هدى القرماني
عدّة متغيرات تشهدها منطقة الشرق الأوسط هذه الفترة من صعود للرئيس الإيراني الجديد حسن الروحاني إلى تسليم أمير القطر الحكم إلى ولي عهده تميم بن حمد آل ثاني إلى الاحتجاجات في تركيا إلى مرحلة التصعيد التي تشهدها مصر على الرئيس محمد مرسي وعلى حكم الإخوان..كلّها أحداث متسارعة ومتزامنة دون أن ننسى طبعا الصراع القائم في سوريا والمشاورات والمفاوضات التي تعقد من أجل هذا الملف..
فما الذي تخفيه هذه الأحداث..؟ وهل هناك من تغيير في السياسة تجاه منطقة الشرق الأوسط..؟ وأيّ مصير للقضية الفلسطينية من كلّ ما يحدث..؟
التقينا بالدكتور أحمد المناعي رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية والمؤرخ والجامعي المختص أيضا في العلاقات الدولية فرج معتوق علّنا نقف على ما يحدث في الشرق الأوسط ونتبيّن إن كان هنالك من مشروع جديد في المنطقة.
يصف المؤرّخ فرج معتوق المختص في العلاقات الدولية منطقة الشرق الأوسط بأنّها عقدة القارات وعقدة المشاكل والأزمات ومصادر النفط ذلك أنّ ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط موجود في تلك المنطقة كما تضمّ إسرائيل، القوّة المهيمنة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفلسطين والإسلام وكلّ هذا يجعل منها الشاغل القوي لأمريكا وأساس برنامجها.
هل يغيّر صعود الرئيس الإيراني الجديد السياسة الخارجية الإيرانية تجاه منطقة الشرق الأوسط..؟
يقول الدكتور أحمد المناعي رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية أنّه يجب الإقرار بداية بأنّ إيران دولة عتيدة قديمة قدم التاريخ قائمة الذات، منذ ما قبل الثورة الإسلاميّة التي غيّرت بعض الأشياء و لكن نواة الدولة يقول بقيت صلبة، ومجيء الرئيس حسن روحاني في اعتقاد الدكتور قد يغيّر في بعض الجزئيّات وبعض التفاصيل و في ممارسة الحكم ولكن ليس في الخيارات الكبرى الخارجيّة.
ويؤكد الدكتور أنّ إيران رغم استهدافها من قبل الغرب إلّا أنها لن تتراجع أو تتنازل عن خيارها النووي معتبرة أحقيتها في ذلك وسلميّة برنامجها الّذي سبق أن تعهدت بها مع إمضائها لمعاهدة حظر الأسلحة النوويّة، لكنّ الغرب يقول الدكتور مصرّ على تحطيم هذا البرنامج، وما يزال يعتبره برنامجًا عسكريّـًا.
وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية تجاه سوريا خاصة يؤكّد الدكتور أحمد المناعي أنّه لن يطرأ عليها تغيير بصعود الرئيس الجديد الإصلاحي والمعتدل ، فالقضية حسب محدثنا قضيّة خطاب ولإيران تقاليد وأعراف عريقة في التعامل مع العالم وسياستها الخارجية يساهم فيها كلّ من البرلمان والجيش وخامنئي المرشد الأعلى للثورة وهي مراكز سلطة قوية ومتعددة ومتنافسة أحيانا وفق الدكتور.
ويرجع الدكتور ما يحدث الآن في سوريا من دمار وتقتيل إلى حلفها الوطيد والمتين مع إيران قائلا عندما طُلب من الرئيس السوري بشـّار الأسد في سنة 2003، بعد احتلال العراق مباشرة، أن يطبّع علاقاته مع الدول الغربيّة شرط فكّ ارتباطه مع إيران والتخلي عن مساعدته لحزب الله ولحماس وترك القضيّة الفلسطينيّة، رفض النظام السوري هذه المساومة، ولو قبلها وتنازل لما حدث ما يحدث اليوم في سوريا على حدّ تعبير الدكتور المناعي.
