظيم العمل داخل المجلس ففي الوقت الّذي كنا نحتاج فيه الدخول في مناقشة الدستور ونحن نحمل أكثر ما يمكن من التوافق، يمرر قبل المناقشة بيومين مشروع قانون تحصين الثورة الّذي خلق حالة من التوتر ومن التجاذب الحاد ونوقش المشروع نقاشا عاما ثمّ وضع على الرفّ ولم يحسم فيه لا بالسلب أو الإيجاب، وقد أسميت هذا القانون بقانون “البقشيش السياسي” والغاية منه السمسرة والابتزاز، وقبله بيوم تقدموا بلائحة إعفاء رئيس الجمهورية والهدف منها هو الضغط على كتلة المؤتمر حتى تعدّل موقفها إلى جانب حركة النهضة فيما يتعلق بقضايا الدستور.

ومن يريد أن يصل إلى توافق وحلول للأزمة الحادة التي نعيشها لا يستخدم مثل هذه الحيل وهذه الأساليب. وفي اعتقادي توخيهم لهذا الأسلوب يرجع لرغبتهم في إطالة أمد الفترة الانتقالية إلى أقصى حدّ ممكن، وهذا ما يخيف التونسيين اليوم ويجعلهم قلقون بشأن مصير البلاد و جعل القوى الوطنية اليوم تبحث عن صيغ للبحث عن سبل إنقاذ البلاد من المأزق الذي وضعت فيه.

بوصفك عضوا في لجنة الفرز أين وصلت أعمال اللجنة ولماذا لم تشكل أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى حدّ هذا اليوم..؟

لجنة الفرز هي متعطلة لأن حركة النهضة لا تريد لها أن تتقدم وتعترض على بعض الأسماء التي منها شخصيات وطنية مشهود لها بالكفاءة مستغلين مسألة التوافق التي لا تتم إلا بثلاثة أرباع اللجنة.

وإذا لم نتوصل إلى توافق حول هيئة مستقلة للانتخابات والتي كان من المفترض أننا وصلنا إليها في مارس الفارط فذلك يعني أن الانتخابات لن تقع في الآجال.

ناقشت مؤخرا الجبهة الشعبية وحركة نداء تونس المبادرة التي نادت بحلّ المجلس الوطني التأسيسي والحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، فإلى ماذا توصلتم..؟

تقدمت الجبهة الشعبية خلال الندوة الوطنية التي عقدتها بمدينة سوسة يومي 1 و2 جوان بمبادرة سياسية قائمة على أربع نقاط من بينها التباحث مع القوى السياسية من أجل خلق ائتلاف وطني واسع لإنقاذ البلاد وبعد مشاورات مع القوى السياسية والمجتمع المدني مؤخرا توصلنا إلى عقد اجتماع حضرته عديد الأحزاب من مكونات الجبهة ومن مكونات الاتحاد من أجل تونس وأيضا من أحزاب من خارج هذه التكتلات ومن بعض مكونات المجتمع المدني، وتوصل المجتمعون إلى فكرة عقد مؤتمر وطني للإنقاذ يتم فيه التداول حول أزمة البلاد وسبل الخروج منها. وقد أجمع أغلب الحاضرين خلال النقاش على أن المشكل بدأ في المجلس الوطني التأسيسي الّذي أصبح عبء على الحياة السياسية وعلى الانتقال الديمقراطي وعلى الثورة ولا بدّ من البحث عن الحلّ. وهناك من دعا إلى حلّه وهناك من دعا إلى تخليصه من ارتهانه لحركة النهضة وهناك من دعا إلى ضرورة تفعيله وغير ذلك. وعموما هناك قلق كبير بخصوص المجلس التأسيسي لأنه فقد مصداقيته وتآكلت شرعيته وليس عيبا في تغيير هذه المؤسسة.

ولكن هل ترون أن حلّ المجلس التأسيسي والحكومة الحالية الحلّ الوحيد اليوم..ألا توجد وسائل ضغط أخرى تجنبنا مثلا لما وقع في مصر هذه الفترة..؟

نحن أصدرنا بيانا ذكرنا فيه أن المجلس التأسيسي تآكلت شرعيته وأنها انتهت مدة صلوحيته وأصبح بؤرة للتآمر على الثورة وعلى الشعب وفيه مررت الكثير من القوانين التي أنهكت البلاد خاصة الاتفاقيات المتعلقة بالقروض الدولية وفيه الكثير من مشاريع القوانين التي من شأنها أن تضر البلاد في المستقبل ومررت عن طريق المجلس التأسيسي باعتباره السلطة الأصلية، وفي تقديرنا هذا المجلس لم تعد له أية صلوحية.

ولكنّنا لا نريد أن نسقط في المجهول بل نريد وضع خارطة طريق واضحة تضبط فيها المهام والآجال وهذا لن يتم إلا في المؤتمر الوطني للإنقاذ الذي باتت الحاجة إليه أكيدة، وقد يكون المجلس الوطني التأسيسي من بين المهام المطلوب إنجازها في آجال محدّدة أو أنه يقع حلّه.

بعض الأطراف أعلنت أنّ الجبهة الشعبية وحركة نداء تونس ركبتا على حركة تمرّد، فكيف ترون هذه الاتهامات..؟

نحن نحترم آراءهم وأسلوب تفكيرهم ولكن حركة تمرّد ليست حمارا صغيرا يُركب عليه، صحيح أنّ هناك عدّة تقاطعات بين ما تطرحه مجموعة حركة تمرد وبين رؤية الجبهة الشعبية ولكن لا تربطنا علاقة بهم.

