هدى القرماني
لطالما استخدمت القوى الكبرى في حروبها وفي محاولاتها السيطرة على الشعوب العربية وعلى ثرواتها أدوات متجدّدة من فترة إلى أخرى وفق ما تقتضيه المرحلة ومصالحها في المنطقة فظهرت هذه الأيام أداة جديدة تسمى بالفتنة بين الشيعة والسنة وهي خلاف قديم بين المسلمين مرّت عليه قرون وقرون. فأيّ إستراتيجية اتّخذتها لذلك..؟ وما هي أدواتها..؟ وأيّ مناطق ركّزت عليها..؟ وما مدى نجاح هذه القوى في تحقيق مشروعها في المناطق العربيّة عبر العصور..؟
عن هذه الأسئلة وعن الأدوات الجديدة لهذه القوى حدّثنا الصحفي والباحث في العلوم السياسية ومدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية الدكتور رياض الصيداوي.
قضية الصراع بين السنة والشيعة
قضيّة مفتعلة من الخليج والمشرق العربي
اعتبر الباحث رياض الصيداوي أنّ قضية الصراع بين السنة والشيعة قضيّة مفتعلة من قبل الخليج والمشرق العربي لأنها غير موجودة أصلا في منطقة المغرب العربي وتمت تغذيتها في إطار الصراع الإقليمي بين المملكة العربية السعودية وإيران. فلمّا كان شاه إيران هو الذي يحكم لم تكن المملكة العربية السعودية تنتقد أو تهاجم الشيعة أو تتحدّث عنهم بل كانت تشنّ حملات على مصر عبد الناصر وجزائر أبو مدين وعلى البعث في سوريا والعراق وحتى على بورقيبة في تونس ولاحقا أصبح العدو هو صدام حسين والعراق والآن بشار الأسد وسوريا ومنذ سنوات تحوّل العدو إلى الشيعة إذ تمّ إنشاء قنوات إعلاميّة كثيرة وتمويلات كبيرة وتمّ تكليف شيوخ الوهابية المنضمين للرابطة الإسلامية العالميّة بأن يشنوا هجوما شرسا على الشيعة وأن يغذوا الفتنة الطائفية وأن ينشروها في كلّ مكان وفق ما صرّح به الدكتور رياض الصيداوي.
ويضيف الدكتور أنّ أحد شيوخ الأزهر مثلا قد تصدّى لهم بشكل واضح قائلا أنّ المذهب الجعفري أي الشيعة الإثني عشرية هو مذهب خامس معترف به من قبل الأزهر وأنهم إخوة لنا وإن اختلفنا في العقائد ونفس الموقف تقريبا اتخذه شيوخ الزيتونة وكلّ العلماء الإسلاميين، لكن التيار الوهابي في السعوديّة حسب الباحث يريد أن يثير هذه النعرة في إطار الحرب الأمريكيّة الإسرائيلية على المحور الجديد الإيراني السوري الروسي الصيني ومعهم حزب الله وهو في نقيض مع المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة.
الفتنة في تونس تندرج وفق نفس المخطّط الوهابي
ويذكر الدكتور أنّ المجتمع التونسي مجتمع مالكي سني معتدل دافع عن القضيّة الفلسطينية وعن المقاومة اللبنانية ولم تطرح فيه إشكالية محاربة الشيعة لكن يقول أنّ التيار الوهابي السعودي ضخّ أموالا هائلة لـ«أخونة» تونس ومصر ولخلق مشكل لم يكن موجودا أصلا وهو المشكل الطائفي وجنّد لذلك شيوخا سواء محليين (من تونس أو المغرب أو الجزائر) أو سعوديين بأموال طائلة لنشر هذه النعرة الطائفية معترفا أنّ عددا من الشيوخ التونسيين قد قبلوا لعب هذا الدور مقابل المال الوفير لإحداث هذا الشرخ بين المسلمين.
ويذكّر محدّثنا أنّ خلافا قد ظهر في السابق حول عدد من المفاهيم مثل الرافضة والمجوس وعبدة القبور الخ.. ودفعنا في تونس ثمن ذلك بعد الثورة على مستوى مهاجمة زوايا الأولياء الصالحين وحرق مقاماتهم علما وأنّ الزوايا الصوفية بالمغرب العربي هي التي حاربت الاستعمار الفرنسي والإيطالي من محمد الدغباجي في تونس إلى خليفة بن عسكر و مصباح الجربوع إلى الأمير عبد القادر الجزائري وبوعمامة والمقراني في الجزائر إلى عبد الكريم الخطابي في المغرب إلى المجاهد عمر المختار وهو شيخ زاوية صوفية في ليبيا.، بينما يقول الباحث أنّ الوهابية السعودية كما نعلم جميعا صنعها الاستعمار البريطاني بدء من مستر همفر ثمّ لاحقا مع الكابتن جون فيلبي، وهو ضابط المخابرات البريطاني وعمل مستشارا للملك السعودي عبد العزيز آل سعود.