أمّا على صعيد علاقة إيران بالمملكة العربية السعودية فيرى الدكتور أنها كانت طيّبة إلى حدود الثلاث سنوات الأخيرة أي منذ اندلاع الأزمة السورية تقريبا واختلاف المواقف تجاه النظام السوري ودخول السعودية في ما يمكن تسميته بـ«الحلف السني» وتحريض الوهابيين على محاربة الشيعة في حين أنّ إيران، ورغم بعض التحفظات على سياستها الداخليّة تجاه بعض المذاهب الأخرى (غير شيعيّة) في إيران، لم تجاهر أبدا بالعداء للسنـّة، بل على العكس من ذلك فالأصوات الرسميّة الإيرانيّة تدعو للتوافق والتفاهم بين المذاهب كما يصرّح الدكتور.
ووفق محدثنا فهذا الصراع بين السنة والشيعة هو محاولة من قبل الوهابيين لنسيان «الصهيونية»، ولا يستبعد رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية إمكانية التحالف بين كلّ من الوهابية والصهيونية بل يرى أنّ هذا ما يحدث الآن على مستوى سوريا والذي أصبح يكتسي بسرعة صبغة دينية.
من ناحيته يعتبر الأستاذ فرج معتوق أنّ صعود الرئيس الإيراني الجديد إلى السلطة لن يغير من السياسية الخارجية تجاه سوريا فمقاربة روحاني وخطابه يختلفان عن خطاب أحمدي نجاد الذي يبدو أكثر دبلوماسية والسؤال الذي يطرح حسب محدثنا هو إلى أيّ مدى تعبّر هذه الدبلوماسية عن خيارات إيرانية جديدة..؟ مذكّرا أنّ الفرس هم من اخترعوا لعبة الشطرنج وبالتالي فهم يتقنون لعبها.
ويبيّن الأستاذ أنّنا نلتمس تغيّرا على صعيد خطاب روحاني لكن يقول أنّه من المبكر جدا أن نقرّ بأنّ هناك تغيّرا في السياسة الإيرانية مؤكّدا تمسك إيران ببرنامجها النووي الّذي هو وفق الأستاذ برنامج حياة أو موت بالنسبة إليها. ويضيف أنّ جزء كبيرا من الساسة الأوروبيين وحتى جزء من الساسة الإسرائيليين يتفهمون إلى درجة ما حاجة إيران كقوة شيعية تختلف وتتنافس وأحيانا تتواجه مع الإسلام السني.
ويشير المؤرخ إلى أنّ الاستراتجيين الإسرائيليين والصهاينة يصنفون إيران على أنّها ليست العدو الأساسي بالنسبة للكيان الإسرائيلي وأنّ العدو الحقيقي اللدود له هو الإسلام السني و العرب السنّة والقضاء على جبهة النصرة بالنسبة إليهم يمرّ قبل القضاء حتى على حزب الله حسب تعبيره.
ويرى المؤرّخ أنّ خطاب روحاني على مستوى العلاقات الخارجية يمهّد لشيء ما ويساعد على فتح صفحة جديدة لفك الطوق الّذي تشعر به إيران خاصّة مع الخليجيين الذين يقول الأستاذ يتمنون ذلك لأنهم يتخوفون من إيران وازدادوا فزعا لأنّ الغرب لم يضرب إيران كما كانوا يتوقعون ولهذا هرعت المملكة العربية السعودية مؤخرا إلى طلب ودّها وأعلن وزير خارجيتها بأنهم على استعداد إلى مساعدة إيران والتعاون معها في حال صدقت في خطابها.
انتقال السلطة من حمد بن خليفة آل ثاني إلى ولي العهد تميم:
أيّة خلفيات..؟
يعتبر الدكتور أحمد المناعي أنّه من الخطإ أن يتصوّر أحد من الزعماء أو المفكرين الاستراتيجيين أو المحللين السياسيين أنّ للولايات المتحدّة الأمريكية أصدقاء بل لديها عملاء وقليلا من الحلفاء على غرار إسرائيل وبعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا.
وتنحية أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني مردّها كما يعلن الدكتور انتهاء المهمة التي كلّف بها مضيفا أنّ هذا ما يحدث أيضا مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لأن ما يجري في تركيا اليوم ليس غريبا حسب الدكتور المناعي عن الأيادي الأمريكية ونافيا في نفس الوقت أن تكون القوى الاجتماعية الداخلية التي وراء الأحداث في تركيا معادية للإسلام على خلاف ما يشاع. ويقول أنّ انتفاضتهم تعود إلى أسباب داخليّة حقيقيّة اجتماعيّة وسياسيّة مؤكدا أنّ أردوغان سيدفع الثمن لأنـّه تورّط في القضيّة السوريّة بشكل كبير و لأبعد الحدود.