وإذا عبّرت الجبهة الشعبية بصوت عال عما يختلج في وجدان التونسيين فهي لم ترتكب خطأ بل هي تأسست للتعبير عن وجدان هذا الشعب.

كسياسي قومي وناصري ما موقفك من حركة تمرد وما قام به الجيش المصري مؤخرا..؟

ما حدث في مصر كان نتيجة سطو الإخوان المسلمين على الثورة المصرية، تماما مثلما يحدث في تونس، ومحاولة الهيمنة على مقدرات البلاد بدء من مؤسسات الدولة إلى المؤسسات الاقتصادية إلى الجمعيات وكل مناحي الحياة.

وقد تكون للشعب المصري دراية أكبر بالإخوان المسلمين منها في تونس فانتبه إلى خطورة أفغنة الدولة والمجتمع فقام بتحرك غير مسبوق في التاريخ بنزول أكثر من ثلاثين مليون متظاهر ضدّ السلطة ورأس السلطة في مصر وهو مرسي باعتبار أن المجلس التشريعي هناك هو منحل.

وأمام هذا الكم الهائل والإرادة القوية لتغيير الحكم كان على الإخوان المسلمين أن يستجيبوا لإرادة المواطن المصري وأن يذعنوا للإرادة الوطنية وأن يعلن مرسي عن خارطة مستقبل شبيهة أو ذاتها التي أعلن عنها الجيش المصري وأن يحقن دم المصريين ويجنب البلاد الكثير من المآسي والقلاقل والمشاكل لكن تشبثهم بالسلطة بأي ثمن جعل الجيش يتدخّل للحجز بين المتظاهرين، وكعادتهم قاموا بحشد أنصارهم في هذه المظاهرات بناء على فكر يؤمنون به وهو التدافع السياسي والذي هو مضمّن بشكل غير مباشر في توطئة دستورنا.

وما قام به الجيش المصري دور وطني عودنا به في الأيام العصيبة على غرار ما قام به في 25 يناير والّذي أدّى إلى سقوط حسني مبارك،وعمل على حقن الدماء. وما حدث لا علاقة له بعملية انقلاب بل أمهل الجيش القوى السياسية وتشاور معهم ومع شيخ الأزهر ومع رئيس الكنيسة ومع كل الفرقاء ووصلوا إلى خارطة طريق أعلنوا عنها. ونعتقد أن تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا للجمهورية يدحض فكرة الانقلاب.

وصحيح أنّ مرسي منتخب من قبل الشعب لكنّه عبث بذلك التفويض وبتلك الشرعية فثار عليه الشعب، ومن نزل للشارع هم 6 مرّات أكثر ممن صوّت له في الانتخابات، وهذه إرادة الشعوب وهذه هي الثورات لكنّ الإخوان المسلمين متشبثين بالسلطة وتشبثهم هذا سبب كل هذه القلاقل والمآسي.

وعلى المصريين اليوم عدم استخدام العنف كما على القوات المسلحة والشرطة ضبط النفس أكثر ما يمكن تجنبا لإراقة دم المصريين، وأعتبر أنّ الشباب الّذي اندفع وأراد اقتحام نادي الضباط في الحرس الجمهوري قد تمّ تحريضه من المرشد العام للإخوان المسلمين خاصة بعد خطابه في ميدان رابعة العدوية ومن القيادات الإخوانية.

البعض يقول أن السيناريو المصري لا يمكن أن يتكرّر في تونس؟ فهل تشاطر هذا الرأي وما الدروس التي يمكننا استخلاصها من التجربة المصرية..؟

ربما لن يتكرّر بنفس الطريقة لكنه سيتكرّر بشكل من الأشكال لأن من يحكم هو نفس التنظيم والإستراتيجية هي واحدة وإن اختلفت بعض المسائل التفصيلية والأسلوب الذي يمارس في مصر هو نفسه الذي يمارس عندنا تقريبا وإذا لم يذعن الإخوان المسلمون في تونس، الذين تمثلهم حركة النهضة، للإرادة الوطنية والمرور نحو التوافقات حول أهم القضايا منها المتعلقة بالدستور و بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات وبالقانون الانتخابي وآجال إجراء الانتخابات ومنها القضايا المتعلقة بمراجعة التعيينات في مؤسسات الدولة والكف عن عقلية الهيمنة والسيطرة على الدولة فأعتقد أنه ستحدث أشياء شبيهة بمصر فنفس هذه الأسباب تقريبا كانت وراء انتفاضة إعادة تصحيح المسار في مصر.

وما يمكننا أن نستخلصه هو أنّ هذه الشعوب هي على درجة عالية من الوعي ولم يعد حزب واحد لا يؤمن بالديمقراطية ولا الجيش قادرين على حكمها بل هي شعوب ثارت من أجل الكرامة والتي لن تتحقق إلا بالعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية ولا يمكن أن تحكم سوى بأسلوب ديمقراطي توافقي.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

المرسوم عدد 55 لسنة 2022: تخوفات من خسارة المرأة التونسية لمكتسباتها

فادية ضيف كان اختيار تونس عاصمة “المرأة العربية ” لسنتي 2018 و 2019 و عاصمة …