ووفق نفس المخططّ الوهابي لبث الفتنة يسعى الوهابيون كما يشير المفكّر إلى إخماد الثورة التونسية في المهد وضرب أهدافها وقيمها وكانوا واعين لخطر هذه الثورة على بلادهم فأرسلوا شيوخهم وأموالهم إلى تونس ليس لبناء مصانع ولا لامتصاص البطالة وإنما لتوزيعها على بعض الشيوخ لنشر الفتن والحروب الأهلية وتقسيم المجتمع وإدخاله في متاهات طائفية ومذهبية لا علاقة لها بجوهر الثورة التونسية مغيّرين مسارها من «شغل حرية كرامة وطنيّة» إلى التداوي ببول البعير وإرضاع الكبير وإطاعة الأمير ومفاهيم جاهلية من العصر الحجري. ويرجع الباحث ذلك إلى أنّ الثورة التونسية قد أرعبت بعض الأنظمة الخليجية مشيرا في الآن ذاته إلى أنّ الشباب السعودي مبهور بهذه الثورة ويتمنى أن يحدث مثلها في الجزيرة العربية كما تتمنى المرأة السعوديّة والقطريّة أن تحصل على عشر ما تمتلكه المرأة التونسية.
و يرى المحلّل السياسي أنّه من المفروض أن نجمّع راية المسلمين لمحاربة الصهيونيّة لكنّه يؤكّد في نفس الوقت أنّ الوهابيّة لم تعلن أبدا الجهاد على الصهيونيّة أو محاربة المشروع الصهيوني بل كان جهادها دائما في الداخل ضدّ عرب مسلمين ومحاولة التفرقة بينهم مضيفا أنّها في كلّ مرّة تغيّر عدوّها.
علاقة الإخوان المسلمين بالمشروع الوهابي
يشير الباحث إلى أنّالإخوان المسلمين مرتبطين بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الّذي أنشأته قطر سنة 2004 وتقوم بتمويله وأنّ الشيوخ الوهابيين مرتبطون بالرابطة العالمية الإسلامية الّتي أنشأتها السعودية سنة 1962 لكن رغم صراع هذين التنظيمين وخلافهما أحيانا حول مسائل فقهية ودينية وسياسية وحتّى إعلامية إلّا أنهما التقيا حول الملف السوري ضدّ نظام بشار الأسد وضدّ المقاومة اللبنانيّة المتمثّلة في حزب الله.
والمعلوم كما يؤكّد الباحث أنّ الجهاد فقهيا لا يتمّ إلا في ديار الحرب أينما احتلّ أرض المسلمين غير المسلمين مضيفا أنّه لو نظرنا إلى الخارطة لوجدنا أنّ فلسطين هي محتلّة وقطر والسعوديّة تحتضنان قواعد عسكريّة أمريكية أي أنّ المطلوب إذا وفق الباحث وكما تقول مقاربة الفقه الإسلامي هو إعلان الجهاد في فلسطين وفي قطر والسعوديّة لتحرير أراضي المسلمين هذه المحتلة من غير المسلمين، لكن يقول الصيداوي أنّ خدمة المصالح الأجنبيّة جعلت من الفتنة عندهم هي الجهاد بينما هناك فرق في الإسلام بين الجهاد والفتنة فالجهاد هو ضدّ غير المسلمين الّذين يحتلون أرض الإسلام والفتنة هي حروب أهليّة داخليّة. ويضيف المفكّر أنّنا عشنا عبر التاريخ الإسلامي فتنا كثيرة المفروض معالجتها بقول الله تعالى «وأصلحوا بين أخويكم» أي بالمصالحة لأن دماء المسلمين على المسلمين حرام.
ويبيّن الباحث الفرق بين بابا الفاتيكان الذي دعا السوريين عند زيارته إلى بيروت بالقول «أيها السوريون أحقنوا دماءكم» وبين بعض الشيوخ مثل يوسف القرضاوي و عدنان العرعور و محمّد العريفي الّذين دعوا إلى القتل والتقتيل والذبح والتنكيل في سوريا وتأجيج الفتنة مؤكّدا أنّهم لم يدعوا في يوم من الأيّام إلى الجهاد ضدّ فلسطين ولا يقتربون منها ولا من جنوب لبنان على حدّ قوله.
لن تتحوّل هذه الفتن إلى حرب عالميّة ثالثة
يستبعد الدكتور الصيداوي ما يذهب إليه البعض من أنّ هذه الفتنة في منطقة الشرق الأوسط قد تؤدي إلى حرب عالميّة ثالثة قائلا أنّ آل سعود وآل ثاني ليسوا من يتحكمون في العالم ويوجهونه بل هم ليسوا سوى أدوات تنفيذ للقوى الكبرى وتحديدا لواشنطن.
ويشير الباحث إلى أنّ الحرب العالمية الثالثة قد تحدث بين روسيا والصين والهند وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة مستدركا أنّ هذه القوى العظمى عقلانية و لن تجازف بالسلم العالمي وبالتالي تغذية هذا الصراع الطائفي كما يقول المفكر هي من أجل الحروب الأهلية الإقليمية لا أكثر ولا أقل.
إسرائيل هي المستفيد الأوّل من الفتنة بين الشيعة والسنة
يختم الدكتور الصيداوي بالقول أنّ إسرائيل هي المستفيد الأول من كل ما يحدث في المنطقة العربية من ضرب صدام حسين وغزو العراق إلى ضرب ليبيا إلى سوريا وتفكيك جيشها إلى ضرب المقاومة اللبنانية أو حتى المحاصرة وضرب إيران..
ويضيف أنّ من أسّس إسرائيل هو نفسه من أسّس بعض الإمارات الخليجية أي وزارة المستعمرات البريطانية وهذا يثبته أرشيف علمي لا يزال موجودا إلى الآن وبالتالي يكرّر القول أنّ ما يجري هو في خدمة المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة وهم الآن يواصلون تنفيذه في سوريا.