ويرى محدثنا أنّ واشنطن إثر مؤتمر «جينيف 2» سوف تتخلّص من كلّ الأطراف التي لم تعد لها معها مصلحة والتي اجتهدت فيما لا يعنيها وتجاوزت الدور الموكل إليها في الأزمة السورية مذكّرا أنّها تخلّت عن قطر وقامت بسحب الملف السوري منها واليوم أشارت على أمير قطر بالتخلي عن مقاليد الحكم لنجله.
ويقرّ الأستاذ فرج معتوق بدوره أنّ دولة قطر قد فشلت فيما راهنت عليه بشأن الملف السوري بعد أن كانت تعتقد أنها لاعب أساسي في الساحة الشرق أوسطية وتنافس في صمت المملكة العربية السعودية في لعب هذا الدور مع بعض الاختلاف في خططهما. ويضيف أنّ واشنطن خسرت رهانها على هذه الدولة التي استنفذت دورها ولذلك توجهت إلى تغيير الوجوه والمرور إلى جيل أكثر شبابا على مستوى القيادة القطرية خدمة لمرحلة جديدة ضمن السيناريو والخطة الأمريكية.
الاحتجاجات في تركيا ومصير أردوغان
يقرّ الدكتور المناعي بأنّ تركيا بلد ديمقراطي وأنّ رجب طيب أردوغان وصل مرتين إلى الحكم في 2002 و 2008 بطريقة ديمقراطية لكن يعترف الدكتور بأنّ المعطيات في تركيا قد تغيّرت خلال فترة توليه لمنصبه وأصبح لأردوغان بالإضافة إلى خصومه التقليديين من حزب الشعب خصوم آخرون حتى من التيّار الإسلامي، وأنه بات من الصعب أن يتحصل أردوغان في الانتخابات البلدية القادمة على نفس المقاعد التي تحصّل عليها سابقا.
ويضيف رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية أنّ لأردوغان مشكل ناتج عن طبعه وهو أنـّه كثير الاعتداد بنفسه وبانتصاراته السياسيّة و بما أنجزه من تنمية اقتصاديّة ، وهذا أمر لا يستهان به. لكن يقول المفكّر أنّ ما ينساه أو يتناساه هو وغيره هو أنّ سياستهم التنموية قد خلقت فئات اجتماعيّة مسحوقة وهي التي تنتفض عليه اليوم.
وفي سياق آخر وعلى صعيد موقف أردوغان من سوريا يرى الدكتور أنّ هذا الأخير لم يقرأ حساب أنّ تركيبة تركيا المذهبيّة والدينيّة شبيهة بالتركيبة المذهبيّة في سوريا، ففي تركيا يوجد حوالي 20 مليون علوي، وهي أكبر نسبة علويّين في العالم ، ويستقرّون في المناطق الحدوديّة مع تركيا، وهم غير راضون عن اردوغان، وسيكونون حجرة عثرة في الانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى وجود أقليّات مسيحيّة خاصّة من الأرمن هم يمثلون نسبة لا يستهان بها من سكان تركيا ويمثلون أيضا نسبة لا يستهان بها من سكـّان سوريا وكانوا يعتبرون على الدوام أن سوريا هي الوطن البديل لأرمينيا ، وهم مندمجون أشدّ الاندماج في المجتمع السوري.
من ناحيته يشير الأستاذ فرج معتوق إلى أنّ ما نراه تقريبا في تونس وفي مصر وفي تركيا هو نفس الاصطفاف بين علمانيين مع مدنية الدولة ضد سيطرة الدين السياسي لكن مع مراعاة خصوصية كل بلد. ويرى محدثنا أنّ الاحتجاج على مشروع منطقة «تقسيم» في تركيا كان فرصة سانحة للعديد من الأطراف لتنضمّ وسط المحتجين المدافعين عن البيئة والركوب على الحدث للمطالبة بمطالب أخرى.
ويعتبر المؤرّخ أنّ خطة متكاملة تقف وراء هذه الاحتجاجات لكن يقول أنّ مسألة الديمقراطية في تركيا هي أكثر ترسّخا منها في تونس أو في مصر مضيفا أنّ القيادة التركية حقّقت انجازات عديدة على المستوى الاقتصادي طيلة السنوات الأخيرة وتحولت إلى نمر وبلد يصنّع التكنولوجيا ويصدّر حتى رأس المال.
الاحتجاجات في مصر وقطع علاقاتها مع سوريا:
أيّة انعكاسات وهل سيسقط حكم الإخوان..؟
يعلّق الدكتور أحمد المناعي على قطع الرئيس المصري محمد مرسي لعلاقاته الدبلوماسية مع سوريا بأنّها أشبه بما عمد إليه الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي.
ويضيف أنّ الجيش المصري قد ردّ على دعوة الرئيس مرسي للحرب والجهاد ضدّ الشيعيين قائلا أنّ الجيش المصري هو جيش مصر ومهمته الأولى والأخيرة هي الدّفاع عن حدود مصر وسيادة مصر. ويرى الدكتور أنّ مرسي قد يتوجه في أقصى الحالات إلى إرسال متطوعين إلى سوريا مع أنّ لديه متطوعين قد ذهبوا إلى هناك في وقت سابق وهم اليوم يقتلون يوميا كما جاء على لسان محدثنا.
ويستبعد الدكتور المناعي ما أعلنته وكالة الاستخبارات الأمريكية من سقوط لحكم الإخوان قريبا قائلا أنّه لا يوجد بديل لهم في تونس أو في مصر، رغم وجود قوى سياسيّة ورغم أنّ المعارضة المصريّة أقوى من المعارضة في تونس لكنّها يقول ليست بالقوة التي يمكنها أن تطيح بحكم الإخوان في القريب العاجل رغم تراجع القاعدة الشعبية للإسلاميين (حركة النهضة مثلا) والغضب الجماهيري ضدّها نتيجة خيبة الأمل الكبرى في سياستها.
ويعترف المناعي أنّه عندما راهنت واشنطن في السابق على الإخوان وحاولت إظهارهم كحركة إسلامية معتدلة، على خلاف الحقيقة حسب محدثنا، فلأنهم أكثر الفصائل السياسيّة تنظما ولأنهم عانوا من القمع الذي تسببوا هم فيه أيضا، وربّما هم مؤهـّلون أكثر من غيرهم لحكم هذه البلدان، ولكن يقول المفكّر تبيّن خلال السنة الفارطة أنـّه لا يكفي أن تكون قد تعرضت للتعذيب والقمع لتتولـّى شؤون البلد، فإدارة الدولة شأن آخر، وتتطلب خبرة و برنامجا سياسيا واقتصاديا، وهذا ما لا يذكره أحد لدى الإخوان وما يفسر تردّي الأوضاع في كلّ البلدان التي أمسك الإخوان فيها بمقاليد الحكم وفق الدكتور.
ويستحضر الدكتور تجربة السودان مشدّدا على عدم نيّة الإخوان ترك الحكم والتنازل عنه قائلا أنّ الرئيس السوداني عمر البشير لا يزال متمسكا بالسلطة طيلة 25 سنة بعد انقلابه سنة 1988 بمعية المعارض حسن الترابي على الحكومة الشرعية وأنه لم يتخلّ عنها رغم اقتطاع الجزء الجنوبي من السودان ولن يتخلّ عنها حتى ولو اقتطعوا أجزاء أخرى.
أمّا بالنسبة للأستاذ فرج معتوق فيرجع قرار محمد مرسي بقطع العلاقات مع سوريا إلى استجابته إلى الحوار الداخلي لدى الإخوان المسلمين في مصر ولدى الإسلاميين في مصر ككل لاسيما وأن قطع العلاقات جاء إثر معركة القصير والتي رأوا أنّها تحولت إلى معركة طائفية خاصّة مع دخول حزب الله، ذراع إيران في المنطقة، فيها. والرئيس المصري حسب المؤرّخ قرأ المسألة من هذه الزاوية ووفق رؤيته وخطّته والدور الّذي رآه لمصر كأكبر قوّة مسلمة سنيّة في المنطقة فتحرّك رفضا لسوريا الأسد المتحالف مع حزب الله ومع إيران وضدّ سوريا الطائفية وسوريا الهلال الشيعي كما يراها.
ويشير الأستاذ إلى أنّ أطراف مصريّة عدّة رفضت هذا الموقف من قبل القيادة المصرية التي لها مقاربة جديدة تختلف عن مقاربة الرئيس المصري السابق حسني مبارك المعارض لإيران والمتحالف مع الخليج ضمن الخطة والرؤية الأمريكية.
كما يؤكّد أنّ الاحتجاجات المتعدّدة ضدّ الرئيس مرسي والدعوات إلى إسقاطه من الصعب جدّا أن تطيح به لأنّه رئيس شرعي وصعد إلى السلطة إثر انتخابات نزيهة وديمقراطية وسقوطه يعني دخول مصر في فراغ.
ويقول أنّ الرئيس مرسي سيمرّ بفترة عسيرة فالجبهة المواجهة للسلطة واسعة جدا، كما أنه يجب أن لا ننسى كما يشير محدثنا إلى أنّ الغرب ينظر و يقرأ الشرق الأوسط دائما بعيون إسرائيلية وحين يتعلق الأمر بهذه المنطقة أو بمنطقة الخليج فإنه يصعب جدّا أن تمرّر رؤية أو سيناريو أو خطة عمل تصطدم بالمصالح الإسرائيلية مضيفا أنهم يسهرون دائما على هذه النقطة وأنّ أسبوع الغزل بين الولايات المتحدة الأمريكية والإخوان قد انتهى. ووحده توحيد وتكتل قوى المعارضة في مصر اليوم يمكنه إسقاط حكم الإخوان لكنّه يكرّر أنّ سقوط الإخوان مستبعد جدّا في الوقت الراهن.
لا يوجد مشروع جديد في الشرق الأوسط
ومصير المنطقة العربية رهين نتائج المعارك في سوريا
لا يرى الدكتور أحمد المناعي أنّ التغييرات التي طرأت على رأس كل من دولة إيران أو قطر أو الاحتجاجات الموجودة اليوم في تركيا وفي مصر تمكّننا من القول بأنّ هناك مشروعا جديدا لمنطقة الشرق الأوسط بل يقول أنّ واشنطن تسير اليوم نحو التفاوض مع سوريا خاصّة وأن حلفاءها على أرض الميدان قد خسروا المعركة الكبرى في هذه الحرب ولذلك يسعون اليوم إلى تسليحهم لإعادتهم إلى المعركة من جديد وإعطائهم فرصة استرجاع بعض المواقع فقط للاستفادة منها في مؤتمر «جينيف 2» والّذي سيعقد كما يقول الدكتور ليس بشروط أمريكيّة وإنّما بشروط كلّ الفرقاء.
ويرى الدكتور المناعي أنّ مصير المنطقة العربيّة سوف تحدّده النتائج الميدانيّة في سوريا وأنّ أعين القوى العظمى مشرئبّة على ما يحدث في تلك المنطقة ومنتظرة تغيرات الوضع الميداني هناك. ويشير الدكتور إلى أنّ تحركاتهم الأخيرة كانت ردّة فعل على سقوط مدينة القصير التي كانت قاعة العمليّات للحرب الكبرى الدائرة في سوريا منذ سنتين، مضيفا أنّ سقوطها كان انتصارا كبيرا لسوريا كدولة وكجيش وكان أيضا نقطة انطلاق من أجل تبرير أو تفسير ما تحاول واشنطن وحلفاؤها فعله الآن من عمليّات تسليح للمعارضة السورية بغاية استرداد بعض المواقع التي خسروها.
ويعلن الدكتور أنّ للولايات المتحدة الأمريكية أكثر من سيناريو في الملف السوري لكن يقول لا يمكن أن نتجاهل قوّة الطرف السوري على ميدانه والّذي يزيده صلابة الموقف الروسي والإيراني الداعم لسوريا واللذان لن يتراجعا عنه قيد أنملة.
ويشاطر المؤرّخ فرج معتوق ما يذهب إليه الدكتور المناعي من أنّه لا يوجد مشروع جديد للمنطقة وإنّ ما يحدث هو مواصلة للخطة الأمريكية القديمة بمقاربة جديدة وبسياسة أكثر مرونة مع المحافظة على نفس الهدف الاستراتيجي.
ويقول بأنّ «المعضلة السورية»، كما يسميها المؤرّخ، لها تأثير كبير جدّا على المنطقة باعتبارها العقدة الإقليمية وباعتبار أنّ لبنان هي في أتون هذه الحرب وأنّ العراق حاضرة والمالكي متحالف مع إيران وبالتالي من خلال ما ستؤول إليه الأحداث في سوريا سنستشف المعالم الجديدة للشرق الأوسط.
واشنطن لن تتخلّى عن الشرق الأوسط
يقول الأستاذ فرج معتوق أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعيش مرحلة انتقالية وأنّها لم تعد بنفس القوة الاقتصادية والمالية السابقة خاصة بعد الأزمة الاقتصادية الرهيبة التي عرفتها سنة 2008 والضربة التي تلقتها في العراق في 2003 والتي لازلت تتلقاها في أفغانستان رغم عدم إقرارها بالفشل لكنها وفق المؤرخ لا تزال تصرّ على لعب الدور الأساسي في منطقة الشرق الأوسط ودوليا واعتبارها القوّة العظمى في العالم التي ترجّح الكفّة وتمثل غطاء لإسرائيل وحامية لمصالحها وأمنها، ولذلك ليس من مصلحة إسرائيل أن تغادر أمريكا تلك المنطقة، ولا من مصلحة واشنطن التي تضع عدّة سيناريوهات حتى سنة 2030 أن تنسحب منها، خاصّة وأنها تعتبر أنّ الإسلام هو المنافس والمعضلة الكبرى بالنسبة إليها وإلى سياستها وإلى الرأس مال في العالم وهذا ما يجعلها تتمسك بخططها في هذه المنطقة حسب محدّثنا.
ويشير الأستاذ إلى أنّ الأمريكيين أصبحوا بعد الضربات التي تلقوها أكثر مرونة وديناميكيّة وقابلية لتغيير سياساتهم مؤكدّا أنّ مقاربتهم اليوم مع باراك أوباما تعتمد أساسا الابتعاد عن الحروب المباشرة خاصّة وأنّ التقنية المتطورة التي يمتلكونها أصبحت تسمح لهم بضرب وتصفية أعدائهم عن بعد و بأقل تكلفة.
إسرائيل المستفيدة الأولى مما يحدث في المنطقة
والقضية الفلسطينية أصبحت منسية
يعتبر الأستاذ فرج معتوق أنّ ما يجري في المنطقة هو لصالح إسرائيل وأنّ أمن هذه الأخيرة هي المسألة الأولى والأخيرة مشيرا في الآن ذاته إلى أنّ القضيّة الفلسطينية أصبحت منسية ومغيّبة رغم حضورها في الأذهان وأنّها السبب الحقيقي من وراء ما يحدث. بل يذهب المؤرّخ بالقول أنّ فلسطين انتهت وأنّه لم يعد بالإمكان أن نقيم دولة فلسطين ذلك أنّ الخارطة الفلسطينية تتغيّر يوميّا بسبب المستوطنات الإسرائيلية التي ابتلعت جزء كبيرا منها.
ويرى أنّ فلسطين ستتأثّر بنتيجة الصراع الموجود اليوم والذي هو مبنيّ على صراع السيناريوهات مبيّنا أنّ ما يحدث لا ينبأ بخير كثير وأنّ الأغلب أن تبقى الأمور كما هي أو تزداد تعفنا ولكن يقول إسرائيل تخاف أيضا الفوضى وربما في حال تفكك سوريا تصبح إسرائيل في مأزق كبير والهدوء التي تمتعت به منذ 1973 عبر نظام مسيطر على الوضع ومنظّم ويعرف قوانين اللعبة ويحترمها قد يتحول إلى مشكل كبير إذا ما صعدت أطراف لا تدرك موازين القوى ،وهذا يخيف جدا إسرائيل ولذلك هي مع بقاء النظام السوري كما يصرّح الأستاذ معتوق.
من جهته يرى الدكتور أحمد المناعي أنّ القضيّة الفلسطينية رٌكنت وأنّ ما ستسفر عنه الأحداث في سوريا سيكون له تأثير على الثورة الفلسطينية قائلا إذا ما انتصرت الدولة السورية فستعود القضية الفلسطينية كقضية أولى في المنطقة وإذا ما حدث العكس انتهت قضية فلسطين وأصبحت مجرّد نواة في تلك الأرض.
ويختم الدكتور بالقول أنّ كلّ ما حدث في سوريا وفي العراق وما سيحدث في المستقبل في هذه المنطقة وبالأساس هو رهين خيارات أقوى دولة في العالم تسعى إلى حفظ أمن إسرائيل ولهذا تعمل على التخلص من الدول المحيطة بها.